الاجتهاد: عُرف عن المرجع الكبير سماحة السيد محمد سعيد الحَكيم (مُد ظله) من أنهُ عادةً ما يستيقظ لصلاةِ الفجر في أول ِ وقتها حتى إذا أزف وقت الصلاة وحان موعِد لقائه بربه ِ نهض مشتاقاً إلى فرحةِ لقائه حتى إذا فرغ من أداء صلاته الواجبة المحببه لديه نشط للتعقيب و الدُعاءِ وقراءة القرآن والذكر حتى مَطلع الشمس.
وقدْ كنتُ أعرفُ عَنهُ هذا الإلتزام وأشاهده يومياً ونحن ُ محتجزون سوية في زنزانات مديرية الأمن العامة وسجن أبي غريب الخاص المغلق مُنذ أن أعتقل و أُعتقلتُ مَعهُ وأُعتقل رجال أسرتنا أيام النظام البائد لمدةِ تزيدُ عن ( ٨ ) سنوات، وبالتحديد من يوم ( ١٠ / ٥ / ١٩٨٣ – ٦ /٦ / ١٩٩١ )
وقد ظل مواظباً على هذا النظام الحياتي إلى اليوم – فإذا بزغت الشمس هب (دَام ظِلُهُ) لمكتبته للمطالعةِ والكتابة والتأليف إلى أن يحين موعدِ الفطور فإذا تناوله عاد مُسرعاً إلى مكتبته متماً كتابته من حيث إنتهى مكبّاً على تحضير درسه القادم حتى إذا أزفت الساعة التاسعة والنصف صباحاً بدأ بإلقاء درسه على طلبته في خارجِ الفقه شارحاً و موضحاً و مناقشاً ومُشكلاً على من سبقه ومجيباً من سأله ، مبيناً ما أشكل وموضحاً لما غمض وهم بين مدون ما يقول أو مسجل ما يلفظ أو مصغ لما يحلل ويجيب ،
فإذا إنتهى من إلقاء درس الفقه وأجاب عن أسئلة طلابه وإشكالاتهم عليه نهض لإلقاء درسه في خارجِ أصول الفقه حتى إذا أزلفت الساعة الحادية عشرة تقريباً أنهى درسه الأصولي الموسع وأنهى بعده الاجابة عن أسئلة طلابه نهض ليجدد وضوءه ليخرج بعده إلى مكتبه العامر يستقبل الزائرين ويلتقي بالوفود الرسمية والشعبية التي اعتادت أن تؤمّ مكتبه العامر من داخل العِراق و خارجه حتى أذان الظهر فإذا أذن المؤذن لصلاة الظهر قام لاداء صلاته وصلاة العصر يؤديهما جماعة مع من حضرَ مِنْ زوار مجلسه وقت الصلاة
فإذا إنتهى من صلاته وتعقيبه بما يتيسر له من محفوظاته من الأذكار والأدعية والذكر وقراءة القرآن دخل بيته لتناولِ طعام الغداء وقد أعتاد متى ما وجد سفرة الغداء ممدودة والطعام لم ينقل إليها بعد أن يستثمر هذه الفرصة فيشتغل بقراءة القرأن الكريم أو المطالعة و إن كانت لا تزيد المدة عن دقيقتين أو ثلاث حتى إذا وضع الأكل على المائدة وتناول منها ما يستعين به على أعماله من طعامه المعتاد ذهب سماحته (مُد ظِلهُ) للاستراحة فأخذ قسط من النوم يفرضه عليه الجسد الناحل ليستيقظ بعده مستقبلا الوفود الرسمية أو شخصية بموعد خاص مسبق غالبا ما يطلبه طالبه لأمر خاص به،
فإذا إنتهى من ذلك كله شرع بالإجابة أو مراجعة أجابات مكتبه عن أستفتاءات المؤمنين حتى إذا فرغ منها دخل مكتبه ثانية من أجل المطالعة والتحضير والكتابة ماكثا حتى حين وقت غروب الشمس عندها قام ليجدد وضوءه أستعدادا لصلاة المغرب وأذانه و تعقيبها وصلاة العشاء ونافلتها ثم يعود مرة أخرى لمكتبته للكتابة والمطالعة حتى يحين وقت العشاء حينها يتناول بسيط ما تهيأ له منه ثم يعود مجددا لكتابته ومطالعته حتى إذا أنتصف الليل وزاد قام ليؤدي صلاة الليل ويعقب بعدها بعض الأدعية والأذكار ثم يخلد إلى الراحة يومه الجديد بما ودع به سابقه.
وكان من عادته أذا أرق أو طرقه طارق ما فقال بينه وبين النوم هرع من فراشة إلى مكتبه مشتغلا بالكتابة والتحضير والمطالعة والتأليف فإذا هومت عيناه ثانية إنتزعته من كتابه وكتابته وعادت به إلى حيث مستقره الذي فارقه، كما كان من عادته إبداء النصائح لأولاده و متابعة شؤونهم وغالبا ما يستثمر وقت تناول وجهة الطعام الغداء أو في العشاء مستعرضا معهم قصصا وأحداث ذات مغاز أخلاقية وعلمية كثيرة يحفظ ويستعرض منها يحفظ ويستذكر منها الكثير الكثير بالارقام حتى أدقها والتواريخ حتى أبعدها.
كما كان من عادته في شهري رمضان و محرم أن يتفرغ للكتابة في شؤون العقيدة والفكر.
وهذا وقد أعتاد سماحته منذ نعومة أضافره أن يكتب دروسه وتدريساته كلها بما في بحوثه التي يلقيها على طلبة الخارج في الفقه والإصول كليهما غير مكتف بتقريرات تلامذته عنها، وهي حالة جيدة جدا، ويا ليتها كانت شائعة لدى أستاذة البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف.
المصدر: كتاب "حوزة النجف الأشرف"
101/104