في ربيع العام 2015، كان الإعلام يصر على إظهار الرجل كقائد عسكري يشرف بشخصه على حرب اليمن التي تبيّن أنها أكثر حروب السعودية فشلاً وخيبة.
ولاحقاً انشغلت الأجهزة نفسها بإظهار “الأمير المتهور”، وفق تقدير سابق لجهاز الاستخبارات الألماني، على أنه رجل القرار: يعقد المؤتمرات الصحفية، يُعلن المواقف، يُطلق الخطط، يستقبل كبار الشخصيات.. قبل أن يفتح خزائن السعودية ليُغدق على كتاب الصحف الغربية لإيجاد أوجه شبه تجمعه بجده المؤسس “عبدالعزيز آل سعود”، كبطل يؤسس لـ “الدولة السعودية الرابعة”… دولة الجيل الثالث من أبناء عبدالعزيز.
مؤخراً، انكفأ الرجل عن الأضواء، لا يُسمع للرجل موقف، ولا يظهر في أهم الاستقبالات الرسمية، ولا يحضر في المؤتمرات التي يُطلقها برعايته.. ليخرج السعوديون بتفسيرات وتأويلات لقصة غياب “نجم” مسلسل انتقال العرش السعودي عن الأضواء.
تعود فصول القصة إلى حدث بارز هزّ أركان بيت الحكم السعودي.. كانت صبيحة يوم السبت 7 تشرين الأول/ اكتوبر 2017، مسلح يردي قتيلين من الحرس الملكي ويصيب آخرين قبل أن يُقتل أمام بوابة قصر السلام الملكي في جدة، الذي كان يتواجد بداخله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لم يُشكل الحدث وحده الصدمة، بل إن تداعيات الحدث نفسه كانت مثيرة للريبة.
بعد صمت ساد لساعات، خرجت الداخلية السعودية لتكتفي بالإعلان عن هوية المنفذ وبأنّه سعودي الجنسية لا يملك سجلاً إرهابياً ولا يوجد له شركاء.. وفي وقت انهالت فيه البيانات الخارجية لاستنكار الحادث الأجرأ في هدفه، التزم المسؤولون السعوديون الصمت المطبق، ليليها تواري ولي العهد السعودي عن المشهد السياسي الذي اكتفى بإجراء اتصال مع والد أهم ضحايا الهجوم. فما هي علاقة الهجوم بتواري محمد بن سلمان عن الأنظار.
على “تويتر” خرجت العديد من الروايات، الكل كان يسأل عن غياب بن سلمان، الرواية التي حاول البعض الترويج لها، قالت إن محمد بن سلمان أُصيب في هجوم جدة، وروايات اخرى تشير ان لغياب الرجل علاقة مباشرة بالهجوم.
قبل أيام من وقوع الهجوم، وقبيل عزم الملك على مغادرة السعودية باتجاه موسكو، استقبل سلمان بن عبدالعزيز عدداً من الأمراء من أبناء سلطان وفهد وعبدالله حاملين معهم رسالة تحظى بمباركة عمهم أحمد بن عبدالعزيز وأطراف ذات نفوذ في العائلة.
أبلغ الأمراء الملك أن تصرفات نجله باتت غير محمولة، وأن عليه وضع حد لجموح الأمير الطامح للوصول إلى العرش بأي كلفة.. وأن صبر الأجنحة النافذة في آل سعود بلغ حده، الرواية هذه تنقلها أوساط على صلة بإحدى أجنحة الحكم في عائلة “ال سعود”. وهي تتوافق مع معلومات سربّها “مجتهد” يوم أمس عن تحوّل كبير في مواقف أمراء آل سعود، “يكاد يكون 95% من آل سعود ضده بعد أن كان غالبيتهم إما راضين بالواقع أو لا يبالون”، بعد السياسات التي انتهجها محمد بن سلمان خصوصاً تلك التي طالت أمراء من العائلة كفرض الإقامة الجبرية على كلٍ من محمد بن نايف وعبدالعزيز بن فهد، إضافة إلى سجن 3 من أمراء في العائلة وفق تسريبات، وسجن ضباط وقضاة محسوبين على بن نايف.
وإن خوف الأمراء على أمنهم ونفوذهم ومن النكسات السياسية والخارجية للنظام، “استدعى من الكثير منهم للالتفاف حول أحمد بن عبد العزيز والضغط على متعب أن لا يقبل بالتنازل عن الحرس حتى لا يتفرد ابن سلمان بكل القوات المسلحة”، بحسب “مجتهد”.
