العلامة الشيخ عبدالوهاب الكاشي.. مدرسة في قراءة العزاء

الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 - 05:08 بتوقيت غرينتش
العلامة الشيخ عبدالوهاب الكاشي.. مدرسة في قراءة العزاء

المنبر الحسيني – الكوثر.. الشيخ عبدالوهاب الكاشي نذر حياته لخدمة المنبر الحسيني بعد معجزة شفائه من مرض مزمن ببركة الامام علي وابنه الحسين (ع)، فبدأ بقراءة العزاء الحسيني في عمر الخمس سنوات, خلال الاقامة في النجف, وتتلمذ على يد والده وتخصص في مجالس المراجع الكبار بالفقه والخطابة.

مرّ على واقعة كربلاء أكثر من ثلاثة عشر قرنا ومازالت حية فينا كأنها حصلت بالأمس، هذه الذكرى مع ما تحمله من عبر ودروس, لم تكن لتصل الينا لولا وجود افراد نذروا حياتهم لايصال مظلومية وقضية اهل البيت (ع) الى الاجيال ونشرها في كافة اقطار العالم عبر وسائل وأساليب مختلفة، رجال وهبهم الله نعمة نبرات الصوت، تمتعوا بحناجر ذهبية واصوات جذابة، اخترقوا قلوب الناس ومشاعرهم فصنعوا تاريخ فن الخطابة الحسينية وباتوا مدرسة يقتضى بها، من بين هؤلاء العلامة الشيخ عبدالوهاب الكاشي قارئ العزاء الغني عن التعريف، يجمع المؤمنون انه مدرسة في قراءة العزاء, واعظ متعظ, قل نظيره، استغل منبره لنشر مبادئ عاشوراء وتعاليم أهل البيت أينما وجد، وهو لا يزال موجودا من خلال أبنائه ومن تتلمذ في مدرسته التي لا بد من تذكير الأجيال بهذه المدرسة.

من هو الشيخ الكاشي ؟

نجل العلامة الكاشي المهندس الحاج حسن الكاشي, تحدث “لشفقنا” فأطلعنا على نبذة من حياة والده قبل الغوص في شخصيته والجلوس على مقعد الدراسة في مدرسته، فقال: “نشأ والدي في عائلة كلها خطباء منبر حسيني عريق، والده الشيخ عبدالحسين الكاشي من مدينة كاشان الايرانية ووالدته من اسرة ملكية قاجارية”, منذ ايام السلطان نادر شاه القاجاري حيث كان جدها الطبيب الخاص للسلطان. في سنة 1840,

انتقل جد الشيخ عبد الوهاب الكاشي ملا محمد الكاشي مع العائلة من ايران الى العراق, الى النجف خصوصا. اوائل الحرب العالمية الاولى, سنة 1920, حوصرت مدينة النجف من قبل الانكليز, فهاجر والد الشيخ الكاشي الى البصرة, حيث ولد سماحته في مدينة ابو الخطيب, وعندما استقرت الاحوال عادت العائلة الى النجف الاشرف”.

وأضاف الحاج حسن..” الشيخ الكاشي نذر حياته لخدمة المنبر الحسيني بعد معجزة شفائه من مرض مزمن ببركة الامام علي وابنه الحسين (ع)، فبدأ بقراءة العزاء الحسيني في عمر الخمس سنوات, خلال الاقامة في النجف, وتتلمذ على يد والده وتخصص في مجالس المراجع الكبار بالفقه والخطابة, أمثال: الامام الخوئي, السيد محسن الحكيم, السيد محمد علي الخراساني, السيد عبدالهادي الشيرازي..

جرأته أدخلته السجن

واشار نجل العلامة الكاشي في معرض حديثه الى ان الشيخ الكاشي تحلى بالجرأة بدليل قراءته في مجلس العلماء الكبار رغم صغر سنه, كما تعرض للسجن فترة طويلة في زمن صدام حسين, بسبب جرأته على المنبر ضد النظام العراقي في ذلك الوقت.

في لبنان حارب الاساطير وجدد الخطابة

وحول مجيئه الى لبنان يشير نجل العلامة الكاشي ان والده جاء الى لبنان سنة 1969 بدعوة من السيد موسى الصدر والشيخ حسين معتوق, فاتخذه العلماء كناطق رسمي ومتحدث باسمهم على المنابر، ويتابع، “في تلك الفترة كانت المجالس الحسينية مجرد روايات واساطير, عندما جاء الشيخ الكاشي حكى الوقائع كما هي وجدد باسلوب الخطابة الحسينية، واول مجلس له كان في حسينية برج البراجنة بعدها انتقل لمنطقة الغبيري. واستقر في منطقة صبرا في بيروت ولم يعد الى العراق بسبب الظروف القاسية هناك”.

ويروي المهندس الكاشي كيف أن والده لم يعر اهتمام لأمور الدنيا حيث كان الامام علي (ع) مثله الاعلى وأثرت هذه الشخصية على تصرفاته، فاحتقر الحياة واعتبرها مجرد ممر وليست مقر، فكان يشجع على العلم ولا يبخل بالمال لشراء الكتب العلمية, اما اذا تعلق الأمر بماديات الدنيا لم يكن يعر للأمر أهمية، مثلا لم يكن لدينا لا راديو ولا تلفاز”, فاقتدى بالامام علي (ع) اقتداء حرفيا وصادقا وليس ادعاءا امام الناس. حتى أنه عندما جاء الى لبنان قدموا له سيارة فلم يقبلها وقال: “نركب كما تركب الناس, بالاجرة”.

