وخلال هذه المقابلة أشار الشيخ الأراكي إلى كون هذا المؤتمر إعلان لهزيمة مخططات الاستكبار العالمي الرامية إلى تفتيت المنطقة، كما أكد سماحته أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة ستكون القوة والوحدة والتآلف أبرز ملامحها. وفي قسم آخر من هذه المقابلة أشاد الشيخ الأراكي بتضحيات حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن واصفاً هذه التضحيات بأنها ستكون نهراً صانعاً للحراكات ومدمراً للاستكبار في المنطقة والعالم.
سماحة الشيخ في سؤالنا الأول لسماحتكم حبذا لو تحدثوننا عن أهمية انعقاد هذا المؤتمر في هذه المرحلة الحساسة والمفصلية التي تعيشها المنطقة والعالم الإسلامي، خصوصاً في ظل الانتصارات التي حققها محور المقاومة وهزيمة المشروع الأمريكي والإسرائيلي التي تلوح راياتها في الأفق.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. جبهة الاستكبار بقيادة أمريكا وبالتعاون مع شركاء وحلفاء أمريكا في المنطقة؛ حلفائها في المنطقة مثل السعودية والكيان الغاصب كانوا قد وضعوا للمنطقة خطّة شاملة وواسعة، خلاصة هذا المخطط قُدّمت في الاجتماع الذي انعقد في السعودية بقيادة ترامب ومشاركة ممثلين عن خمسين دولة، الاتفاقية التي خرجت من هذا الاجتماع بقيادة أمريكا وحلفائها، تشكيل ائتلاف متحد لمواجهة الجمهورية الإسلامية وتهميشها في العالم وعلى مستوى المنطقة، طبعاً تباعاً لهذا التهميش يأتي تدعيم سياسات أمريكا في المنطقة وتنفيذ خطة الشرق الأوسط الجديد وفق قولهم أيضاً؛ بحيث أنّ أساس هذا الشرق الأوسط الجديد هو بداية تعيين إسرائيل كمحور قوّة في المنطقة وجعلها تعمل وفق هذا الأساس بحيث تدار كافة سياسات المنطقة بالتنسيق مع الكيان الغاصب لفلسطين، وأن يكون الكيان الغاصب لفلسطين ضامناً لمصالح أمريكا والغرب في المنطقة. إذاً فإنّ كل ما يدور في المنطقة هو في الحقيقة سياسات وقرارات تؤمّن مصالح أمريكا، وتأمين مصالح أمريكا لا يعني تقسيم المصالح بحيث يتم تأمين جزء من مصالح الدول وجزء من مصالح أمريكا، للأسف فإنّ أمريكا والغرب عندما يسيطرون على منطقة معينة فإنهم ينهبون كافة مصالح تلك المنطقة ولا يبقى لسكّان تلك المنطقة أيّ شيء، لدينا تجربة البلدان الأفريقيّة وبلدان أمريكا الجنوبيّة وتجربة هيمنة أمريكا وأوروبا على تلك البلدان، هي تجربة جليّة وواضحة، خاصة ما نراه في مصر، مصر مثالٌ جليٌّ جدّاً، حيث أنّ مصر انصاعت لسياسات أمريكا وأجرت معاهدة كامب ديفيد طمعاً بأنّه مع موافقتها على هذه المعاهدة ستستطيع التقدّم من الناحية الاقتصادية وضمان نوع من الأمن والاستقرار لنفسها،
ما نلاحظه نحن في مصر أنّها بعد معاهدة كامب ديفيد سقطت من كل النواحي، فقدت قيمتها السياسية في المنطقة، لقد كانت مصر في حقبة معيّنة صاحبة الكلمة الأولى في المنطقة، لكنّها لم تعد تستطيع لعب أيّ دور في المنطقة من الناحية السياسيّة، ومن الناحية الاقتصادية بات وضعها أكثر سوءاً من أيّ وقت مضى، فاليوم وفق الإحصائيات الرسمية نحن نشهد ما نسبته ٦٠٪ من البطالة في مصر وهي واحدة من أكثر البلدان تخلّفاً من الناحية الاقتصادية على مستوى منطقتنا بأكملها، لقد شهدت مصر تراجعاً