دخل لبنان فترة الصمت الانتخابي وهي الفترة التي تسبق إنطلاق السباق الانتخابي للبرلمان غداً الأحد.
الانتخابات النيابية تنطلق صباح غد في سبعة آلاف مركز انتخابي وتوضع صناديق الاقتراع في عهدة رؤساء الاقلام، على أن يتولى أمنها 21 ألف عنصر من قوى الأمن الداخلي، وأمن الدولة والأمن العام، فيما يتكفل الجيش بأمن محيط المراكز.
ويتوجه الناخبون اللبنانيون طيلة نهار الأحد لاختيار ممثليهم في المجلس النيابي بعد 9 أعوام على آخر انتخابات برلمانية شهدتها البلاد، وبعد إنتظار طال لخمس سنوات عن الموعد الذي كان محدداً لإنتهاء ولاية البرلمان الذي أنتخب عام 2009، وذلك بسبب عدم التوافق على قانون إنتخابي جديد وسط تجاذبات وتباينات بين مختلف القوى السياسية بشأن مضون القانون، والتقسيمات الإدارية للدوائر الإنتخابية. ولكن القوى التي اختلفت على شكل قانون الإنتخاب عادت واتفقت على التمديد للبرلمان لثلاث مرات متتالية، على الرغم من معارضة بعض الأحزاب، ومنها التيار الوطني الحر الذي أسسه الرئيس اللبناني العماد ميشال عون.
فالتمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته ليل العشرين من أيار/ مايو الجاري ترافق مع تصاعد التوتر في المنطقة ولاسيما في سوريا، وتمدد الجماعات الإرهابية إلى داخل الحدود اللبنانية، وخاصة في السلسلة الشرقية الحدودية مع سوريا، عدا عن تنفيذ هذه الجماعات الكثير من التفجيرات الإرهابية في أكثر من منطقة لبنانية. إلا أن إجراء الإنتخابات المحلية ( البلدية والإختيارية) قبل عامين نزع الحجج من السلطة، وعلت الأصوات الداعية لإجراء الإنتخابات البرلمانية لاسيما أن البلاد كانت تعيش فراغاً في سدة الرئاسة ( إستمر الفراغ في سدة الرئاسة من 25 أيار / مايو عام 2014 إلى 31 تشرين أول/ أوكتوبر عام 2016 )، وبعد مخاض عسير ولد القانون الإنتخابي الراهن في 17 حزيران/ يونيو2017، وتضمن النظام النسبي للمرة الأولى في تاريخ لبنان، مع إعتماد الصوت التفضيلي على مستوى القضاء ( التقسيمات الإدارية اللبنانية تعتمد المحافظات التي تقسم إلى أقضية عدة). وشكل هذا القانون علامة فارقة في البلاد، وفي الوقت نفسه وضع القوى السياسية أمام إمتحان كبير "يوم المنازلة الكبرى"، يوم الأحد لجهة النتائج التي ستحققها في هذه الإنتخابات في ظل هذا القانون النسبي، فضلاً عن إعتماد الصوت التفضيلي وصعوبة مطابقة التوقعات للماكينات الإنتخابية مع النتائج الحقيقية والتي لن تعرف إلا بعد فرز الأصوات، وهذه المعضلة تعود لمندرجات القانون وعدم معرفة عدد لابأس به من الناخبين كيفية توزيع الأصوات التفضيلية على المرشحين، وخصوصاً في الدوائر التي للحزب الواحد أكثر من مرشح فيها، علماً أن الناخبين اللبنانيين اعتادوا على تشكيل لوائحهم الإنتخابية وتشطيب أسماء بعض المرشحين، وهذا الأمر لن يكون مسموحاً به حالياً في ظل اعتماد اللوائح المقفلة.
أما التعقيدات الأخرى ( التي لا تعني الناخبين وإنما المرشحين) فتكمن في إحتساب الحواصل الإنتخابية للوائح المتنافسة، (الحد الأدنى لتمثيل كل لائحة بمقعد وما فوق ويتحدد بقسمة عدد المقترعين في كل دائرة على عدد مقاعدها وتحصل اللائحة على مقعد مقابل كل حاصل إنتخابي)، ومن ثم يصار إلى إحتساب نسبة الأصوات التفضيلية التي حصل عليها كل مرشح لتحديد الفائزين على اللوائح، وفق الحواصل التي نالتها كل لائحة وإسقاط نتائجها على المقاعد طائفياً ومذهبياً تحت السقف المحدّد لكل لائحة.
هذه التعقيدات التقنية انسحبت على التحالفات السياسية في البلاد، ولم يشهد لبنان تحالفات ثابتة في هذه الإنتخابات، فالحلفاء في هذه الدائرة هم خصوم في دائرة ثانية من دون إعتماد معايير موحدة للتحالفات، وهذا الأمر فرق الأحزاب والقوى التي كانت منضوية في تكتلي 8 و14 أذار وباتت المصلحة الإنتخابية هي الحليف الوحيد لتلك القوى، مع إستثناء تمثل في تحالف مركزي وإستراتيجي بين حزب الله وحركة أمل في جميع الدوائر التي للطرفين مرشحين فيها.
والمفارقة أن هذه التحالفات أطاحت ببعض التفاهمات ومنها على سبيل المثال التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبناني الذي أعلن عنه في 18 كانون الثاني/ يناير عام 2016 وعرف بـ"إعلان النوايا" أو "تفاهم معراب" ( نسبة إلى مقر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع)، ولم يشهد لبنان أي تحالف بين الطرفين في أي دائرة إنتخابية بالزامن مع رفع رئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل وتيرة إنتقاداته لجعجع قبل ساعات من إنطلاق العملية الإنتخابية.
إذاً ساعاتٌ تفصل لبنان عن "المنازلة الإنتخابية الكبرى" والتي ستتضح نتائجها فجر الإثنين لترسم ملامح المرحلة السياسية المقبلة في البلاد، بدءاً من إنتخاب رئيس للبرلمان ومن ثم تسمية رئيس مكلف تشكليل الحكومة، وصولاً إلى نيل الحكومة الجديدة أو حكومة العهد الأولى كما ستسمى مروراً بالكباش غير السهل على توزيع الحقائب الوزارية، ولا سيما السيادية والخدماتية، وسط توقعات بأن لا تكون تلك الأمور سلسة لأن الكثير من التباينات ظهرت في البلاد قبل دخول لبنان فترة الإستحقاق الإنتخابي.
أعداد الناخبين وتوزعهم الطائفي
بحسب لوائح الشطب ( قوائم الناخبين) التي أعلنتها وزارة الداخلية اللبنانية، فإن عدد الناخبين في لبنان هو 3 ملايين و746 ألفاً و 483 ناخباً، مدعوون الأحد إلى الاختيار بين 597 مرشحاً (توزّعوا على 77 لائحة مقفلة وبينهم 86 مرشحة ) يتنافسون على 128 مقعداً برلمانياً يتقاسمها مناصفة المسيحيون والمسلمون.
ويتوزع هؤلاء على الظوائف وفق الآتي:
2.391.943 مسلماً (1.085.146 سنّة و1.068.274 شيعة و206.894 دروزاً و31.629 علوياً) بنسبة 63.85 في المئة، و1.334.510 مسيحيين بنسبة 35.62 في المئة (725.535 موارنة، 257.713 أرثوذكس و172.450 كاثوليك، و87.679 أرمن أرثوذكس و19.566 أرمن كاثوليك و19.016 انجيليين و30.681 سريان و21.870 أقليات)، إضافة إلى 4.704 يهود و15.326 (مختلف).