كتاب مرافعة كرامة: الشهيد النمر

الثلاثاء 30 يناير 2018 - 14:14 بتوقيت غرينتش
كتاب مرافعة كرامة: الشهيد النمر

البحرين - الكوثر: صدر عن "مرآة البحرين" بالتعاون مع مركز "كيتوس" الثقافي كتاب "مرافعة كرامة" وهو عبارة عن مرافعة رجل الدين السعودي البارز الشيخ نمر النمر الذي أعدمته السلطات السعودية مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي.

الكتاب يتضمن النص الحرفي للمرافعة التي كتبها الشيخ النمر بنفسه حيث أصر أن يقوم هو شخصياً بكتابة الرد بيده، وأن يقتصر دور المحامي على مراقبة النص في المسائل الشكلية فقط، دون الخوض في الأفكار والمتبنيات التي يتبناها.

ومن المفترض أن يتم تدشين الكتاب في 29 أبريل/ نيسان الجاري في فندق "السفير" بالعاصمة اللبنانية بيروت.

كيف تم إعداد لائحة الدعوى ضد الشيخ النمر؟ وكيف كتب الشيخ النمر مرافعته؟ فيما يلي تنشر "مرآة البحرين" النص الكامل لمقدمة الكتاب:

غلاف الكتاب

المقدمة

أزيز الكرامة

"إن سلاحنا هو الكلمة وليس الرصاص وسنواجه الرصاص بالكلمة وليس بالرصاص"

"نعم، قد قلت أنا الشهيد التالي ووالله إنها لكرامة من الله أن أكون شهيداً حيث أُقْتَلُ مظلوماً دفاعاً عن قيمي ومجتمعي، لا ظالماً، ومعتدى عليَّ لا معتدٍ على أحد"

الشيخ الشهيد نمر باقر النمر

-1-

"إن حياتي أيضاً ليست أهم من كرامتي"

ليست الكرامة قيمة مطلقة في خطاب الشيخ الشهيد النمر، هي مرتبطة بمعنى محدد، هو حفظ حقوق المواطنة والمساواة والاعتراف والعدالة. هي كرامة دستورية، إذ الدستور هو من يحفظ كرامة المواطنين، من هنا فالحديث عن الشيخ النمر ليس حديثا عن نضال مطلق مفتوح. أو لنقل استشهاد الشيخ النمر ليس انغماساً عدمياً في المطلق، بل هو استشهاد في حدود ما أراد أن تكون حياته شاهدة عليه. ومرافعته هي الخطاب الأكثر توضيحا لهذه الشهادة، الشهادة هنا بمعنى الموت من أجل قضية محقة وبمعنى الشاهد الذي يترك أثراً مكتوباً أو منطوقا على القضية.

-2-

يحيل معجم اللغة الكرامة إلى المعاني التالية: النبل، العزة، احترام المرأ لذاته، الشعور بالشرف والقيمة، الأمر الخارق، الجود.

أحال الشيخ النمر، هذه المعاني إلى خطاب نضالي حقوقي، وقدم نفسه تجسيدا لهذا الخطاب، والكرامة أصبحت مفهوماً حقوقيا بامتياز، نجد كثير من المنظمات الحقوقية تتخذ من الكرامة مسمى لها وبعضها يطلق على دورياتها مسمى كرامة، ونجد تقارير المنظمات الحقوقية العالمية تستخدم (كرامة) في عناوينها، فقد أصدرت هيومن رايتش ووتش تقريرا في سبتمبر 2009 عنوانه "الحرمان من الكرامة: التمييز المنهجي والمعاملة المتسمة بالعدوانية بحق المواطنين السعوديين من الشيعة" وافتتحته بالإشارة إلى حادثة البقيع في فبراير/شباط 2009 التي كانت إحدى مفاصل تصعيد خطاب الشيخ النمر مع السلطة السعودية، وتحتل أهمية كبيرة في خطاب مرافعته إذ كان متهماً فيها بالتحريض والدعوة للانفصال، وعنوان تقرير (الحرمان من الكرامة ) يحيلنا إلى عريضة الشيخ النمر للحاكم الإداري للمنطقة الشرقية، في2007 "عريضة العزة والكرامة".