عجيباً من الناحية الثقافية والفكريّة، في زمن من الأزمان أي في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان الجميع ينظر إلى مصر على أنّها الرائدة على المستوى العلمي في الشرق الأوسط، بين بلدان المنطقة وبلدان غرب آسيا وبلدان شمال أفريقيا، كان الجميع ينظر إلى مصر على أنّها مركز ثقافي يضمّ أنواع الثقافة، الأدب، الفن، أنواع العلوم والمعارف، كانت بلداً متطوّراً من جميع النواحي مقارنة بسائر البلدان في المنطقة، اليوم تعتبر (مصر) واحدة من أكثر بلدان المنطقة تخلّفاً، لم يعد هناك أثر للأدب في مصر، لم يعد يوجد أثر للفن، تراجع العلم، حسناً، هذه هي نتيجة سيطرة أمريكا على مقدّرات بلد ما، لذلك فإنّ السياسات التي تنتهجها أمريكا والبلدان الأوروبية هي دائماً سياسات تدمير البلدان من أجل تحقيق مصالحهم،
ليس الأمر على هذا النحو أنّهم يراعون نوعاً من الإنصاف ويقولون بأنّنا نتقاسم ما نحصل عليه بيننا وبين تلك البلدان، حسنٌ، هذا كان مخطّط أمريكا في المنطقة بمحوريّة الكيان الغاصب لفلسطين، هذا جانب من القضية والجانب الآخر هو تحويل إيران إلى عدوّ المنطقة الأساسي، أي تحويل الجبهة المناهضة للصهيونية ولإسرائيل التي كانت تتشكّل في المنطقة إلى جبهة مناهضة لإيران، وتشكيل ائتلاف معادٍ لإيران في المنطقة، والعمل الثالث الذي كانوا ينوون القيام به، أي العنصر الثالث في مخططهم للشرق الأوسط الجديد، هو تقسيم البلدان المحيطة بفلسطين المحتلّة وتبديلها إلى بلدان مجزأة منهمكة بخوض الحروب والنزاعات فيما بينها، على سبيل المثال افرضوا أن سوريا قد قُسمت إلى عدة بلدان مختلفة من الناحية القومية والمذهبية، وعندما تكون هذه البلدان مختلفة من الناحية القومية والمذهبية، فسوف يكون الأمر على هذا النحو بأنّ الشيعة في إحدى الأماكن يتنازعون على الدوام مع السنّة، الدروز يتنازعون مع المسيحيين، والمسيحيون مع المسلمين، هذا كان مخطّطهم منذ القِدم وقد حاولوا سابقاً تنفيذه وباء بالفشل وحاولوا تنفيذه في ظلّ هذه الظروف، أن يتحوّل العراق إلى بلد مقسّم إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يتنازع فيه الأكراد مع العرب وقسم آخر يتنازع فيه السنّة مع الشيعة، سوريا كذلك الأمر ولعله كان من الممكن أن يصل الدور إلى السعودية أيضاً وإلى أماكن أخرى، في مصر أيضاً كانوا سيمهّدون لمثل هذه الأعمال فيجعلون المسيحيّين الأقباط يثورون ضدّ المسلمين ويتآمرون عليهم، وكذلك يحرّضون المسلمين على المسيحيّين، فالتفجيرات التي وقعت في كنائس مسيحيّي مصر من الواضح أنّ إسرائيل وأمريكا متورّطة بها وكانت تصبّ في هذا الاتجاه. هذا المخطّط الذي كانوا قد رسموه للمنطقة باء بالفشل والحمد لله فقد انكسر بمقاومة الجبهة المناهضة للاستكبار في المنطقة،
