الاجتماع السري، حسب التقارير، جاء بطلب من صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره وموفده للشرق الأوسط جاريد كوشنر والمبعوث الأمريكي الآخر جيسون غرينبلات، وهذا يعني، من ضمن أشياء كثيرة، أن صلاحيات مبعوثي «السلام» الأمريكيين تتجاوز التفاوض بين السياسيين حول السلام إلى اقتراح اجتماع قادة الاستخبارات والأمن، أو أن الأمر بالعكس، وهو أن صلاحيات الساسة في منطقة «الشرق الأوسط» هي من مسؤولية القادة الأمنيين.
القمة الأمنية السرّية تلك، كانت، كما قيل في التقارير الصحافية، «لبحث سبل تحريك المبادرة الأمريكية لتسوية الصراع بين الكيان الاسرائيلي والفلسطينيين والعرب» و«تحريك عملية التسوية قدما»، فإذا افترضنا أن مسؤوليات القادة أولئك هي أمنية فقط كما تفترض مناصبهم، فهذا يعني أنهم اجتمعوا لتباحث المخاطر الأمنية التي ستترتب على فرض قرارات سياسية ستؤدي لنتائج وردود أفعال من شعوب المنطقة (أو بعض شعوبها، وخصوصاً الفلسطينيين والأردنيين).
يوحي التساوي في الألقاب، للوهلة الأولى، أن هناك تساوياً في الأوزان، فكل هؤلاء هم قادة أمنيّون، كما أنّه يوحي كما لو أن المجتمعين متشاركون في قضيّة يريدون حلّها، وليسوا أعداء وخصوماً ألدّاء.
الأردن نفت حصول الاجتماع فيما نفت السلطة الفلسطينية مشاركتها في الاجتماع (وهو أمر محمود بحد ذاته)، أما الأطراف الثلاثة الأخرى فلم تكذّبه، فاللقاء لا يشكّل حرجا لمصر، كما أن السعودية لم توفّر مجالاً لإعلان تقاربها مع الكيان الاسرائيلي بشكل أو بآخر، وذلك قبل حتى اندفاعة ولي العهد محمد بن سلمان الحثيثة بهذا الاتجاه.
لا نعرف الجوّ الذي ساد الاجتماع، لكن معرفتنا المتواضعة بنظرة الموساد إلى قادة أجهزة الأمن العرب وطريقة تعاملها معهم، تسمح لنا بتشبيهها بطريقة تعامل قادة الاستخبارات مع شعوبهم (أو إذا كان يتعلق بنظرتهم هم نحو الموساد فقد تشبه تعاملهم مع مسؤوليهم)، ولذلك لا نجور عليهم لو تكهنّا بأن اجتماعهم كان «ودّياً» وأن القمّة الاستخباراتية تلك جرت كما أمل راعياها الأمريكيان منها وأكثر.
الاجتماع، بهذا المعنى، كان اجتماعاً هرميّاً: الأمر فيه لأمريكا، والقيادة للكيان الصهيوني، والطاعة والتنفيذ للعرب.
سيعود القادة الأمنيون إلى قادتهم السياسيين بالأجندة التي «اتفقوا» عليها، وهي نفسها الأجندة الأمريكية ـ الإسرائيلية، وسيحاول القادة السياسيون، كلّ من موقعه، إعادة إعرابها وتصريف نحوها، سياسة واقتصادا واجتماعا، وسيكون حاصل الجمع الأمريكي والضرب "الإسرائيلي" هو الكسر العربي.
الواضح، رغم كل ذلك، أن هناك عقبات كبيرة أمام هذه المعادلة الكاسرة، وهي الفلسطينيون أنفسهم، فالاستسلام ليس خياراً ممكنا أمام قادتهم مهما كانت القوّة المعاكسة جبارة، كما أن القادة الأردنيين، الذين خرجوا من امتحان انتفاضة شعبيّة، ليست لديهم خيارات كافية تؤمن غطاء اقتصاديا وسياسيا شعبيا يسمح لهم بالانسحاب وترك الفلسطينيين يقاتلون وحدهم.
يبقى المصريون والسعوديون، وهؤلاء كانوا وما زالوا يجربون حظوظهم لإنهاء القضية الفلسطينية بالترغيب مرة والترهيب مرّات.
غير أن المعادلات، كما هو معلوم، لا تبقى على حالها.
المصدر :القدس العربي