ملخص تنفيذي
بعد سلسلة من الضغوط الكبيرة التي طالت أهم الشخصيات المنافسة للرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، على منصب رئيس الجمهورية، وأثمرت في إخراجها من مضمار السباق، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، أمس الاثنين الموافق 29 يناير/كانون الثاني 2018، إغلاق باب الترشيح للتنافس على ذات المنصب، بعد عشرة أيام من فتحه، وانتهى الأمر بقبول أوراق كل من عبد الفتاح السيسي، ورئيس حزب الغد المصري، موسى مصطفى موسى، الذي قدم أوراق ترشحه للرئاسة قبيل دقائق من إغلاق باب الترشيح، بعد حصوله على 26 استمارة تزكية من نواب البرلمان، وهو ما يرجح أن الانتخابات تتجه نحو مسار انتخابات غير تنافسية، أو ما يطلق عليه الإعلام المصري نموذج انتخاب الكمبارس، وذلك ما يثير التساؤل عن وجود مسارات أخرى لهذه الانتخابات؟ وعن التداعيات التي يمكن أن يحملها المضي في مسار الانتخابات اللاتنافسية على مستقبل الأوضاع الداخلية في مصر ودورها الإقليمي؟
عملية التحكم المبكر وفرز المنافسين
اتخذ نظام السيسي جملة من الإجراءات الخشنة تجاه المرشحين الذين أبْدَوا رغبتهم في الانضمام إلى حلبة السباق، ومنافسة الرئيس السيسي، وكانت البداية مع الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء السابق ومنافس الرئيس المصري السابق محمد مرسي في انتخابات 2012، والذي أعلن في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة، ليتعرض بعدها على الفور لحملات واسعة من قبل وسائل الإعلام التابعة للنظام في مصر، وفي شكل دراماتيكي تصاعدت الإجراءات الخشنة ضد شفيق؛ فقد أكد لاحقاً أن السلطات الإماراتية منعته من مغادرة أراضيها، حيث كان يقيم منذ خسر انتخابات 2012، وفُهم الأمر على أنه تم بإيعاز من السلطات المصرية.
وبمجرد عودته من الإمارات إلى القاهرة، في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2017، أُحيطت الطائرة التي أقلته بإجراءات أمنية مشددة، وبعد نحو شهر من إقامته شبه الإجبارية في جناح خاص بأحد الفنادق الفخمة بالقاهرة، خرج شفيق على المصريين في السابع من يناير/كانون الثاني 2018، ليعلن لهم عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة لعام 2018.
وبرر تراجعه عن الترشح في حسابه على موقع "تويتر" بالقول إنه "لن يكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة"، ودعا الله عز وجل "أن يكلل جهود الدولة في استكمال مسيرة التطور والإنجاز لمصرنا الغالية"!
وبحسب ما كشفت صحيفة نيويورك تايمز فإن السلطات المصرية مارست ضغوطاً شديدة على شفيق، لإجباره على الانسحاب من المنافسة، ونسبت لأحد محامي شفيق قوله إن الحكومة أكرهته على الانسحاب بتهديده بالتحقيق في اتهامات سابقة بالفساد ضده.
حالة سامي عنان مؤشر لصراع خفي داخل المؤسسة العسكرية
الموقف الأقوى من قبل السيسي كان ضد الفريق سامي عنان، رئيس الأركان الأسبق للجيش المصري، الذي أعلن في 19 يناير/كانون الثاني 2018 ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية، ودعا حينها، في كلمة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية إلى الوقوف على الحياد في السباق الرئاسي، وعلى الفور جرى استدعاء عنان للتحقيق معه من طرف القيادة العامة للقوات المسلحة، التي عدَّت أن بيان ترشحه كان يتضمن "تحريضاً صريحاً ضد القوات المسلحة بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب المصري العظيم"، واتهمته- في بيان بثه التلفزيون الرسمي في 23 يناير/كانون الثاني 2018، بارتكاب "مخالفات قانونية صريحة، مثلت إخلالاً جسيماً بقواعد ولوائح الخدمة"، واستبعدت الهيئة الوطنية للانتخابات المصرية، في 23 يناير/كانون الثاني 2018، عنان من قاعدة الناخبين، بحجة أنه "لا يزال محتفظاً بصفته العسكرية"، التي تحوْل دون ممارسة الترشح والانتخاب.