كانت لانتصارات جبهة المقاومة في سوريا دوراً مؤثّراً في انهزام هذا المخطط، في العراق أيضاً، هزيمة داعش من جهة وفشل مؤامرة تقسيم العراق من جهة أخرى، شكّلت في الحقيقة صفعة قويّة لمخططات أمريكا في المنطقة وقد بعثرت في الحقيقة هذا المخطط بأكلمله وجعلته يواجه الهزيمة. لذلك فقد دخلنا مرحلة جديدة، المرحلة الجديدة هي مرحلة تراجع أمريكا وتراجع نفوذها ليس في منطقتنا فقط بل تدريجياً في العالم بأجمعه، المرحلة الجديدة هي مرحلة مخطط العالم الشمولي الذي وضعته أمريكا والذي قررت تنفيذه وأن يتم بعدها تقديم أمريكا ذاتها على أنّها سيّدة العالم ويقوموا بعد ذلك بتحويل العالم إلى قرية أمريكيّة، هذا المخطط أيضاً ينهار في الواقع حاليّاً، مخطّط تقسيم المنطقة يتهاوى أيضاً، بشكل كلّي فإن مخطط أمريكا لتحويل العالم إلى قرية مسيطر عليها تفرض أمريكا عليها سيادتها يتهاوى، ومقاومة كوريا الشمالية لأمريكا علامة على هزيمة أمريكا في فرض هذا المخطط، مواجهة الصين وروسيا لسياسات أمريكا اليوم علامة أخرى على انهزام مخطط أمريكا على مستوى العالم، أنواع المقاومة لسياسات أمريكا في أمريكا الجنوبية بأجمعها تشكّل أدلّة أخرى على انهزام سياسات أمريكا في العالم، وفي المنطقة أيضاً فإنّ كافة مخططات أمريكا تتهاوى، إن كان مخطّط محاصرة إيران من جهة وتشكيل ائتلاف ضدّ الجمهورية الإسلامية أو مخطّط تقسيم المنطقة إلى بلدان متنازعة من الناحية القومية والمذهبية أو مخطّط تحويل إسرائيل إلى محور أساسي في المنطقة وصاحب تأثير وقرار حيث أنّ الشرق الأوسط الجديد الذي تحدّثنا عنه يشكّل هذا المحور أساساً له، يشكل ركن شرق أوسط أمريكا الجديد، سياسة أمريكا هذه في منطقتنا وشرق أوسطها الجديد نحو انهيار تام، مسألة العراق فشلت، ومسألة سوريا واجهت الهزيمة، صناعة الحروب المذهبية واجه الهزيمة، وانتصار محور المقاومة اليوم على داعش والإرهابيين قد دعّم وقوّى تيار الوحدة ليس في هذين البلدين فقط بل في أرجاء العالم الإسلامي، نحن نعتقد الآن بأننا نشهد مرحلة جديدة في المنطقة والعالم الإسلامي، ولهذه المرحلة الجديدة ثلاث مؤشرات تقع في الطرف المقابل لمؤشرات المخطط الذي كانت قد وضعته أمريكا للمنطقة، مؤشر هذه المرحلة الجديدة الأول هو أنّ العالم بات مؤلفاً من عدّة أقطاب، وأمريكا عاجزة في هذا العالم المتعدد الأقطاب عن أن يكون لديها الكلمة العليا، للجمهورية الإسلامية أيضاً دور في هذا العالم المتعدّد الأقطاب، لديها دور في بناء العالم المتعدد الأقطاب الجديد، وإيران بصفتها قوة بارزة على مستوى العالم تلعب دورها، ليس بإمكانهم تجاهل دور الجمهورية الإسلامية في كافة البرامج التي يشهدها العالم اليوم،
هذا يقع في مقابل الخطة الأمريكية القاضية بتحويل العالم إلى قرية، كانوا يسعون إلى تحويل المنطقة إلى منطقة تحاصَرُ فيها إيران ويتم تشكيل ائتلاف ضدها، فحصل تماماً عكسُ ذلك، من ينزوي ويُهَمَّش اليوم هي أمريكا والبلدان الحليفة لها، الائتلافات التي شكلتها أمريكا ضد إيران وكانت تنوي استغلالها في مواجهة الجمهورية الإسلامية ومن ضمنها ائتلاف الخليج الفارسي، هذا الائتلاف يشهد الانهيار اليوم، والدليل الواضح على ذلك هو خطاب أمير الكويت منذ ما يقارب الأسبوع حيث أعلن أمير الكويت بصراحة أنّ مجلس التعاون الخليجي ينهار، هذا الانهيار هو من آثار انهيار أمريكا في المنطقة، انهيار هذه المنظمة يعني انهيار الائتلاف المتحد ضد إيران، لقد انهار، ليس متاحاً اليوم لأمريكا أن تستغل الدول لمواجهة الجمهورية الإسلامية. تلك البلدان التي كان من المقرر أن تواجه الجمهورية الإسلامية تنهار اليوم وتنزوي في عزلتها. المخطط الثالث كان إيجاد دول صغيرة متنازعة مذهبياً وقومياً و… هذا المخطط انهار أيضاً، لقد اتحد وتلاحم العراق، كما أن سوريا متحدة اليوم أيضاً، وقد تلاشى مخطط تقسيم سوريا بشكل كامل،