يقال إن أول من أدخل مفهوم الكرامة الإنسانية في دستوره هم الإيرلنديون في دستور1937. وأما الألمان فلقد ربطوا دستورهم بالكرامة التي وُضعت كأعلى مبدأ دستوري وكسقف تمر من تحته كل القوانين، وكل مادة قانونية تعارض هذه المادة الدستورية تصبح باطلة، ففي الفقرة الأولى من المادة الأولى صيغت الجملة كالتالي:"كرامة الإنسان غير قابلة للمساس بها. فاحترامها وحمايتها واجب إلزامي على جميع سلطات الدولة.

-3-

لقد جعل الشيخ النمر (الكرامة) أعلى مبدأ دستوري لحياته، وقد سجل كذلك في مرافعته كوصية للأجيال التي استشهد من أجل كرامتها "الكرامة الإنسانية التي لا يحق ولا يجوز لأحد مهما أوتي من قوة ضاربة أو مقام سامي أن يسلبها أو ينتهكها، بل حتى الإنسان نفسه لا يحق له ولا يجوز له أن يتنازل عنها لأنها من الحقوق التي لا يملك صاحبها التصرف بها أو فيها إلا بما يحفظها ويصلِّب جذورها، وهي حق أسمى من حق الحياة الذي لا يملك أحد فيه مطلق التصرف بل هي المبرر لتمسك وتشبث الإنسان بالحياة والبقاء، بل لا قيمة لحق الحياة إلا بها"

جعل الشيخ النمر حياته مطابقة تماماً لمفهوم الكرامة، جعل جذع جسده شجرتها، وكلماته جذورها، ورأسه كل غصونها، لم يملك شيئا منه ليتصرف فيه، فقد تملكته الكرامة بكلها، لم يسلبها أحد منه فقد ظلت معه حتى آخر نفس له وهو يصّاعد إلى السماء، ولم يتنازل بها لأحد على الرغم من كثرة الرسائل الملحة عليه، فكان لسان حال جوابه دوما: اسألوها [الكرامة]هل أملك حق التصرف فيها؟ ومع كل سؤال كانت تزداد صلابة وعناداً في التمسك به، وحين يقترب الموت من حياة النمر، كان يبتسم له ويقول له: لا تهددني، فلا قيمة لحق الحياة إلا بها.

-4-

تقول لائحة الدعوى ضد الشيخ النمر"فقد ثبت لدينا إدانة المدعى عليه نمر بن باقر ال نمر بإعلانه عدم السمع والطاعة لولي أمر المسلمين في هذه البلاد وعدم مبايعته له ودعوته وتحريض العامة على ذلك ومطالبته"

لقد كسر خطاب الشيخ النمر فكرة الطاعة لولي الأمر، منذ بدأ خطابه عصيانه المدني السلمي، وفي مرافعته واتته الفرصة ليكسر حجج الطاعة وتأصيلاتها الشرعية الهشة التي تخفي تحتها تسلطا وخضوعا وإذلالا لشخص الحاكم المستبد، منطق النمر"لا سمع ولا طاعة لمن يسلب حريتي ويسلب أمني" كما سجله المدعي، وكما سجلته مرافعته حين سئل عن طاعة ولي الأمر "جوابي بعدم التزامي وعدم طاعتي لأي شيء يخالف عقيدتي". وعقيدته تقول "وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله، وحجور طابت وأرحام طهرت أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".

الطاعة التي تسلبك كرامتك دونها مصرعك، هكذا وضع النمر معادلة الكرامة والطاعة، فكان مصرعه على مذبح كرامته.

-5-

لقد كسر فكرة الطاعة بالكرامة، والادعاء على الشيخ النمر قائم في أساسه ومقتضاه على: طاعة ولي الأمر، والبيعة له، وتجريم الخروج عليه. والمرافعة قائمة على تفكيك أركان خطاب هذه الدعوى. يذكر المدعي العام في دعواه على الشيخ "نقضه البيعة المنعقدة له في ذمته" فيرد النمر "هذه الدعوة سالبة بانتفاء موضوعها؛ لأنني لم أبايع من الأصل ولم تتحقق مني بيعة حتى يقال إنني نقضت البيعة؛ وذلك لأنني شيعي، وعقيدة الشيعة في البيعة أن مآلها وحقيقتها أنها بيعة لله سبحانه وتعالى .. ولذا لا يجوز لأحد أن يطلب البيعة له أو البيعة لأحد آخر ما لم يجعل الله ذلك له، فالبيعة جعل إلهي وليس للمخلوق نصيب في تحديد المجعولة له"

وبشموخ لم يخذله طوال مرافعته يقول الشيخ النمر، إمعاناً في كسر الطاعة وإعلاء الكرامة: لا أعتقد أن حاكم هذه البلاد ولي أمر المسلمين فيها وأنا لم أعلن ذلك على الملأ العام. نعم هو والٍ وليس ولي الأمر وليس له الولاية عليَ، وهناك فرق بين الوالي والولي.

