. وكان إنشاؤه طبقاً للنظام الأساسي للمنظمة، الذي نص، في مادته الثانية والعشرين، على أن "تشكل وحدات فلسطينية خاصة، وفق الحاجات العسكرية، والخطة التي تقررها القيادة العربية الموحدة، بالاتفاق وبالتعاون مع الدول العربية المعنية". وقد عُدِّلت هذه المادة، في الدورة الرابعة للمجلس الوطني، لتنص على أن "تنشئ منظمة التحرير الفلسطينية جيشاً، من أبناء فلسطين، يعرف بجيش التحرير الفلسطيني. وتكون له قيادة مستقلة، تعمل تحت إشراف اللجنة التنفيذية، وتنفذ تعليماتها وقراراتها، الخاصة والعامة. وواجبه القومي، أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين".
ويتألف الجيش من ثلاث قوات رسمية:
أ. قوات "عين جالوت"، وترابط في مصر.
ب. قوات "القادسية"، وقد رابطت في العراق، ثم في الأردن، ثم سورية.
ج. قوات "حطين"، وترابط في سورية.
وكان قوام جيش التحرير الفلسطيني ودعائمه، هي الكتائب التي أنشأتها مصر، باسم الكتائب الفلسطينية، في الجيش المصري، وفيها يقول السيد غالب إبراهيم الوزير: "شكلت القيادة المصرية، في قطاع غزة، كتيبة الحراسات الفلسطينية، كأول نواة نظامية لجيش فلسطين، عام 1953. كان يقابلها، في سورية، تشكيل كتيبة المغاوير الفلسطينية... اتسعت كتيبة الحراسات، في قطاع غزة، وازداد الإقبال عليها، من قبل شباب قطاع غزة، وشاركوا في الدفاع عن قطاع غزة، في حرب العدوان الثلاثي، 1956. وشهد لهم الرئيس جمال عبد الناصر بأدائهم القتالي المتميز". وكانت تلك الكتيبة بقيادة اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف، وهو أحد الضباط الأحرار، الذين شاركوا في الثورة المصرية، عام 1952.
أعلنت معظم الدول العربية، منذ ذلك الوقت، حق منظمة التحرير الفلسطينية في تمثيل الفلسطينيين. وسمحت لها بعقد اجتماعاتها على أراضيها، وإصدار إنتاجها الأدبي، وأن يكون لها مكاتب وجرائد وإذاعات، وأن تختار المتطوعين للعمل في جهازها، وفي صفوف جيش التحرير الفلسطيني.
عقد أحمد الشقيري مؤتمراً صحفياً، في القاهرة، في 15 سبتمبر 1964، أعلن فيه ولادة جيش التحرير الفلسطيني، وتعيين المقدم وجيه المدني، الضابط الفلسطيني في الجيش الكويتي، قائداً له، وعضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة. ومن الفور، منحته المنظمة رتبة لواء، لتسهيل مسؤولياته، الإدارية والعسكرية، وعُهد برئاسة أركان الجيش التحرير إلى العقيد صبحي الجابي.
وصل اللواء وجيه المدني إلى القاهرة، في 24 سبتمبر 1964، لتسلم مهام منصبه. وأعرب عند وصوله، عن أمله أن يوفق في المهمة التي أسندت إليه. واجتمع، في اليوم نفسه، بالسيد أحمد الشقيري.
انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية تدافع عن قضيتها، سياسياً وعسكرياً. وأخذت تعمل على إبراز الدور العسكري لشعب فلسطين، إذ كان من أهم قراراتها العسكرية، في مؤتمر التكوين، في القدس، افتتاح معسكرات لتدريب جميع القادرين على حمل السلاح، من أبناء الشعب الفلسطيني، رجالاً ونساءً، وتشكيل الكتائب، العسكرية النظامية والفدائية، وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة، وإعدادها في الكليات العسكرية لدى الدول العربية والصديقة، حيث أطلق على هذه الكتائب جيش التحرير الفلسطيني، الذي قال عنه أحمد الشقيري، في مؤتمر صحفي، عقد في مكتب المنظمة، في بيروت، في 19 ديسمبر 1964: "إن الجيش الفلسطيني، ليس تابعاً لأية حكومة عربية، وهو جيش الشعب الفلسطيني وحده".
بدأت مراكز التعبئة والتجنيد، في قطاع غزة والعراق وسورية، تستقبل المتطوعين من أبناء الشعب الفلسطيني، للتدريب على حمل السلاح، والانضمام إلى صفوف جيش التحرير. وأخذ اللواء وجيه المدني يتنقل بين الدول العربية، حيث أماكن التدريب؛ فوصل بغداد على رأس وفد عسكري، بعد أن أعلن قائد الجيش العراقي، الفريق الركن عبد الرحمن عارف، في 12فبراير1965، قبول 60 ضابطاً فلسطينياً في دورة تدريب، تستمر ستة أشهر.
تخرجت أول كتيبة لجيش التحرير الفلسطيني، في سورية، في 3 مايو 1965، في احتفال كبير، في بلدة حرستا، بالقرب من دمشق، حضره اللواء وجيه المدني، الذي سلّمها العلم الفلسطيني، وبحضور الفريق أمين الحافظ. ووافق مجلس الوزراء السوري على مشروع قانون، يعفي المستوردات الحربية، العائدة لجيش التحرير، من الضرائب.
احتفل قطاع غزة، في الأول من سبتمبر 1965، بالذكرى الأولى لإنشاء جيش التحرير الفلسطيني تحت سيادة الإدارة المصرية. فشهدت مدنه استعراضات عسكرية، حضرها حاكم القطاع العام، المصري، الفريق العجرودي، واللواء وجيه المدني؛ وكبار ضباط الجيش الفلسطيني.
أطَّردت قوة جيش التحرير ازدياداً، يوماً بعد يوم، وخاصة بعد أن وافق الرئيس جمال عبد الناصر، في مؤتمر القمة العربي الثاني، على وضع قطاع غزة وسيناء تحت تصرف ذلك الجيش. أمّا الأردن، فعارض منحه مساحة من أرضه، لأن إنشاء جيش فلسطيني مستقل فيه سيؤثّر في الأوضاع الأردنية، إذ أن الجيش الأردني مكون من عناصر أردنية وفلسطينية. وتقرر، في مؤتمر القمة العربي الثاني، أن تسهم الدول العربية في ميزانية جيش التحرير- كلٌّ حسب نصيبها في ميزانية الجامعة العربية- مضافاً إليها مليون دينار أو مليونان من الكويت، ومليون من العراق، ومليون من المملكة العربية السعودية. وكذلك أقر الملوك والرؤساء العرب، كافة خطط منظمة التحرير الفلسطينية، على المستوى العسكري والسياسي والمالي والتنظيمي والإعلامي.
وكان عام 1967، عام بداية التجربة الكبرى لجيش التحرير الفلسطيني، فقد شارك في حرب يونيو 1967، مشاركة فعليَّة؛ فبعد خروج قوات الطوارئ الدولية من غزة، وجّه رئيس المنظمة رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، في 21 مايو 1967، أعلن فيها وضع وحدات جيش التحرير في قطاع غزة، تحت تصرف الجمهورية العربية المتحدة. وعلى الرغم من النهاية، التي آلت إليها هذه الحرب، فقد أعاد ذلك الجيش تجميع نفسه، قبْل أن ينصرم العام، ليبرز، من جديد، في العام الذي تلاه، على مسرح الكفاح المسلح، الذي أجمعت عليه جميع التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وفي فبراير 1968، تأسست قوات التحرير الشعبية، التابعة لجيش التحرير الفلسطيني. وتبنّت في حربها على العدوّ، نظام القطاعات والوحدات والقواعد، على غرار الفدائيين. وبعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن، عام 1971، بقيت فيه إحدى كتائب قوات القادسية، وتحولت، لاحقاً، إلى كتيبة زيد بن حارثة المستقلة. وكذلك تشكلت كتيبة جديدة، في سورية، وكتيبة مدفعية، بين عامَي 1971 و1973، تابعة لكتيبة القادسية، كما تشكلت كتيبة مصعب بن عمير المستقلة، وضمت ضباطاً مفرزين من جيش التحرير الفلسطيني، وبقايا قوات التحرير الشعبية.