وكذلك في بقية المناطق التي كانت أمريكا تريد إجراء مخططها فيها -بعد الهزيمة التي مُنيت بها أمريكا في العراق وسوريا- سواء أرادت أم لم تُرد فإن النجاح لن يكون حليفاً لها في بقية المناطق. هذه المرحلة الجديدة من ناحية قلنا أن إيران باتت اليوم قوة عالمية هذا أولاً، ورويداً رويداً إيران سوف تصبح محوراً مفصلياً لكل المنطقة. والدليل على هذا أن تركيا وقطر اللتان كانتا عدوتان لإيران، تعتبران نفسيهما اليوم حليفاً لإيران وتتموضعان في جبهة إيران بشكل من الأشكال، بعض الدول الأخرى كانت منذ البداية ضمن جبهة إيران كالعراق وسوريا ولبنان، وبعض الدول مثل عُمان على كل حال على الأقل لم تكن في الجبهة المعادية لإيران. وانطلاقاً مما تقدم محورية إيران في المنطقة، وأن إيران باتت صاحبة اليد العليا في المنطقة يتحقق بشكل عملي. وباختصار كيفما نظرت للقضية إننا مقبلون على مرحلة جديدة، في خضم هذه الظروف أن يعقد مؤتمر دولي عالمي كبير في بيروت والتي تعتبر عاصمة المقاومة تحت شعار اتحاد علماء المقاومة؛ هذا يعني انطلاق المرحلة الإقليمية الجديدة والمرحلة الجديدة لمنطقة غرب آسيا. في الحقيقة مؤتمر اتحاد علماء المقاومة يريد إعلان هزيمة مخططات العدو في هذه المرحلة ونحن اليوم نتجاوز تلك المرحلة؛ هزيمة مخططات أمريكا لتقسيم المنطقة، هزيمة مخططات أمريكا وإسرائيل الهادفة لدفع قوى المنطقة لمواجهة بعضها البعض وإشعال الحروب الأهلية وانهيار الدول. وكذلك حلم الأمريكيين في أن يصبحوا سادة للقرية العالمية. يريد هذا المؤتمر إعلان نهاية تلك المرحلة ونهاية المشروع الأمريكي بما يحتويه من مخططات وبدء مرحلة جديدة؛ في هذه المرحلة قضية تحرير فلسطين سوف تكون قضية المنطقة الأولى.
والعدو الأول للمنطقة ولبلدان المنطقة ولشعوب المنطقة سوف يكون الكيان الصهيوني وأمريكا. وسوف يكون ميول المنطقة بشكل عام نحو الوحدة والتآلف، أي أن هذه هي مؤشرات مرحلتنا الجديدة. نحن نعتقد أنه في المرحلة الجديدة سوف يقترب الكرد والعرب من بعضهم أكثر فأكثر، في المرحلة الجديدة سوف تتقارب المذاهب من بعضها. في المرحلة الجديدة حتى الأديان الموجودة في المنطقة والتي تعيش معاً سوف تتآلف فيما بينها بشكل أكبر. ما نشاهده في لبنان وفي المنطقة هو دليل على هذا. ولهذا يمكن إدراك الدور الذي يقوم به هذا المؤتمر من خلال أن في هذه المؤتمر سوف يشارك سبعمائة شخصية بارزة من شخصيات العالم الإسلامي أكثرهم من أهل السنة إلى جانب علماء الشيعة. علماء السنة الذين نتحدث عنهم جاءوا من بلدان مختلفة، من أقصى شرق آسيا إلى شرق آسيا وصولاً إلى غرب إفريقيا. تقريباً يمكن القول أن لجميع دول العالم ممثلين في هذا المؤتمر بشكل من الأشكال، جاءوا من كل أنحاء العالم، جميع الدول التي يقطنها مسلمون، أكثر أو جميع الدول لها ممثل في هذا المؤتمر. شخصيات هذا المؤتمر البارزة نموذج لحالة المنطقة الجديدة؛ أولاً