يوصف السيد السبهان، الذي جرى "سحبه" من بغداد كسفير "غير مرغوب"، بسبب انتقاداته لإيران والقِيادات الشيعية العراقية، بأنه بات رجل المهمات الإشكالية الصعبة، ويعتبر من الشخصيات المقربة إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والحاكم الفعلي لبلاده، ولهذا لم يأت اختياره لهذهِ المهمة من فراغ.
تَعددت الأسباب والدّوافع لهذهِ الزّيارة، والرسائل التي تريد السعودية إيصالها إلى إيران وتركيا والحُكومة السوريّة نَفسها، ويُمكن تَلخيصها في النّقاط التالية:
• أولاً: بَحث إمكانية تسلم أكثر من 50 مواطنا سعوديا كانوا يقاتلون في صفوف (داعش) واستسلموا لقوّات سورية الديمقراطيّة التي سَيطرت على مدينة الرقّة بعد “تحريرها”، فدول مثل بريطانيا وفرنسا وغربية أُخرى، أرسلت مَبعوثين لتسلّم مُواطنيها.
•ثانيًا: توجيه رسائل إلى تركيا وإيران تؤكد بأن السعودية تساند الأكراد، وقوّات سورية الديمقراطيّة التي سَيطرت على الرقة، وتحظى بدعم أمريكي عسكري أرضي وجوي.
• ثالثًا: بناء جُسورَ تواصلٍ مع القبائل السنيّة في منطقة الرقّة وما حَولها، وهذا ما يُفسّر اجتماع السيد السبهان مع أعضاء في المجلس المدني المحلّي، وقادة العشائر، وكذلك السيد أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري المُعارض سابقًا، الذي جند مجموعات من مقاتلي هذه العشائر السنية للقِتال في صفوف قوات سوري الديمقراطية "قسد" بتوصية أمريكية، وتزعمه لهؤلاء.
• رابعًا: تأييد الاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران، ورفضه التصديق على الاتفاق النووي معها، واتهامها بدعم الإرهاب وزعزعة استقرار المِنطقة، وهذه أول خطوة "عملية" في هذا الإطار.
• خامسًا: محاولة إيجاد دور للسعودية في "سورية الجديدة"، تحت سِتار المُشاركة في عمليات إعادة الإعمار، وتوظيف الورقة الكردية باعتبارها الورقة الأقوى حاليا في مواجهة كل من تركيا وإيران، بعد تَفكّك المعارضة السوريّة، بشقيها المُسلّح والسياسي.
السلطات السعودية قررت فيما يبدو الوقوف في خندق الأكراد في مواجهة تركيا وإيران اللتين تساندان قطر في الأزمة الخليجية، وتتبنى الاستراتيجية الأمريكية التي تتبلور حاليا في المِنطقة، وخاصة ضد إيران، في محاولة لكَبح نفوذها وإنجازاتها المُتعاظمة في سورية والعراق، وتجسدت في استعادة الجيش السوري لأكثر من تسعين في المئة من أراضي سورية، والسيطرة بالكامل على دير الزور والميادين في آخر المَعارك في الشرق، والتقدّم نحو الحدود العراقية السوريّة.
وإذا وضعنا في اعتبارنا أن المعركة المقبلة في سورية قد تكون بين الجيش السوري وقوات سورية الديمقراطية للسيطرة على مدينة الرقة، فإننا يمكن أن نفهم هذهِ الزيارة غير المتوقعة للوزير السعودي للمدينة التي كَسرت تقليدًا سعوديا يَتمثل في الدبلوماسية الهادئة، والابتعاد بقَدر الإمكان عن المناطق الميدانيّة السّاخنة، والعَمل من خلف سِتار.
لا نَعرف ماذا يطبخ السيد السبهان وحكومته مع الأمريكان في الرقّة، ولكنها في جميع الأحوال سَتكون طَبخةً خَطرة، وخُطوة قد تَستدعي ردا مباشرا، أو غير مباشر، من الطرفين المستهدفين، أي تركيا وإيران، إلى جانب الطرف السوري حتما، فهل تستطيع القيادة السعودية مواجهة هذا الرد أيًّا كانت طبيعته، في ظل غرقها في حرب اليمن، وهزيمة حلفائها في سورية؟
رأي اليوم