يمكن لمن يقرأ فكر الإمام الخميني قدس سره المتعلق بالقدس وبالقضية الفلسطينية عموماً ان يقرأ من خلاله الاسس والبنى الفكرية السياسية للإمام الخميني قدس سره، هذه الاسس التي تعود في نهايتها إلى الاسلام المحمدي الاصيل المبني اساساً على قاعدة التوحيد الكبرى، حيث كل الامور والموضوعات والمسائل الفلسفية والدينية والاخلاقية والسياسية محكومة بهذا الاصل وترجع إلى هذه القاعدة، فما يشد إلى التوحيد ويساعد عليه فهو الهي واسلامي، وما يبعد عن التوحيد فهو مناقض للاسلام حتى لو كان ظاهره دينياً واسلامياً، من هنا ميّز الإمام الخميني قدس سره في كلماته وتعبيراته بين الاسلام الظاهري او الاسلام الامريكي او الاسلام الشرقي او الغربي وبين الاسلام المحمدي الاصيل تماماً كما جاء على لسان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله)، ومن اسس هذا الدين الحنيف الدفاع عن الحق والوقوق بوجه الظلم والظالمين وعدم المهادنة في هذا الامر، لانه بحسب هذه القاعدة، ليس بعد الحق الا الضلال، فليس هناك حالة تذبذبية ولا حالة وسطية في موضوع المواجهة بين هذين الطرفين، فاما يكون الانسان او الجهة مع الحق واما مع الباطل والضلال، وقد اكد الإمام الخميني قدس سره هذه الحقيقة في المواقف التي اطلقها والمرتبطة بالعلاقة مع امريكا التي عبّر عنها الإمام بالشيطان الاكبر وبرأس الكفر في العالم، حيث اعتبر الإمام انها تمثل الباطل في اجلى صوره، وبالتالي فان الحق بوجد في الطرف المقابل لامريكا، وانه لا يمكن ان يتعايش اسلام مع هذا الطاغوت، والالتزام الفعلي بالاسلام يعني الموت لامريكا ذلك الشعار الكبير الذي طرحه الإمام قدس سره، وامريكا هذه بحسب قول الإمام قدس سره تسعى بحسب ماهيتها للقضاء على الاسلام، من خلال مشروع التوسع في عالمنا الاسلامي ونهب ثرواته والقضاء على هويته ونسخ فكره وحرف قيمته وهدم مقدساته، وتعمل امريكا على كل ذلك من خلال موطئ القدم الاساسي لها في منطقة الشرق الاوسط والمتمثل بـ"اسرائيل".
من هنا اصبحت "اسرائيل" بالنسبة للامام غدة سرطانية يجب اجتثاثها لانها رأس الحربة في المشروع الاستكباري للانقضاض ليس فقط على عالم المسلمين وانما ايضاً على اسلامهم، لذا كانت المواقف التي وقفها الإمام الخميني قدس سره حاسمة في موضوع "اسرائيل" حيث قال بانها يجب ان تزول من الوجود ولم يدع أي مجال للمساومة والبحث والتفاوض في هذه المسألة، من هنا اخذت القضية الفلسطينية ابعاداً هامة باعتبارها تمثل ساحة الصراع بين:
* الحق والباطل.
* المستضعفين والمستكبرين.
* الاسلام والكفر.
* الالتزام والنفاق.
وبهذه الابعاد رفع الإمام قدس سره هذه القضية إلى مصاف القضية الاولى التي يجب ان يتحرك المسلمون نحوها، وهي تمثّل عنصر التحفيز نحو القيام بالمسؤوليات الكبرى، وهي التي توجه المسلمين نحو المخاطر المحدقة بمستقبلهم، وهي التي تلفت إلى المشاريع الاستكبارية، وهي التي تؤسس لعملية النهوض والقيام في جسم الامة وهي التي تحرك الجماهير وتساعد في استنهاضهم، وهي التي تعبّر عن مستوى الوعي واليقظة في جسم الامة، وهي التي تؤشر إلى مستوى الحياة والحيوية في هذه الامة، وهي التي ترمز إلى نسبة الموات في الامة، وهي التي تساعد في توحد الامة وقيامها جماعة للدفاع عن مقدساتها، وهي التي تلغي الاختلافات والتباينات بين اطراف الامة دولاً وشعوباً وتوحدهم على حقانية قضيتها. فصحيح ان قضية القدس بحسب الظاهر هي مسألة احتلال واغتصاب وانتهاك للمحرمات، لكنها في الحقيقة تمثل حضور الاسلام والمسلمين في عالم الدنيا ومدى حضورهم في حركة التاريخ، فاما ان المسلمين ميتون ولا حراك لهم ولا يستطيعون ان يؤثروا او يوفروا في مسيرة الحياة وما يؤشر على ذلك هو سكوتهم وصمتهم ازاء هذه القضية الساطعة "القدس" واما ان المسلمين وخصوصاً الشعوب فيهم بقية حياة ونسبة من الحيوية بما يجعلها تتحرك في سبيل الدفاع عن القدس والمطالبة بها، ورفع الصوت في مقابل "اسرائيل" والقوى التي تقف وراءها.
وهذه الابعاد للقضية الفلسطينية وللقدس هي التي جعلت الامامقدس سره يختار احد اشرف أيام الله قداسة واعتباراً، وهو يوم الجمعة الاخير من أيام شهر رمضان المبارك، أي يوم الجمعة من أيام القدر التي هي خير من الاف الشهور، ليجعله يوماً للقدس، أي اختار اشرف يوم لاشرف رمز، واقدس شهر لاقدس قضية، واهم الازمنة لاهم الامكنة، وارفع الايام لارفع الامور، ليساعد ذلك في شد الانظار ولفت الانتباه لملايين المسلمين إلى هذه القضية، والى ابعادها ودلالاتها فهي كما قال الإمام ليست مسألة شخصية ولا وطنية ولا قومية، وهي مسألة الاسلام، والحق والخير في هذا العالم، وكلما استطاع المسلمون ان يحرروا فلسطين والقدس كلما كانوا قادرين على تلبية الحق وعلى نشره في هذا العالم، الحق الذي يمثّله الاسلام، وفي حال لم يستطيعوا ان يحركوا ساكناً فهذا يعني ان الحق الذي يجسده الاسلام ضاع لان المسلمين الذين يفترض بهم ان يلتزموا به قد تخلوا عنه، من هنا اعطى الامامقدس سره اهمية خاصة ليوم القدس واعتبره يوماً لاحياء الاسلام ولتطبيقه وانه لا بد من احيائه بالتظاهرات والمسيرات والاصوات والهتافات والاقلام والكتابات وسوى ذلك من التعبيرات التي تشهد على الصحوة في المسلمين، وكلما كان احياء هذا اليوم اكبر كلما كان مستوى الصحوة اضخم واوسع حتى يصل المسلمون وبحسب تعبيرات الإمام قدس سره ومن خلال الاحياء الواسع والدائم ليوم القدس إلى استعادة قوتهم وتأكيد هويتهم ونشر دينهم واشاعة الحق في هذا العالم عندما يستطيعون بفعل هذا الاحياء بان يحرروا القدس وان يصلّوا في مسجدها، ومن هناك يعلنون ان الحق الذي يجسده الاسلام قد ظهر في ربوع هذه الدنيا وكانت شراراة انطلاقته من تلك الصلاة الجماهيرية الحاشدة.
وعند ذلك نتذكر قول الإمام الخميني قدس سره: "ان شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه كل المسلمين اخوة، وتقتلع كل بذور الفساد من كل بلاد المسلمين وتجتث جذور "اسرائيل" الفاسدة من المسجد الاقصى ومن بلدنا الاسلامي وان شاء الله نذهب معاً ونقيم صلاة الوحدة في القدس ان شاء الله"...
* القدس في فكر الإمام الخميني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.