نموذج للوحدة كون الشيعة والسنة والكرد والعرب والقوميات المختلفة يأتون ليجتمعوا حول محور واحد؛ محور دعم المقاومة الإسلامية ضد الاستكبار وضد احتلال الكيان الصهيوني. هذه هي الملاحظة الأولى أن هذا المؤتمر هو نموذج للوحدة حيث أن الوحدة سوف تكون إن شاء الله واحدة من مؤشرات المنطقة والعالم الإسلامي الجديدة. ثانياً هذا المؤتمر سوف يُعبِّر عن التوجه الجديد للمنطقة ولجميع الدول الإسلامية؛ حيث سيكون توجه جميع هذه الدول ضد الكيان الصهيوني ولمصلحة محور المقاومة. توجه المنطقة الجديد هذا يعارض السياسات التي كانت أمريكا أعدتها للمنطقة، ومرة أخرى سيكون هذا المؤتمر نموذجاً لهزيمة أمريكا وهزيمة تلك السياسات في كل أنحاء العالم؛ حيث أن أمريكا لم تعد تلك الدولة التي تستطيع حيث ما شاءت أن تفرض إرادتها على الدول. وأمريكا لم تعد تلك الدولة التي بإمكانها صنع ما يحلو لها في أي مكان شاءت. وأمريكا لم تعد تلك الدولة التي باستطاعتها أن تتعامل مع الدول الأخرى بتجبر واستعلاء. اليوم في البلدان الصغيرة يقفون في وجه أمريكا؛ كوريا الشمالية تقف اليوم في وجه أمريكا، نفس كوريا الشمالية هذه قبل عشر سنوات لم يكن لها هذا الصمود في وجه أمريكا واستسلمت أمامها. ولكن اليوم كوريا الشمالية تصمد وتقف في وجه أمريكا، وهذا يدلُّ على أن قوة أمريكا باعتبارها القوة الأولى في العالم على طريق الزوال، وهذا المؤتمر نموذج لزوال واضمحلال قوة أمريكا من العالم.
هلّا تفضلتم بإشارة مجملة حول الأطياف الأساسية لعلماء العالم الإسلامي في الوقت الراهن، على سبيل المثال التيار الصوفي وأحياناً الإخوان ولربما بعض المجموعات التي هي في طريق العودة عن تلك المرحلة التي كانت خلالها تحت تأثير الفكر التكفيري، كيف تشاهدون وضع المجموعات الإسلامية اليوم مع الأخذ بعين الاعتبار حالة التقريب التي تنشدونها؟
لو قلنا أن مرحلة التطرف في طريقها نحو النهاية؛ ذاك التطرف الذي يسبب تشتت العالم الإسلامي. في مرحلة تآلف وتعاضد العالم الإسلامي بدأت مرحلة جديدة من هذا التعاضد والتآلف. في الماضي قبل مئة وخمسين عاماً يا أربعين عاماً كان يدور الحديث عن التآلف والوحدة ولكن هذه الوحدة (التي كان يدور الحديث عنها) كانت وحدة سطحية؛ تلك الوحدة التي كانت قبل بدء مرحلة العنف في المنطقة كانت وحدةً ظاهرية وكانت وحدة سطحية. أما الوحدة التي في طريقها اليوم نحو القيام هي وحدة في غاية الجدية والعُمق. أنا أتنبأ بكل وضوح أننا في طريقنا للبدء بمرحلة وحدة حقيقية وعميقة. كنا في الماضي نتكلم وندعو للوحدة؛ منذ بداية الثورة وقبل الثورة، الإمام الخميني (رحمه الله)، سماحة قائد الثورة الإسلامية والشخصيات البارزة قبل سماحته أمثال المرحوم البروجردي رضوان الله تعالى عليه والعلماء المصريين كانوا يدعون للوحدة. ولكن في النهاية تلك الوحدة التي كان يُدعى إليها في الماضي لم تكن قد واجهت تحدياً أساسياً، أما الوحدة التي تقوم اليوم هي وحدة اجتازت جميع التحديات، وخلال هذه التحديات استطعنا هزيمة جميع العوامل المضادة للوحدة. هذا ما حدث اليوم، هذا لم يحدث أمس. اليوم إذا كنا ننادي للوحدة فإننا استطعنا مواجهة العوامل المضادة للوحدة