وتحدث المغرد السعودي عن أن بن سلمان تبلغ خبر مقابلة أحمد بن عبدالعزيز لوالده مرتين قبل وأنه خرج غاضبا في كليهما وكأنه ينوي عمل شيء.. كما علم بالنقد الجارح الذي طاله في مقابلة خالد الفيصل لوالده.
وبحسب التغريدات فقد “أوصل له جواسيسه اجتماعات الأمراء مع أحمد وتنقلات أحمد بين الطائف والرياض وجدة والتي فسرها بأنها مؤامرة تحاك ضده مما زاد اضطرابه وقلقه”.
يعيدنا كلام “مجتهد” إلى معطيات الأوساط السعودية التي تربط الهجوم المسلح على القصر الملكي في جدة برسالة أمراء آل سعود، خصوصاً أنه لم يخرج أي تنظيم ليُعلن تبنيه لما جرى. وهي تربط ذلك بتصريح الداخلية السعودية الخجول عن كون المنفذ ” لا يملك سجلاً إرهابيًا ولا يوجد شركاء له بهذه الجريمة”. وتلفت إلى الصمت المطبق الذي ساد أوساط القرار في المملكة.
وبالتالي ووفقاً لهذه الرواية، فإن أجنحة داخل العائلة المالكة هي التي نفذت التفجير، لتقنع الملك ونجله أن رسالتها وتهديداتها جدية بأن على محمد بن سلمان أن يتنحى عن المشهد السياسي.
“ما يحصل الآن في السعودية هو صراع أجنحة وتبادل رسائل وتشكيل تكتلات .. ومن الواضح أن الهجوم على القصر الملكي هو جزء من هذا الصراع وهذه الرسائل ولكنها كانت رسالة جدية وفعلية بدليل انه لم تتبنَ العملية أي جهة مثل داعش أو المعارضة أو غيرها”، يقول المصدر السعودي.
وبناء على هذه المعطيات، يُفسَّر تواري محمد بن سلمان عن الأضواء على أنه قرأ جدية رسالة أبناء عمومته. وبالتأكيد إن طموحات ابن سلمان لن يكبحها هجوم، ولكن الانكفاء قد يساعد في امتصاص حالة الغضب في أوساط العائلة بانتظار آلية تحسم وصوله إلى العرش.
ورغم عدم ظهوره في حفل استقبال الملك السعودي لدى عودته من موسكو، وعدم ظهوره في استقبال أو وداع أمير الكويت، وحتى في استقبال الملك للمفتي والأمراء في قصر اليمامة بالرياض، إلا أن ظهوراً فريداً سُجل لابن سلمان في استقباله قائد الجيش الباكستاني قمر جاويد باجوه، في 16 تشرين أول/اكتوبر الجاري، وهو ما قيل إنه كان مقصوداً لتكذيب شائعات تم تداولها عن إصابته في هجوم قصر السلام.
ولعل ما يعزز هذه الرواية، هو الظهور المفاجئ لولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف في مطار الرياض بعد أسبوع من الهجوم المسلح. فالأمير الذي يخضع لإقامة جبرية منذ 4 أشهر، والذي يُفرض على تحركات عائلته إجراءات مشددة ظهر قبل أيام (16 تشرين الأول/اوكتوبر الجاري) لأول مرة منذ فرض الإقامة الجبرية، ليبدو بصحة جيدة ما بدا وكأنه رسالة تهدئة إلى الأجنحة الغاضبة.
وأمام مشهد تواري بن سلمان، ورسائل الأمراء بما فيهم هجوم قصر السلام الذي كان الرسالة الأبلغ، لا يبدو أن الصراع الداخلي ضمن بيت الحكم السعودي يتجه إلى الحل. جموح محمد بن سلمان لتثبيت نفسه ملكاً لن يقطعه تواريه عن الأنظار. غضب الأمراء وقلق بن سلمان الذي يبدو أنه يتفاقم ربما سيُسرع في عجلة الاقدام على خطوة تحسم وصوله إلى العرش.. فهل يتحقق ذلك؟ وكيف سيتعاطى أمراء الرسائل مع جموح “الأمير المتهور”… وأمام الرسائل الجدية، هل يمكن للتاريخ أن يكرر نفسه.. ليسمع أن ملكاً تم تصفيته برصاص أمراء العائلة الحاكمة؟
المصدر : اسلام تایمز
104/101