ويفصل ذلك بأزيز كلماته:"نعم قلت وأقول: لا نؤيد آل سعود، ولماذا نؤيدهم؟ على قتل أبنائنا أم على اعتقال شبابنا أم على الظلم والجور الواقع من قبلهم علينا، فنحن لم ننتخبهم ولم نخترهم حكاماً علينا، ولم يجعلهم الله كذلك حتى نؤيدهم، وإنما حكمونا بحكم الغلبة"

-6-

الكرامة تعني الإنسان غاية في ذاته، وليس وسيلة لولي الأمر كما ثبّتت ذلك الوهابية حديثاً مستثمرة تراثها السلفي.

الوهابية لم تكن مذهبا أو دعوة مكتملة ثم تبنتها دولة بل هي تمّ تفصيلها على مقاس سلطة توسع آل سعود، واكتملت بهم، صحيح أن البذرة الأولى كانت خارج حقل سيف محمد بن سعود، لكن النبتة والشجرة كانت تحت ظلال  سيفه، وفكرة الطاعة جرى تطبيعها بسيف الفتح الذي سلطه آل سعود على القبائل لتخضع لحكمهم وبالرسائل التي كان يوجهها محمد بن عبدالوهاب للقبائل وفقهائها وقضاتها ويدعوهم فيها للطاعة والامتثال والإسلام، من هنا فالوهابية ديانة حرب،  ضد كل من لا يتماثل معها أي ضد من لا يخضع لها  ويطيعها.

في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة الطاعة أولاً والكرامة مرهونة بالطاعة أو لنقل مسلوبة بالطاعة، وهذا ما كان يرمي إليه الشيخ النمر حين قال في مرافعته "الدولة ليست أهم من كرامتي" أي أن الدولة السعودية تجعل طاعة ولي الأمر سحقاً للكرامة، وأنا لن أقبل أن تسحق كرامتي فهي أهم من هذه الدولة التي لا تعترف بمواطنيها ولا بكرامتهم، هي دولة بلا مبدأ أخلاقي لأنها تتعامل مع الإنسان على أنه وسيلة لـ (ولي الأمر) وكرامته تحت اعتبار أوامر ولي الأمر، ليست لدى هذه الدولة فلسفة خارج الطاعة والكرامة في الفلسفة "مبدأ أخلاقيّ يُقرِّر أنّ الإنسان ينبغي أن يعامل على أنّه غاية في ذاته لا وسيلة، وكرامته من حيث هو إنسان فوق كلِّ اعتبار".

لقد جعل الخطاب الوهابي الدولة في طاعة ولي الأمر، ليس هناك شعب ولا رعية، هناك مطيعون وهناك ولي أمر مفترض الطاعة، حتى صار ولي الأمر طاغوتاً، يُطيعه الدين وليس يطيع الدين وتخدم الفتاوى أمره، ويستخدم لقب (خادم الحرمين) ستاراً يخفي تحته حقيقة أنه المخدوم لا الخادم، لقد فقد الدين وظيفته في أن يكون رادعاً لجبروته، وفقدت الدولة هيبتها في أن تكون نظاماً يخضع له الحاكم، وفقد المواطنون كرامتهم لأنهم غدوا في طاعة ولي الأمر لا في طاعة الدولة.

-7-

في الجلسة الخامسة من محاكمة الشيخ النمر بتاريخ 22/4/2014، سأل رئيس الجلسة يوسف بن غرم الله الغامدي القاضي في المحكمة الجزائية المتخصصة، المدعي العام ناصر الدوسري عن بينته لعرضها ومناقشتها، فأجاب قائلاً: الدليل الأول ما جاء في إقراره وأقواله المرفقة في أوراق القضية.

