حدود الدمّ.. وجمهورية بارزاني!

الثلاثاء 3 أكتوبر 2017 - 12:05 بتوقيت غرينتش
حدود الدمّ.. وجمهورية بارزاني!

مقالات خاصة - الكوثر

في مقال سابق لتاريخ 25 ايلول بكثير، قلت ان النزعة العشائرية والغباء السياسي الناتج من الشجع في أخذ المزيد من الامتيازات على حساب الآخرين، والدفع الصهيوني بأتجاه مشروع التجزئة والانفصال قد تنتهي بأجراء الاستفتاء الكردي.. وان كنت متردداً في تقييم حجم هذا الغباء!

الكرد ومنذ 2003 يتصرفون وفق سياسة الأمر الواقع مدعومين بذلك من مخططات الغرب الصهيواميركي وازدواجية المواقف الاقليمية والحقد الذي يجيش في قلوب بعض قادة بلدانها تجاه العراق.. وايضاً لحاجة السياسيين في المركز الى الاستفادة منهم لترجيح كفة على اخرى والامساك بملفات السلطة..

ورغم ان البراغماتية والواقعية لاتنفكان عن السياسة، لكن المشكلة في تطرف الكورد بأستخدام هذه الوسيلة للوصول الى اهداف غير مشروعة، بما يخلّ بكل موازين اللعبة السياسية والتوازنات الاقليمية، غافلين عن امكانيات المواجهة التي يمتلكها الآخرون في المقابل.

نهاية أزمة داعش.. وبداية الأزمة الكوردية

مع نهاية أزمة دولة الخرافة (داعش) في العراق وسوريا والتي كانت صنيعة للدول الغربية وحلفاءها في المنطقة وبتواطئ حتى مع القيادة الكردستانية التي وقفت متفرجة على مجازر داعش وكان دورها فقط احتلال المناطق التي يتركها الجيش العراقي قبل ان يدخلها داعش أو استلام بعض المناطق من داعش بعنوان التحرير!

يظهران الاستراتيجية الاميركية ـ الغربية مصرّة على استمرار الأزمة في المنطقة وهذه المرّة من خلال اللعب بالورقة القومية ـ العنصرية بعد ان فشل المشروع الطائفي الواضح الكراهة والذي ترفضه النفوس، ولم يحقق اهدافه.. ولعلها انتقلت في ذلك من مرحلة الاستنزاف الارهابي لدول وكيانات المقاومة الى مرحلة المواجهة المباشرة بين عملائها وقوى المقاومة.. الأمر الذي جعل محور المقاومة (وهذه المرة معه تركيا التي وان كان لا يمكن التعويل كثيرا على مواقفها الا ان شدة التهديد الذي تواجهه قد يجعلها في الموقف الصحيح، طبعا باستثناء اطماع العثمانيين في كركوك والموصل) يتحرك بأتجاه التصعيد والتهديد برد قاسي لأميركا وعملائها.

نفاق الغرب والانظمة العربية

ورغم ما يعلنه الغربيون والاميركيون خاصة من معارضتهم للأستفتاء والانفصال الكوردي.. لكن اداءهم على الأرض يبين غير ذلك فالسعودية والامارات مؤيدتان للأنفصال وتعتبران ذلك هدفاً من اجل اضعاف العراق "الشيعي"، وتحدثت بعض التقارير التي وصفت بالمؤكدة عن 20 مليون دولار قدمت من الامارات وحدها الى حكومة بارزاني لاجراء الاستفتاء، والّا من اين اتى بارزاني بأموال اجراء الاستفتاء وهوالذي يشكو على الدوام من ازمة مالية خانقة بسبب سياسات المالكي قبل اربع سنوات؟!!

كما ان صور السياسيين والدبلوماسيين والاستراتيجيين الغربيين (محافظون جدد اميركيون ومتصهينون اوروبيون وصهاينة) الذي حضروا الاستفتاء وحضّروا له يكفي لمعرفة حقيقة المواقف الغربية.. علماً ان النفاق لم يستمر كثيراً فقد اعلن زعيم الاغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الاميركي دعمه للأنفصال.. وتحدث الكونغرس عن قانون دعم قرار الأمة الكوردية؟!

مربع المواجهة
الخطوة الكوردية واجهت مواقف شديدة من قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية وتركيا والسلطة الاتحادية العراقية وايضاً الحكومة السورية التي تواجه بدورها ارهاصات فيدرالية كردية!!

علماً انه كان على المربع الاقليمي ان يتخذ اجراءاته التي اعلن عن بضعها كأغلاق الاجواء وتحويل المنافذ الى السلطات الاتحادية واقالة محافظ كركوك وسد شريان النفط المهرب من الاقليم بعد 25 ايلول، قبل ذلك ويحول دون حصول الاستفتاء بطرق متعددة.. خاصة الحكومة العراقية التي تأخرت كثيراً في اجراءاتها تجاه الانتهاكات الكردية للدستور للحد الذي كانوا يتصرفون فيه باعتبارهم دولة مستقلة تستنزف 17% أو أكثر من خيرات الجنوب!

لكن عزائنا في ذلك قد يكون هناك مخطط ومشروع خلف ذلك التأخر؟!

رأي المرجعية والحكومة العراقية

غباء القيادة الكردستانية (البارزانية) جعلها تهدد بالدم وتدفع بأتجاه الصدام.. وهو ما قرأته المرجعية الدينية بالنجف الاشرف مسبقاً وافضل من الحكومة الاتحادية بكل سياسييها ومستشاريها!!.. لذلك رفضت استقبال الوفد الكردي قبل الاستفتاء.. لكن تمادي حكومة بارزاني جعل المرجعية في مواجهة الرأي العام المطالب بموقف صريح وشفاف.. وهوما صدر بالفعل من خلال بيان الجمعة الذي قدمه السيد احمد الصافي ممثل المرجعية.. وجاء مزلزلاً للقوى الانفصالية وحتى انه تقدم على الحكومة المركزية (الاتحادية) في ادبياته تجاه المناطق الشمالية من العراق.. ودعم جميع الاحراءات التي تنوي الحكومة العراقية اتخاذها لمعاقة قرار الاقليم واعادته الى جادة الصواب بتحكيم الدستور وبمرجعية المحكمة الاتحادية.

الكورد هنا يؤكدون في ردهم على بيان المرجعية بالتاكيد على الحوار ليظهروا وكان الطرف الاخر او الاطراف الاخرى رافضة للحوار.. في حين ان هناك جملة امور على الطرف الكردي القيام بها للجلوس على طاولة الحوار ولعل اولها رفض الاستفتاء ونتائجه وهو ما لن يقوم به مسعود بارزاني ومن معه.

ولا اريد ان استبق المواقف، فاي مفاوضات غير مشروطة على الطرف الكوردي الذي انتهك الدستور وعليه ان يصحح مساره او يضع قدمه على جادة التصحيح، يعني المزيد من المكاسب لحزب بارزاني وتراجع للحكومة العراقية واقرار مسبق بحتمية الانفصال!
كما ان قرار الحكومة بأستثناء قوات البيشمركة عن المشاركة في عمليات تحرير الحويجة وهو قرار صائب تماما، كان رسالة سياسية موقعة برائجة البارود لبعض المشاركين في ادارة محافظة كركوك من الانفصاليين.. هكذا قرأتها؟!

أصوات باتجاه الحل

صحيح ان الموقف الايراني والتركي ذهب الى ابعد من غلق الاجواء والسيطرة الاتحادية على المنافذ ووضع العملية (اتكلم عن الموقف الايراني بالتحديد) ضمن مشروع صهيوامريكي لتقسيم المنطقة واستهداف الجمهورية الاسلامية.. لكن ايران والحكومة العراقية لم تعدم الحلول بين الطرفين (الكردي والاتحادي) وجعلت الكرة في ملعب بارزاني.. فأما ان ينسحب ويبطل نتائج استفتاءه (وهو ما لا أراه في عقلية مسعود العشائرية، ولانه سيشكل نكسة كبيرة له قد تنهي حياته السياسية وحياة اسرته بالتالي).. او يواجه عقوبات اكثر من ذكية وحرب سياسية وأمنية من الجهات التي هدد أمنها وضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات التي وقعها معها.. بل اعتدى على الدستور الذي يدين بوجوده وكيانه له..

وبأمكان الحكومة العراقية ان ترفع ضده دعوى خيانة عظمى والتعامل والاتصال بجهات معادية و... الخ، رغم ان ما نقوله هو مجرد احلام وردية في ظل التجاذبات القائمة على الساحة العراقية!!

بارزاني يريد ان يفاوض (مدعوماً بأميركا والوساطات الدولية والاقليمية النزيهة!!) يريد ان يحوّل الاستفتاء الى نقد على ارض الواقع.. يأخذ به المزيد من أهل الجنوب ويترك الباب مفتوحاً للأنفصال على امل انتكاسة اخرى (قد يشارك فيها ايضاً على غرار مشاركته في اتكاسة الموصل 2014 والتي رفض ان يجيب على اسئلة اللجنة التحقيقية البرلمانية)، داخل الجسد العراقي!

جميع القوى المناوئة للأنفصال تؤكد على مرجعية الدستور والاكراد يراهنون على الدعم الصهيواميركي.. فهل سيسقط المقاومون هذه المرّة ايضاً المشروع الاميركي ـ الصهيوني بالفتنة القومية ـ العنصرية.. وكم سيكلف ذلك من حروب ودماء؟!
نزوة مسعود بارزاني ليست شخصية وانما مشروع تفتيت تتقدم فصوله على مبدأ انتكاساتنا وتشتتنا وغباء بعض مراهقي السياسة عندنا، اضافة الى الطابور الخامس وخلاياه النائمة بيننا... لكن ليس كل ما اراده المستعمر والخائن تم له، لقد تحولت المقاومة الى قوة صعبة في مواجهة اسياد بارزاني ومن معه وهي التي ترسم الحدود ببطولات ابناءها، ومن غباء بارزاني انه لم ياخذ ذلك بالحسبان وتصور ان المعارك ترسمها الجيوش فقط!

بقلم: علاء الرضائي