وبعد إيداعه السجن الحربي- تمهيداً لمحاكمته على الأرجح- اضطرت الحملة الانتخابية لعنان إلى إعلان التوقف عن العمل حتى إشعار آخر.
وكان عنان قد اختار المستشار هشام جنينة نائباً له في حملته الرئاسية لشؤون مكافحة الفساد، وكان جنينة قد استُبعد من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات عقب تصريحات قال فيها إن فاتورة الفساد بمصر تبلغ ستمئة مليار جنيه (34 مليار دولار). وفي 27 يناير/كانون الثاني، وبينما كان "جنينة" في طريقه لحضور جلسة في المحكمة للطعن في قرار عزله، تعرض لاعتداء عليه من قبل مجهولين وهو يستقل سيارته أمام منزله بإحدى ضواحي القاهرة، واتَّهم محاميه، علي طه، الشرطةَ بمحاولة قتل موكله؛ من خلال رفض إسعافه وتركه ينزف داخل قسم الشرطة الذي نقل إليه.
وقال علي طه إنه شخصياً تعرض للطرد من أمام قسم الشرطة، ومُنِعَ من التواصل مع موكله، ورُفض طلبه بتحرير محضر يتهم خلاله بعض الأشخاص بمحاولة قتل موكله؛ لأسباب هو لا يعرفها، وأضاف محامي جنينة أنه توجه إلى مكتب النائب العام لتقديم بلاغ رسمي ضد وزارة الداخلية يتهمها خلاله بمنع موكله من الحصول على العلاج الطبي اللازم لحالته الحرجة بعد الاعتداء عليه.
ويسود اعتقاد لدى قطاعات من المصريين بأن "أجهزة أمنية ربما تكون وراء الاعتداء على جنينة، تأديباً له لتجرئه وانتقاده فساد النظام، ثم التجرؤ على الالتحاق بحملة مناوئة لحملة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الانتخابية".
وكانت الإجراءات الخشنة ذاتها قد طالت عقيداً في الجيش المصري يدعى أحمد قنصوة، أعلن، في ديسمبر/كانون الأول 2017، ترشحه للانتخابات الرئاسية بهدف "إنقاذ البلاد من الواقع المتردي"، حسب وصفه، وجاء ذلك في مقطع فيديو نشره على موقع فيسبوك وهو يرتدي الزي العسكري.
ورداً على ترشحه أصدرت محكمة شمال القاهرة العسكرية، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، حكماً عليه بالسجن ست سنوات مع الشغل والنفاذ، بعد أن أدانته بـ"مخالفة النظام العسكري".
ووجهت المحكمة ثلاث تهم لقنصوة؛ تضمنت "الظهور في مقطع فيديو على موقع للتواصل الاجتماعي بزيه العسكري، وإبداء آراء سياسية مرتدياً الزي نفسه، وإبداء رأي سياسي وهو لا يزال عضواً بالمؤسسة العسكرية، بما يخالف مقتضيات النظام العسكري، والأوامر والتعليمات العسكرية".
وفي ضوء الإجراءات التي تعرض لها في السابق، ومخاوفه من تصاعدها ضده إذا ما نافس الرئيس السيسي؛ أعلن محمد أنور عصمت السادات صرف النظر عن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، واتخذ المحامي اليساري المعروف، خالد علي، ذاتَ القرار، بعدما لاحظ الإجراءات القاسية التي طالت رئيس هيئة الأركان السابق الفريق سامي عنان.
ردود فعل رافضة
في مقابل ذلك تعرض النظام المصري لانتقادات حادة، كان أبرزها الانتقادات التي أعلنها السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، الذي دعا الحكومة المصرية إلى احترام "روح ثورة 25 يناير" والطموحات الديمقراطية للمصريين، وأدان، في بيان له بمناسبة ذكرى ثورة 25 يناير عام 2011، ما وصفه بـ"القمع" الذي يمارسه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضد المعارضين السياسيين، واعتقال مرشحين لانتخابات الرئاسة، مشككاً في إمكانية إجراء انتخابات "حرة وعادلة".