وشاركت وحدات جيش التحرير الفلسطيني في حرب أكتوبر، إذ حاربت قوات عين جالوت، وقوة من الثورة الفلسطينية، وخاصة من "حركة فتح"، في الجبهة المصرية، على قناة السويس؛ وكتيبة مصعب بن عمير، مع قوة من "حركة فتح"، في الجنوب اللبناني؛ وقوات حطين والقادسية، في الجبهة السورية.
وبعد حرب 6 أكتوبر 1973، ظل جيش التحرير الفلسطيني موزعاً في الدول العربية، على النحو الآتي:
أ. كتيبة زيد بن حارثة، في الأردن.
ب. كتيبة عين جالوت، في مصر.
ج. كتيبتا حطين والقادسية، في سورية.
د. كتيبة مصعب بن عمير، في لبنان.
أماكن تدريب جيش التحرير الفلسطيني:
واكب قيام منظمة التحرير الفلسطينية ظروف صعبة. وقد أسفر تعدد التنظيمات، السياسية والحزبية، في الساحة الفلسطينية، إضافة إلى المواقف العربية المختلفة من الكيان الفلسطيني، عن اختلاف وجهات النظر في كثير من القضايا. غير أن التفاف الشعب الفلسطيني حول المنظمة، ودعم مصر لها، بقيادة زعيمها، جمال عبد الناصر ـ أسهما في تمكينها من تخطي مصاعب المرحلة الأولي من التأسيس، وساعداها على إرساء المؤسسات العسكرية، وافتتاح أماكن للتدريب. فاستقبلت مراكز التعبئة والتجنيد، في قطاع غزة، المتطوعين، بعد صدور القانون رقم 4، لعام 1965، في شأن الخدمة، العسكرية والوطنية، في القطاع، والذي نص، في المادة الأولى، على أن الخدمة العسكرية إجبارية، ومفروضة على الذكور، ابتداء من سن الثامنة عشرة حتى الثلاثين. وأقيمت معسكرات لتدريب الفلسطينيين على حمل السلاح، في كلٍّ من مصر وسورية والعراق والجزائر، فأشرفت عليه الإدارة المصرية، واتخذ جيش التحرير الفلسطيني سيناء ميداناً لتدريباته ومناوراته العسكرية بالذخيرة الحية. وقد تخرجت أول دفعة من جيش التحرير، في سورية.
غير أن عدد أولئك المتدربين، كان قليلاً؛ بسبب الافتقار إلى أماكن تدريب ملائمة، إذ إن بعض الدول العربية، رفضت استقبال فلسطينيين، لهذا الغرض، مثل لبنان، الذي أصدر قانوناً، عام 1962، يمنع أي فلسطيني من السفر إلى الخارج، من أجل التدريب، ثم العودة إليه. أمّا الأردن، فقد بلغ رفضه التدريب الفلسطيني على أراضيه، حدَّ الخلاف مع المنظمة؛ وهو ما اضطر المنظمة إلى البحث عن أماكن أخرى، مثل موسكو والصين، والتي كشف عنها رئيس المنظمة، في اجتماع الدورة الثالثة للمجلس الوطني الفلسطيني، في غزة، في 20 مايو 1966؛ إذ أعلن أن الصين، تقدم العون العسكري إلى المنظمة، من دون شرط، ومن غير قيد.
شارك جيش التحرير الفلسطيني في كافة العمليات العسكرية، في حربَي 1967 و1973، ومعارك سبتمبر 1970، في الأردن، فضلاً عن حصار بيروت، وحصار طرابلس، وحصار المخيمات، إبّان الحرب اللبنانية. وأعيد تنظيمه عام 1982، بعد الخروج من بيروت، واندمجت فيه معظم قوات "حركة فتح" العسكرية (العاصفة).
وتشرف الدائرة العسكرية للمنظمة، إستراتيجياً، على القوات العسكرية التابعة لها، وذلك من خلال القيادة العامة لقوات الثورة. وتتولّى اللجنة التنفيذية تعيين القائد العام لهذه القوات، ورئيس أركانها. ويعيِّن القائد العام أعضاء المجلس العسكري الأعلى، برئاسته.
وتشرف الدائرة العسكرية، كذلك، على كلية أركان حرب الثورة الفلسطينية، التي تضطلع بتدريب الضباط وإعدادهم للخدمة في صفوف القوات، التي عانت محدودية فاعليتها؛ لوجودها خارج أراضي فلسطين المحتلة.
المصدر: وكالة وفا