الاستبداد قد يصبح المظهر الأبرز في نظام الدكتاتورية وتصرّف الدكتاتورـ والدكتاتورية اصطلاح لاتيني يعني الفرد الذي اقتنص السلطة وأملى إرادته على الجميع، ويتجسد معناه بظهور حاكم يعطى سلطة ممتدة خارجة عن حدود المألوف في أحوال طارئة ولمدة محددة يقتضيها تدارك هذه الأحوال بالعلاج، على أن هذا الاصطلاح قد تطور هو أيضاً فأصبح يدل على تركز السلطة في شخص واحد في أثر ثورة أو انقلاب أو نجاح هذا الشخص في إزاحة مزاحميه عن دائرة النفوذ والسيطرة، وعدم اشتراط وجود أحوال طارئة أو مدة مؤقتة لحكمه. وللديكتاتورية أشكال وأسباب يتداخل الاستبداد في ثناياها من دون أن يكون مرادفاً مطابقاً لها.
كذلك تعبير الكُلِّيانية [ر] totalitarianism فإن الاستبدادية قد تتجلى في مظاهرها من دون أن تكون مرادفاً تاماً لها، فالكليانية إنما تطلق في مدلولها على حكم يُخضع كل المنظمات رسمية كانت أم شعبية لهيمنة الدولة، مع تبديد لروح المعارضة، واستعمال مفرط للرقابة والدعاية، وإشاعةٍ لعبادة الشخصية، واستخدام للإرهاب في سبيل إحكام السيطرة التامة على شؤون الأمة وتسيير اقتصادها وسياستها وثقافتها في وجهة مفروضة شاملة لا تجوّز الانحراف عنها.
ويختلف كل من الدكتاتورية والكليانية عن الملكية المطلقة. فالاستبدادية قد تطبع بطابعها تصرفات الملك المطلق من دون أن تكون محتوية لكل معانيها وفروقها. والحق أن الملكية المطلقة على ما في دعاواها في الحق الإلهي والوراثة من محتوى يقوم على الوهم، أو فرض أمر واقع بالقوة، لم تكن، بسبب التراكيب الاجتماعية التي تضع الكثير من قيود السلطة المكتوبة أو المتعارف عليها، مطلقة الحرية تماماً فيما تفعل، ولا مستأثرة لنفسها حصراً بتسيير حياة الأمة وفق مخطط موضوع. وكانت تُراوح بين مواجهة مصالح الأرستقراطية وطبقة الإكليروس وبين التفاهم معها وتَشَاطُرِ السيطرة والنفوذ والامتيازات على حساب العامة. فالاستبدادية لون من التصرف قد تتلّون به هذه الأنظمة وأمثالها أكثر من كونها نظاماً قائماً بنفسه جعل له الواقع التاريخي ملامح خاصة بيِّنة وأساليب متبعة دارجة. وأكثر ما يتجلّى هذا اللون التعسفي للاستبدادية في الاستعمار وما يحمله من غزو بالقوة وإملاء لشروط الفاتحين، وتسخير للمستعمرات وأهلها ومواردها لمدّ سيطرة الدول الاستعمارية سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً مع استلاب حق تقرير المصير لسكانها الأصليين.
104