لقد سجل المدعي العام (32) إقراراً على الشيخ النمر، وصاغها صياغة تخدم أجندته التي تحمل الإدانة المسبقة للشيخ، ويعلق الشيخ على ذلك: لقد لُبِّسَت كثير من الإقرارات بلفظ الشيعة مع أني لم أذكر ذلك اللفظ إلا نادراً، وكثير ما كان اللفظ المجتمع ولكن هيئة التحقيق والادعاء العام قامت بزج لفظ الشيعة وإقحامه لكي تصنع مادة طائفية قابلة للاشتعال، بل لتثير الفتنة الطائفية وتذكيها. وهكذا أُسست كثير من دعاويها على أساس طائفي لإثارة النعرات الطائفية وإذكائها... الغريب في الأمر أن المحقق يسألني عن رأيي وحينما أجيبه عن رأيي وإذا كان رأيي لا يوافق هوى الداخلية، يعتبر رأيي تهمة لا بد من محاكمتي عليه ومعاقبتي.

مع ذلك، فإن هذه الإقرارات في المجمل العام تحمل إدانة للحكم وسلطته وقضائه، وهذه عينه من الإقرارات مختصرة:

"أقر أنا المدعو نمر باقر أمين النمر سعودي الجنسية بموجب الهوية الوطنية رقم (1080470147) وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً بما يلي: أقر أن جميع الخطب والبيانات التي صدرت عني كانت بمحض إرادتي وعن قناعة تامة مني وأنني لست نادما على ذلك...أقر بأنني من المهتمين بما حدث في مملكة البحرين من مظاهرات...أقر أن حكومة هذه البلاد لا تمارس دورها الرعوي وإنما تكرس دورها في التسلط على مواطنيها بشكل عام... أقر أنه لا سمع ولا طاعة لمن يسلب حريتي ويسلب أمني... أقر أن الدولة ليست أهم من كرامتي بل أن حياتي أيضاً ليست أهم من كرامتي.. أقر بأنني لن أتجاوب مع أي سؤال لا أرغب الإجابة عليه وأن ذلك نابع من معتقدي الشرعي ومن اعتدادي بنفسي وقناعتي وأن الخيار يعود لي في الإجابة على ما أرغب أن أجيب عليه"

ليس في إقرارات الشيخ النمر فضلا عن خطاب مرافعته جملة واحدة، يمكنها أن توحي أنه تنازل عن كلمة واحدة من كلماته، بل كل كلمة فيها كانت تُعلي من صوت أزيز خطابه، والمرافعة بمجملها إقراراً كبيراً وتوقيعاً وختماً على ما ورد في خطابه طوال سنوات نضاله خصوصا ما جاء بعد أحداث (الربيع العربي). لقد أنجز الشيخ بهذه الإقرار الكبير (المرافعة) مذكرة تفسيرية لخطابه وسياقه وأعطى خاتمة قررها بملء فمه ودمه، وجعلها بمثابة الإرث الثقافي النضالي الحقوقي الذي تركه لمن سيأتي بعده.

إن كل إقرار في كتاب المرافعة فصل من فصول كتاب المطالب الحقوقية المشروعة، وممارسة لحق من حقوق وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتمثيل مكثّف لمجمل خطاب الكرامة، وإنجاز مستمر لفعل الشهادة، وفصّ في ختم الشجاعة.

-8-

المحاكمة تجري باسم (ولي الأمر) والقضاة معينون باسمه، والمدعي العام يَدعي باسمه، والجهاز التنفيذي (وزارة الداخلية) تنفذ بأمره، وهذه الجهات كلها في (طاعة ولي الأمر). بنى الشيخ النمر مرافعته على تفكيك هذه الفكرة وفضح جهازها المركب، وقد أبدع الشيخ في استخدام معرفته الأصولية وخبرته الجدالية الحوزوية في تفكيك حجج هذه الطاعة وإبطالها، فتجلى عالماً وفقيهاً وخبيراً في تفكيك خطاب الخصم.

في الفقرة الأولى من المرافعة، يفند الشيخ صفة المدعي ويرجعه إلى وزارة الداخلية التي لا تملك حق المقاضاة ولا حق الإدعاء العام. يقول المدعي العام "بصفتي مدعياً عاماً بهيئة التحقيق والادعاء العام أدعي على نمر بن باقر بن أمين النمر"

فيرد الشيخ "هذا المدعي الموجود حالياً أو من سبقه من المدعين ليس أحدٌ منهم هو خصمي ولا أنا خصمٌ لهم؛ لأنني لا أعرفهم ولا هم يعرفونني...أما التهم والدعاوى فهي من إعداد جهاز هيئة التحقيق والادعاء العام الذي هو جزء من وزارة الداخلية التي انتفخت وتغولت وهيمنت على كل الوزارات والمؤسسات والسلطات في الدولة حيث يرهبها الجميع... فخصمي هو هيئة التحقيق والإدعاء العام التابعة لوزارة الداخلية. وعليه لا يوجد خصم حاضر هنا في المحكمة يدعي عليَ، وينتج عن ذلك فقدان أحد ركني الدعوى -أقصد المدعي - وبفقد هذا الركن تسقط الدعوى لعدم وجود المدعي".

الحجة التي يقوم عليها المدعي العام هي "خروجه على ولي الأمر في هذه البلاد" وفي مرافعة النمر الخروج في المصطلح الشرعي يعني الخروج بالسلاح بهدف إسقاط الحكم والحاكم والاستيلاء على الحكم بقوة السلاح، وهذا النوع من الخروج لا وجود له في حراك الشيخ.

والخروج في المسيرات والتظاهرات من أجل المطالبة بالحقوق والإصلاح والتغيير لا يسمى خروجاً على الحاكم، ولقد عرفت جميع المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية الخروج في المظاهرات والتجمعات للمطالبة بالحقوق المشروعة. والخروج لمنع سفك الدماء والمطالبة بالكرامة والعدالة والحرية والأمن والإصلاح من أفضل وأعظم الأعمال الصالحة.

يوظف الشيخ معرفته التاريخية بسيرة قيام الدولة السعودية الأولى في قلب فكرة الخروج على ولي الأمر، ويذكر هيئة القضاء والمدعي العام، إن الملك عبد العزيز لو لم يخرج على الدولة العثمانية لما تأسست الدولة السعودية هذه، وما كان لها وجود على الخارطة الجغرافية أو الخارطة السياسية. فهل كان خروج الملك عبد العزيز على الدولة العثمانية خروجاً مشروعاً؟

في مقابل احتفاء آل سعود بسيوفهم التي خرجوا بها على الخلافة العثمانية وتشييد المتاحف لها وتدبيج قصائد الفخر بها، يقول الشيخ: فإن هيئة التحقيق والادعاء العام لم تأتِ بقرينة واحدة ولو ركيكة فضلاً عن بينة أو دليل تفيد بأني حملت سلاحاً فضلاً عن الخروج المسلح، ولقد قاربت   الستين في العمر، ولا يستطيع مدعٍ أو غيره أن يدعي عليَ بحمل السلاح في هذه البلد؛ لأنني لم ألمس سلاحاً فضلاً عن حمله. ومنهجي ومبدئي واضح وصريح في رفض استخدام اليد والقوة فضلاً عن استعمال السلاح في مواجهة وحل المشاكل والأزمات والصراعات والخلافات.

-9-

كيف تم إعداد لائحة الدعوى ضد الشيخ النمر؟ وكيف كتب الشيخ النمر مرافعته؟

لقد تم إعداد لائحة الدعوى ضد الشيخ النمر بعد التحقيق معه، وقد سجل لنا مراحل التحقيق في مرافعته على النحو التالي:

لقد جرى التحقيق معي وتصديق الاعترافات على مراحل ثلاث:

المرحلة الأولى: التحقيق المسجل بالصوت والصورة، وكان اثنتي عشرة جلسة تقريباً، عشر جلسات في مستشفى الظهران العسكري وكنت مقيداً ومكبل اليدين لمدة أسبوعين كاملين، وجلستان في زنزانة مستشفى قوى الأمن الداخلي. وكنت مكبل ومقيد الرجل اليمنى بالسرير لمدة شهرين كاملين. هذا مع العلم أن قدمي لم تطأ الأرض إلا بعد شهرين من الإصابة. وكانت تستغرق جلسة التحقيق من الساعة ونصف إلى الساعتين تقريباً.

المرحلة الثانية: التحقيق المدون في مذكرة التوقيف وكراسة التحقيق، حيث قال المحققان هذا من أجل تدوين التحقيق الشفوي وتحويله إلى تحريري مكتوب. وكان في ثلاث جلسات، وبدأت الجلسة الأولى بعد منتصف الليل إلى قبيل أذان الفجر.

المرحلة الثالثة: التصديق على الاعترافات - والتي لم أعترف بها بالواقع - حيث قال المحقق هذه خلاصة ما جرى من التحقيق معك.

في الجلسة المنعقدة بتاريخ 29.4.2013 طلب القاضي محمد الدوسري تمكين الشيخ النمر من القلم والورقة ليتمكن من تسجيل رده على لائحة هيئة التحقيق والإدعاء العام. وبعد ثلاثة أشهر وفي تاريخ 29.7.2014 تم تمكين المحامي من زيارته إلا أنه لم يتم تمكينه من القلم والورقة ليكتب ردوده على اللائحة التي بلغت صفحاتها ستة عشر صفحة ملأها الادعاء العام بمختلف الإدعاءات والتهم.

ولم يمكن من الورقة والقلم حتى جلسة 23.12.2013 حين أمر القاضي الشيخ يوسف الغامدي بتمكينه حالاً إلى نهاية الدوام من القلم والأوراق والجلوس مع محاميه ووكيله وإعطائه مهلة أخيرة لتقديم جوابه مفصلاً وقال إن الجلسة التي تليها ستكون المهلة الأخيرة لتلقي المحكمة جواب المدعى عليه.

منح ثلاث ساعات كفرصة وحيدة وأخيرة لإعداد مذكرة دفاع على لائحة دعوى عامة، ولم يمكن من القلم والورقة في الجلسات التي تلتها، وتم تمكينه من الورقة والقلم لاحقاً بعدما رفض تقديم مذكرة أعدها محاميه ولكنها لم تجد قبولاً عنده، وهذا حق يكفله له الشرع والنظام.

في محضر الجلسة الخامسة في 22.4.2014 يشير القاضي يوسف الغامدي إلى عدد المرات التي مكن فيها الشيخ النمر من كتابة مرافعته "وبسؤالنا للمدعى عليه عن ما استمهل لأجله في الجلسة الماضية لتقديم إجابته الإضافية عن دعوى المدعي العام بعد أن ذكرنا له بأنه قد مكن من لقاء محاميه وفرّغ لكتابة جوابه ثلاث مرات وزود بقلم وأوراق كانت منها اثنتان في المحكمة وواحدة في السجن والتي كانت في المحكمة كانت الأولى منها أكثر من ثلاث ساعات والثانية قرابة الساعتين وذكر محاميه أنه التقى به قرابة الساعة والنصف فأجاب قائلاً إنني مكنت في اليوم التالي من الجلسة الماضية قبيل أذان الظهر بنصف ساعة وأعطيت ورقة وقلم وأجبت بما وسعني من الوقت وبقيت نصف الصفحة ما قبل الأخيرة مع نصف الصفحة الأخيرة وهذا ردي معي شبه جاهز، وسأقدمه للمحكمة وهو غير معتمد حتى يعرض على المحامي هذا جوابي هكذا أجاب"

المنشور في هذا الكتاب هو النص الحرفي الذي كتبه سماحة الشيخ نمر بن باقر بن أمين النمر، وقد أصر أن يقوم هو شخصياً بكتابة الرد بيده، وأن يقتصر دور المحامي على مراقبة النص في المسائل الشكلية فقط، دون الخوض في الأفكار والمتبنيات التي يتبناها.

-10-

لقد كان الشيخ كما سجل في مرافعته مضيقاً عليَه بصورة عامة ومضيقاً عليَه في إعداد الرد على التهم الموجهة إليَه فنياً وعلميا "حقوقي مصادرة وإرادتي منتقصة واختياراتي محدودة وحرياتي مكبلة، ولذلك لن أستطيع أن أعد الإجابة على التهم الموجة لي إعداداً كافياً، ولن أتمكن من الدفاع عن نفسي دفاعاً جيداً، وخصوصاً أن خصمي هو من يسجنني، وهو من يضع العراقيل في محاكمتي" على الرغم من كل ذلك، فقد كتب مرافعة للتاريخ، ستبقى وثيقة إنسانية حقوقية شاهدة على ظلامته وظلامة الإنسانية وبشاعة العقيدة المتوحشة التي قابلت كلمته بسيفها.

تصنيف :