من لبنان الى العالم، مدرسته مستمرة

من لبنان انتشر صيت العلامة الكاشي في عدد من الدول العربية فسافر الى مسقط والبحرين وساحل العاج ودول أخرى وذلك من أجل احياء عاشوراء ومناسبات دينية أخرى، وأسسوا له هناك حسينيات باسمه مازالت الى الآن.

وينهي نجل العلامة الكاشي كلامه بالحديث عن مؤلفات وارث والده فيقول: ترك الشيخ الكاشي مؤلفات وأشرطة عدة لتتعلم منها الاجيال بعده, وحاليا يتم طبع كتب تتناول خطابات هذا الصوت الخالد. اما في العراق فله مكتبتين مخصصتين للمطالعة والدرس, الأولى في مدرسة آية الله البادكوبي في محلة المشراق, والثانية في مدرسة آية الله البروجردي قرب صحن الامام علي (ع).

ماذا قال الشيخ نجدي عن معلمه؟

الشيخ حسين نجدي الذي يعد أحد أهم تلامذة الشيخ الكاشي يؤكد لوكالة “شفقنا” أن استاذه بحق علم من أعلام المنبر الحسيني على مستوى لبنان, وكل من قرأ في لبنان العزاء بعده يعتبر اما تلميذه او تتلمذ عبر احد تلاميذته.

وأضاف…”الشيخ الكاشي كان شخصية مثيرة للاعجاب, كل من عرفه احبه، على المستوى الخطابي كان جذابا في حديثه, وعلى المستوى الصوتي كان متميز جدا بهذه الخامة الصوتية الرائعة التي “تبكي حتى الحجر”, امتاز بالاصالة, وسبك الموضوع اي عدم وجود تشتت بالافكار, يبدأ ويختم كما بدأ دون اي شرود او ضياع, نحوي من الطراز الاول, خطابه عقلاني ومنطقي. ويضيف نجدي :”تعلمت من الشيخ الكاشي الكثير, وهو الذي عبّد الطريق أمامه”.

واشار الشيخ نجدي الشيخ الكاشي كان يعطي الدروس في منزله وانه على المستوى الشخصي تميز بأخلاقه وايمانه وصدقه وتواضعه ووفائه, وعلى المستوى العلمي بوصفه موسوعة علمية بكل معنى الكلمة.

وحول سبب اختياره لهذه المدرسة يجيب نجدي: اخترت مدرسة العلامة الكاشي لان الاطوار التي كان يقرأ بها ناسبت صوتي بشكل قوي جدا, فضلا عن اعجابي بشخصيته واسلوب الشعر الذي كان يلقيه”.ويستطرد الشيخ نجدي قائلا: “العزاء الحسيني في زمن الشيخ الكاشي كان افضل, فاليوم تنتشر المبالغة والحشو, طول الخطابة والاسهاب, “فيضيع الموضوع ويختلط الامر على المستمعين بحيث يتم الاساءة الى الثورة الحسينية”.

ويصف الشيخ نجدي علاقة استاذه مع تلاميذه, بعلاقة الاب الشفيق بأبنائه, يهتم بهم, يشجعهم ويدعوهم الى ان يقدموا انفهسم عليه, لأن برأيه هو زائل لكن تلاميذه هم المستقبل, “فكان فعلا بمثابة الوالد لهم يحتضنهم كأنه الاب الحنون”.

الشيخ مغنية: تعلمت من الكاشي رغم اني لست من طلابه

لم يلق سماحة العلامة الكاشي اعجاب طلابه فقط بل استفاد منه جيل من الخطباء الذين لم يتتلمذوا على يديه بالمباشرة, مثل فضيلة الشيخ علي مغنية الذي قال:” ترعرعت في بيت يستمع لتسجيلات الشيخ الكاشي, فانسجمت معه وتعلمت منه قراءة المجالس والتفاعل معها, دون تصنع, اضافة الى كيفية القيام بالخطابة الحسينية لناحية قراءة القصيدة والمقدمة وكيفية ربط الموضوع بنهاية المجلس”.

ورأى الشيخ مغنية أن هذه الشخصية لها اثر كبير في حسينيات لبنان, فهي مؤثرة بالناس, متمكنة لناحية الامور التاريخية، شخصية موهوبة، ومتميزة بخطابة رزينة، لها اسلوب شيق يترك اثرا في النفوس.

ولفت الى ان اهم ما تميز به الشيخ الكاشي هو المقامات الحزينة التي قرأ فيها، بسبب صوته الجميل, فكان كل سنة يقرأ بمقام مختلف وهذا دليل تمكنه، ويختم الشيخ مغنية حديثه معنا بالقول: ” ان الشيخ الكاشي اختير ليكون خطيبا حسينيا من قبل الله سبحانه وتعالى منذ ولادته”.

اذا بعد عمر حافل بخدمة المنبر الحسيني, وعطاء غير محدود كرسه علما بارزا من اعلام الخطابة الحسينية, ودّع الشيخ الكاشي رحمه الله الحياة سنة 1997 ودفن في مقبرة روضة الشهيدين في الضاحية الجنوبية, تاركا بصمته التي لا تمحى من ذاكرة الاجيال, صنفته في جيل الكبار من الخطباء الذين كانوا ولا يزالوا صوت الثورة الحسينية المدوي عبر القرون, وسيبقى الشيخ الكاشي رحمه الله وأمثاله من النوادر, صوت العِبرة والعَبرة والتوازن والعقلانية والولاء الصافي النقي لأهل البيت عليهم السلام.

وللخطيب جملة من المؤلفات، نذكر منها:
1-
مأساة الحسين بين السائل والمجيب.
2-
محاضرات في المجالس الحسينية.
3-
مصرع الحسين.
4-
في رحاب محمد وأهل بيته (3).

المصدر: الاجتهاد