دعاء وخطبتا الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء

الأحد 1 أكتوبر 2017 - 06:15 بتوقيت غرينتش
دعاء وخطبتا الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء

اسلاميات-الكوثر بمناسبة حلول ذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام سبط النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، نورد لكم دعاء وخطبتي الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء إقامة للحجة ودعوة بالموعظة الحسنة، كما جاء في الروايات.

بسم الله الرحمن الرحيم

:. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله المنتجبين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين..

وبعد: قال تعالى: (ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ  أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل:125.

لطالما كانت الكلمة طريق الإصلاح الأول وبها سلك الأنبياء والمرسلون إلى القلوب فحاوروا النفوس وتحدثوا إلى الضمائر وأقاموا الحجج والبراهين، حتى اهتدى إلى الحق خلق كثير، بل إن أولى الأوامر الإلهية للرسول الأكرم «اقْرَأ» وكذا فالرسول الأعظم (ص) دعا قومه ومن قاتله بالكلمة.

والكلمة الطيبة ابلغ من أي شيء آخر في الإصلاح الذي هو غاية الإمام عليه السلام من ثورته المباركة ويشهد لذلك وصيته المشهورة لأخيه ابن الحنفية، ومن هنا فان كلمات سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء توضح بل ترسم أمامنا خارطة طريق للاطلاع على الكثير من أمور النهضة المباركة لاسيما دعاءه الشريف وخطبتيه، لذا آثرنا إيرادها هنا مع توضيح لبعض المفردات من الناحية اللغوية والمجال لا يسع للبحث الموضوعي، وفيما يلي نص الدعاء والخطبتين:

    

دعاء الإمام الحسين يوم عاشوراء:

لمّا نظر الإمام الحسين عليه السلام إلى جمع بني أمية كأنّه السيل[1]، رفع يدَيه بالدعاء[2] وقال:« اللهمّ، أنت ثقتي[3] في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدّة[4]، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة[5]، كم من همٍّ[6] يضعف فيه الفؤاد[7] وتقلّ فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ، أنزلته بك[8] وشكوته إليك، رغبةً منّي إليك عمَّن سواك فكشفته وفرّجته، فأنت ولي كلّ نعمة ومنتهى كلّ رغبة.[9]

   

خطبة الإمام الحسين عليه السلام الأولى

 ثمّ دعا براحلته عليه السلام فركبها، ونادى بصوت عال يسمعه جلّهم: أيّها النّاس اسمعوا قَولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليَّ[10]، وحتّى أعتذر إليكم من مَقدمي عليكم[11]، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النّصف من أنفسكم، كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليَّ سبيل[12].

 وإنْ لَم تقبلوا مِنّي العذر ولَم تعطوا النّصف من أنفسكم، فأجمعوا أمركم و شركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة. ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون[13]. إنّ ولييّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولّى الصالحين.

فلمّا سمعنَ النّساء هذا منه صحنَ وبكينَ وارتفعت أصواتهنَّ، فأرسل إليهنَّ أخاه العبّاس وابنه علياً الأكبر وقال لهما:«سكّتاهنَّ فلعمري ليكثر بكاؤهنَّ».

ولمّا سكتنَ، حمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد وعلى الملائكة والأنبياء وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ولَم يُسمع متكلّم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه[14]، ثمّ قال: «عباد الله، اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإنّ الدنيا لَو بقيت على أحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحقّ بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله خلق الدنيا للفناء، فجديدها بالٍ ونعيمها مضمحل وسرورها مكفهر[15]، والمنزل تلعة[16] والدار قلعة، فتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلّكم تفلحون[17]. أيّها النّاس إنّ الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال[18]، فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته[19]، فلا تغرّنكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتُخيّب طمع من طمع فيها. وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم[20]الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحلَّ بكم نقمته[21]، فنِعمَ الربّ ربّنا وبئس العبيد أنتم ؛ أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمّد صلى الله عليه وآله، ثمّ إنّكم زحفتم إلى ذريّته وعترته[22] تريدون قتلهم، لقد استحوذ[23] عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً[24] لكم ولِما تريدون. إنّا لله وإنّا إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين[25].

أيّها النّاس أنسبوني مَن أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها وانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألستُ ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأول المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه ؟ أوَ ليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي ؟ أوَ ليس جعفر الطيّار عمّي، أوَ لَم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة ؟ فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ـ والله ما تعمدتُ الكذب منذ علمت أنّ الله يمقت[26] عليه أهله ويضرّ به من اختلقه ـ وإنْ كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال الشمر: هو يعبد الله على حرف[27] إنْ كان يدري ما يقول.

فقال له حبيب بن مظاهر: والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك[28].

ثمّ قال الحسين عليه السلام  : فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول، أفتشكّون انّي ابن بنت نبيّكم، فوا لله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم اتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟! أو مال لكم استهلكته ؟! أو بقصاص جراحة ؟!

فأخذوا لا يكلّمونه! فنادى: يا شبث بن ربعي، ويا حَجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث ألم تكتبوا إليَّ أنْ أقدم قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجنّدة؟

فقالوا: لَم نفعل.

قال عليه السلام: سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم. ثمّ قال: أيّها النّاس، إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمن من الأرض. فقال له قَيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمّك ؟ فإنّهم لَن يروك إلاّ ما تُحبّ ولَن يصل إليك منهم مكروه.

فقال الحسين عليه السّلام: أنت أخو أخيكّ[29]، أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد، عباد الله إنّي عذتُ بربّي وربّكم أنْ ترجمون[30]، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبِّر لا يؤمن بيوم الحساب[31] .

   

خطبة الإمام الحسين عليه السلام الثانية

ثمّ إنّ الحسين عليه السلام ركب فرسه، وأخذ مصحفاً ونشره على رأسه، ووقف بإزاء القوم وقال:  يا قوم، إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ثمّ استشهد هم عن نفسه المقدّسة وما عليه من سيف النّبي ـ صلى الله عليه وآله ـ  ولامته[32] وعمامته فأجأبوه بالتصديق. فسألهم عمّا أخذهم على قتله؟.

 قالوا: طاعةً للأمير عبيد الله بن زياد، فقال عليه السّلام: تبّاً لكم أيّتها الجماعة و ترحاً[33]، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين[34]، سللتم[35] علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم[36] علينا ناراً اقتدحناها[37] على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً[38] لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم. فهلاّ ـ لكم الويلات! ـ تركتمونا والسّيف مشيم[39] والجأش طامن[40] والرأي لَما يستحصف[41]، ولكنْ أسرعتم إليها كطِيَرة الدبَّا[42] وتداعيتم[43] عليها كتهافت الفراش[44]، ثمّ نقضتموها، فسحقاً[45] لكم يا عبيد الأمة وشذاذ[46] الأحزاب ونبذة الكتاب[47] ومحرّفي الكلِم وعصبة الإثم ونفثة[48] الشيطان ومطفئيّ السّنَن! ويحكم أهؤلاء تعضدون[49] وعنّا تتخاذلون[50]! أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشجت[51] عليه أُصولكم وتأزّرت[52] فروعكم فكنتم أخبث ثمرة، شجي للناظر وأكلة[53]للغاصب! ألا وإنّ الدّعيّ بن الدعيّ[54] قد ركز بين اثنتَين ؛ بين السّلة والذلّة[55]، وهيهات منّا الذلّة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور[56] طابت وطهرت واُنوف حميّة ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة على قلّة العدد وخذلان النّاصر.

 ثمّ أنشد أبيات فروة بن مُسيك المرادي.


 فـإن  نـهزم فـهزّامون قدماً       وإن نـهْزَم فـغير مُـهزَّمينا
ومـا  أن طبنا جبن ولكن           منايانا  ودولــة آخـرينا
فـقل  لـلشامتين بـنا أفيقوا       سيلقى  الـشامتون كما لقينا
إذا مات الموت رفَّع عــن اُناس     بكلكله  أنــاخ بـآخرينا[57]

أما والله، لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور، عهدٌ عَهَده إليَّ أبي عن جدّي رسول الله، فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون[58]، إنّي توكّلت على الله ربّي وربّكم، ما من دابّة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط المستقيم[59].

ثمّ رفع يدَيه نحو السّماء وقال:« اللهمّ، احبس عنهم قطر السّماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة[60]، فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير. والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه، قتلةً بقتلة وضربةً بضربة، وإنّه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي.

 

المصدر: فارس