وهزيمتها؛ الأمر الذي لم يحدث أمس وأول أمس. الوحدة التي كان يُدعى لها في زمان السيد بروجردي أو تلك الوحدة التي كان يُتحدث عنها في أوائل الثورة الإسلامية لم تكن وحدة قاومت التحديات الجدية، لم تكن وحدة نهضت بعد تعرضها لمؤامرة واسعة جداً جداً حيث أنه من خلال هزيمة هذه المؤامرة عادت هذه الوحدة للنهوض. لم تكن تلك الوحدة قد تعرضت للامتحان. هذه الوحدة التي تنشأ اليوم هي وحدة قوية وصلبة أولاً وهي وحدة ذات بصيرة ثانياً أي أنها وحدة ذات جهة وهدف واضح بشكل جلي،
من المعلوم إلى أي اتجاه تتجه هذه الوحدة، عدو هذه الوحدة معروف وصديقها معروف أيضاً. هذه الوحدة هي وحدة معادية لأمريكا ومعادية للاستكبار وللصهيونية وهي وحدة مؤيدة ومناصرة للمقاومة، أي أن كلا جهتيها الإيجابية والسلبية واضحتان. لم يكن لدينا في ما مضى هكذا وحدة معلومة المعالم والحدود والاتجاهات؛ ولذلك نحن نعتقد أنه ينبغي علينا إعداد أنفسنا لهذه المرحلة الجديدة. على القوى الثورية في كل المنطقة وفي كل العالم الإسلامي والقوى المؤيدة للمقاومة الإسلامية وقوى الشعوب والبلدان الإسلامية الشريفة عليهم أن يعلموا أنهم دخلوا مرحلة جديدة، وأنه ثمة قوة جديدة منقطعة النظير في العالم الإسلامي وفي المنطقة آخذة بالظهور؛ هذه القوة قوة نابعة من المقاومة في وجه مخططات الاستكبار. هذا ما نلاحظه في كلام أمير المؤمنين عليه السلام عندما يقول: بقية السيف (1)؛ بقية السيف هذه هي أقوى وأطول أمداً وأكثر بقاءً، بقية السيف هذه لديها مقاومة أكبر. ونحن اليوم لدينا وحدة ناشئة من بقية السيف؛ أي أنها وحدة طُعنت بالسيوف ووحدة جُرحت، وهي وحدة تمكنت من بلسمة جراحها وتمكنت من مناهضة السيوف التي عاثت في جسدها والتغلب عليها، وحدة اجتازت كل هذه التحديات سوف تكون إن شاء الله وحدة قوية وبصيرة ومعلومة التوجه وبإمكانها تحقيق الانجازات.
هل يمكننا القول أننا تمكنا من تحويل التهديد إلى فرصة بشكل من الأشكال؟
نعم، ما حدث كان شيئاً كبيراً جداً، وطبعاً لقد بذلت قوى المقاومة جهوداً وقاومت وقدّمت الكثير من الشهداء (شهداء الدفاع عن المقدسات). لقد قامت المقاومة في المنطقة بأداء الدور الأساسي في رسم معالم الحياة الجديدة. وهو الشيء ذاته الذي يصفه الله تعالى في القرآن الكريم: "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون" (2) هذه الآية تشير إلى أن بقية السيف في المجتمع الثوري هي بقية سيف قوية، مقاومة، طويلة الأمد، لا يعتريها حزن ولا خوف. ليس لديها خوف من المستقبل وليس لديها حزن على ما قدمت وأعطت في سبيل الله، لا تأسف على التكاليف ولا تشعر بالرعب من التحديات المستقبلية. إنها تشعر بالقوة والشجاعة وتتمتع بالروح الجدية لمواجهة التحديات المستقبلية. ولا خوف عليهم فيما يتعلق بالمستقبل ولا هم يحزنون بالنسبة لما تم تقدمته على مذبح هذا النهج. وهذا ما نشعر به اليوم بشكل عملي؛ أن ثمرة دماء الشهداء، الشهداء المدافعين عن المقدسات، شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن. دماء شهداء المقاومة في المنطقة سوف تتحول إلى نهر صانع للتحركات ومدمر للاستكبار ليس في المنطقة فحسب بل في كل العالم إن شاء الله.