وأشار ماكين إلى أن "جميع المرشحين للمنصب يجب أن يحصلوا على فرص متساوية، ولكن بدلاً من ذلك اعتقِل عدد من المرشحين وأجبروا على الانسحاب، إضافة إلى بناء مناخ قمعي وخوف من المزيد من العقاب. ومن دون منافسة حقيقية من الصعب تصور كيف يمكن لهذه الانتخابات أن تكون حرة أو عادلة".
فيما تبنت مجموعة من الشخصيات العامة في مصر دعوة الناخبين إلى مقاطعة انتخابات الرئاسة المقررة في شهر مارس/آذار المقبل، وأدانت المجموعة ما قالت إنه استخدام النظام المصري لأذرعه الإدارية والأمنية بصورة تحول دون نزاهة الانتخابات.
وتشمل المجموعة الداعية لمقاطعة الانتخابات: السياسي الإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، الذي خاض الانتخابات في عام 2012، وهشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، أكبر مؤسسة رقابية في مصر، والذي كان يعمل مساعداً لعنان في حملته، كما تضم محمد أنور السادات المرشح في انتخابات عام 2012، وحازم حسني أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعصام حجي مستشار الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور.
ودعت المجموعة في بيان "جموع الشعب إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية كلياً، وعدم الاعتراف بأي مما ينتج عنها".
سيناريو المشهد الانتخابي
بإغلاق باب الترشح تكون ملامح مسار هذه الانتخابات شبه واضحة، حيث يتعزز مسار الانتخابات الشكلية من خلال تنافس غيرِ متوازن ومحسومٍ بين الرئيس السيسي ورئيس حزب مصر الغد، وكل ذلك لأجل استيفاء المتطلبات الدستورية والقانونية، والتذرع بأن السيسي جاء بانتخابات شعبية.
ومع هذا يظل مسار تأجيل الانتخابات غير مستبعد، إذ من الوارد تأجيل الانتخابات في حال ارتفاع كلفة تنفيذ سيناريو التنافس الشكلي، لا سيما إذا ما وقع اعتداء إرهابي كبير، وفي مثل هذا الحال سيتجه النظام لتحريك أدواته لجمع عدد كبير من التوقيعات لتوفير غطاء شعبي لتأجيل الانتخابات واستمرار بقاء الرئيس تحت مبرر التهديدات الأمنية.
تداعيات سيناريو الانتخابات الشكلية "الكمبارس"
بحصر الترشح في الرئيس السيسي ورئيس حزب مصر الغد تأكدت رغبة النظام في إجراء انتخابات غير تنافسية، على نحو ما يقوم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برغم افتقاد السيسي لشرعية الإنجاز، على نحو معاكس لوضع بوتين، الذي راكم رصيداً كبيراً من الإنجازات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لروسيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.
سيواجه النظام في حال المضي قدماً في هذا السيناريو معضلة عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، إذ من المتوقع أن تصل نسبة المشاركة الشعبية إلى مستويات غير مسبوقة في ظل مناهضة قطاع من المجتمع المصري للطريقة التي وصل بها السيسي إلى السلطة بانقلابه على رئيس منتخب وتضرر قطاع آخر من السياسات الاقتصادية التي ارتفعت معها الأسعار وزادت معاناة شرائح اجتماعية كبيرة، وفي ضوء الإجراءات الفجة التي اتخذتها الأجهزة الأمنية للنظام لاستبعاد المرشحين المنافسين، وهو ما سيجعل النظام مضطراً إلى تزوير الانتخابات.
وأمرٌ مثل هذا سيضاعف من الاحتقانات السياسية والمجتمعية، وسيكون له تداعيات جدية وسالبة على الاستقرار السياسي في مصر، وعلى مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية فيها، ما يدفع النظام في مرحلة تالية إلى المزيد من الاستبداد والانغلاق، وهو ما قد يقود مصر نحو انقلاب عسكري في مدى زمني منظور، أو إلى اضطراب اجتماعي منفلت وممتد، فضلاً عن تراجع دور مصر السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً بعد تسلل الصراع إلى داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات