آية لله وعارف بالله، لطيف الكلام، شريف المرام، أنيس لجالسيه، عزيز النفس مع معاشريه، كان إذا احتاج إلى أمر يقوم إليه متعنّياً بنفسه، وربما كان ابنه أو حفيده أو أحد تلامذته في تلك الساعة بالقرب منه، وهم بالتأكيد يعتزّون أن يقدموا له خدمة.. ولكنه في أواخر سنين عمره حيث كبر سنه كان إذا احتاج إلى شيء نوّه لهم حاجته في صيغة سؤال وكناية بابتسامة لا بكلمات الأمر والمطالبة، فمثلاً إذا كان عطشاناً يقول لمن عنده على سبيل الملاطفة: أنت لما تعطش ماذا تفعل؟.. وإذا كان يجوع بشدة يقول: إلهي!.. إنك تعلم بأني جائع.
لعلك أيها القارئ تريد معرفة اسم هذا العالم الجليل!.. ولكن لا تستعجل.. فقد نقل لي تلميذه الملازم له فضيلة الشيخ محمد كاظم أنوشيرواني (دام عزه) أنه ذات مرة دخل عليه ضيوف، ولم يكن أحد من عائلته في البيت، فلم يقل لي: أحضر الشاي، بل قال: هل تعرف كيف يصنعون الشاي؟!..
ولما كان يحين وقت دوائه، وكان بعيداً عن متناول يده يقول لي: لو كان دوائي عندي لشربته الآن!..
وينقل أنه لم يأمره قط بإحضار فطور الصباح، حتى ولو كان الضعف والجوع مستوليين عليه، فلما كنت لا أنتبه لحاله بعد أيام طويلة من تأخير إحضار الفطور، ألفت انتباهي يوماً وقال: لا يسيئني في وقت من الأوقات إذا حضر الفطور ساعة قبل هذا!..
وأخيراً هل تعلم من هو هذا الرجل العزيز النفس، اللطيف الحرف؟..
ذلك المرحوم العلامة أية الله الحاج السيد محمد كاظم المدرسي رحمه الله.