الشيخ شفيق جرادي
تستوقفك مشاهد في الحياة، وكلمات هي أعمق غورًا ممّا اعتادت الحياة العاديّة أن تتلقّاها. فالزمن في علاقته مع الأحداث يصيغ هويّته، إذ ليس الزمن إلّا تتالي الأحداث، التي ليست إلّا تشكّلًا زمنيًّا. ويثور فيك السؤال عن مغزى ذاك التأبّط لسجادة الصلاة، التي كان يضمّها الشيخ عبد الكريم عبيد بيديه الأسير المحرر، ناحية قلبه. وما سر هذا الحضور في جواب الحاج أبو علي الديراني(أيضا أسير محرر)، حينما يسأل إذا كان سيستمر في مسيره الجهاديّ. إنّ الجهاد أمر إلهيّ، وهو أعمق من الخيارات المباشرة. يثور فيك السؤال عن معنى ذاك التوجّه نحو القِبلة لتأدية الصلاة، التي كان أحد الأسرى يقوم بها، دون أن تحجبه جلبة الاستقبال المهيب والتأثّر عن صلاته، ودون أن يعيقه لهب الشوق المشتعل في قلبه للأحبة، عن التمهل بعد الصلاة، للاستمرار في الذكر المبارك، وتسبيحة الزهراء عليها السلام.
وفضلًا عن هذا وذاك، يقف الرجل “الرجل” وهو يحمل في نبضه كلّ روح المقاومة، وفي عينه كلّ مساحات التحفّز، وبريق النصر، ومعنويّة الثبات، والتماعة الشوق لصور الأنبياء والصدّيقين والشهداء. ليرتّل آيات العبوديّة لله وحده، صاحب المنّة والفضل الذي لم ينقطع، ولن ينقطع ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(1)
مستحضِر، قبل أيّ حيثيات تتناول مسار الانتصار، البعد الثقافيّ والتاريخيّ والحضاريّ والمبدئيّ، الذي تكون بفعل الانتماء إلى ديننا، وديننا هذا، هو الذي عرّفه إمام الأمّة الراحل الخميني العظيم قدّس الله سرّه في وصيّته الخالدة، حينما قال:
"إننا أتباع مذهب يريد أن ينقذ من المقابر حقائق القرآن الذي ينادي كلّ جزء منه بالوحدة بين المسلمين، بل بين البشريّة، بإعتباره أعظم وصفة منهجيّة من كلّ القيود التي تكبّل أرجلهم، وأيديهم، وقلوبهم، وعقولهم، وتجرّهم نحو الفناء، والعدم، والرقّ، والعبوديّة للطواغيت."(2)
أمّا طريق تحقيق هذا الاقتدار الذي ينطوي عليه ديننا، فهو إنجاز النصر الميدانيّ، الذي إنّما يتمّ بـ”ركنيه الأصليين وهما:
الركن الأوّل: الدافع الإلهيّ، والهدف السامي.
الركن الثاني: اجتماع الشعب في جميع أنحاء العالم، مع وحدة الكلمة من أجل ذلك الدافع وذلك الهدف”.
من كلّ هذا الزخم، يقف سيّد المقام “الرجل/الرجل” السيّد حسن نصر الله، ليعبّر عن كلّ هذا العمق الحاكم، بأحداثه، لهويّة الزمن. وليبني منظومة حاضرة في العقل والثقافة والوجدان. إنّها منظومة كرامة الإنسان وعزّ إرادته، التي يحلو لسيّد المقاومة أن يسمّيها: “ثقافة المقاومة”. وهو إذ يدعو لتعميمها، فمن موقع صراعها مع منظومة قائمة في هذا الزمن:
هي ثقافة التوحّش، التي حوّلت السلطة إلى آلة، من جديد، تنشر الرعب في قلوب الضعفاء وديارهم، وتغتال الحقّ والكرامة بشعارات دعيّة، حرّفت قيم الحريّة والحقوق، وفكّكت معنى الإنسان لتجعل منه مجرّد كمٍّ رقميّ مهمل في حسابات التوسّع والسيطرة، معيدة صياغة كلّ هدف.
لذا، كانت كلّ كلمة من كلمات التحرير تساوي مفردة من مفردات “ثقافة المقاومة”.
بل كلّ خطوة وقرار وموقف وفهم ومعرفة، ودين وصلاة وخيار، وقلب وتسبيح لله رب الحياة ورب الموت، والذي بيده مقاليد كلّ شيء، والذي قال في كتابه العزيز، والذي لطالما يطيب لقلب سيد المقاومة، وكلّ مقاوم أن يتلوه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(3)
الهوامش:
(1)سورة الإسراء، الآية 70.
(2)الوصيّة الخالدة للإمام الخميني (قده) ص/13، الصفحة22.
(3)سورة آل عمران، الآية 139.
المصدر: .wordpress.com