اليكم هذه القصيدة العصماء
حديث القارورة
شعر :- ضياء فرج الله
دمُه تناثرَ فالتقطْهُ نثارًا
واحمله بين يَدَيْ فدائك ثارا
وانظرْه هل قرّتْ به قارورةٌ
أم فاضَ حتى أنهرَ الأنهارا
وطمى فمنه بكلّ بحرٍ موجةٌ
وسَما فأمطرَ نزفُه الأمطارا
هذا حسينُكَ يا محمّدُ جرحُه
للآنَ يركضُ في الدنى إعصارا
والقاتلونَ خطيئةٌ ممسوخةٌ
خسأتْ فكيف بها الهُدى يتوارى
ام كيفَ يخبطُ بالضلالة ليلُها
واللهُ شادَ دمَ الحسينِ نهارا
*
دمُه تناثرَ فالتقطْهُ معفّرًا
واملأ بهِ وجَه الرياح نثارا
واصبغْ بصبغتهِ الفصولَ فصيلةً
خضراءَ تحملُ خصبَكَ المّوارا
خضراءُ أم حمراءُ في (جيناتها)
دمُك المُضيَّعُ ناطفًا مدرارا
تتَناوح الأشجارُ ذاهلةً له
وتُعيرُ بعض نَواحها الأطيارا
وارمِ الجهاتِ به فقد تسْتَفُّهُ
ويغورُ في مَدَياتها أغوارا
تَدمَى له الأشياءُ في عاشوره
من كلّ عامٍ آيةً ومَعارا
فإذا ملامحُك القتيلةُ صورةٌ
وإذا صفاتُكَ صُورُها يتَبارى
إبعثْ به سرَّ الحياة خليقةً
تنمو وتخلعُ موتَها أحجارا
وانفخْ بها روحًا فقد تمشي على
أقدامها وتُسابقُ التيّارا
والنبعُ ما النبعُ الدفيقُ سوى خُطى
صخرٍ أجشَّ تصايحَ استنكارا
*
قارورةٌ قرّتْ به ام غيمةٌ
سوداء تمري ذَوْبَ حزنك قارا
نبتَ الرمادُ على مساقطِ دمعها
وتوَسَّدتْهُ مفاوزٌ وصحارى
وأقام فيها ليس يرحلُ واللّظى
أثوابهُ اللائي بلَينَ دِثارا
هذا الدخانُ يحاصرُ التاريخ من
بدء الزمان ويستجدُّ حصارا
تعرى الحدودُ ويستطيل ضغينةً
أمويةً تُعلي الضَلالَ جدارا
ماذا ستصنعُ بالنهارِ إذا انجلى
ومضى يحطّمُ بالضحى الأسوارا
هذا حدادُ الأرض شكَّلَ اُفقَها
ورمى الدجى بيد الغروب جمارا
هل كانَ فحمُ الليل يبكي لاهثاً
حتى تأرّثَ في الفجيعة نارا
من كلِّ حيرةِ خيمةٍ محروقةٍ
أو كلّ ذاعرةٍ تحيرُ فرارا
أم كانَ يجلو عنه غاشيةً الأسى
ليُضيءَ في حلُمِ الصباح منارا
ويلمَّ بعضَ دم الحسين حمامةً
بيضاءَ خضَّبَها الشروقُ نضَارا
لكنّها سقطتْ وذابَ ضياؤها
في سَوْرة الدم والدّخُان سِرارا
فرّتْ به خوفَ الأسار بُنيَّةٌ
من كفّ زينبَ تنتقيهِ سِوارا
وجرى على نحرِ الرضيع قلادةً
حمراءَ رصَّعتِ الطفولةَ غارا
ظمآنَ ماتَ ومن فُراتِ دمائهِ
ملأتْ عيونُ الثاكلاتِ جرارا
وبكى الصِغارُ واُعولتْ صرخاتُهم
لتَزيدَ ذاكرةَ الجُناة صغارا
وتلقَّفْتهُ يدُ السماءِ وقد سَما
بيَدَيْ أبيه كوكبًا سيّارا
ما ناشَهُ سهمٌ وخضّبَ نورَه
إلا رمتْهُ شُواظَها البتّارا
في أيّ نجمٍ كان ضوءًا نازفًا
أو أيّ وهجٍ أوقدّ الأقمارا
سبحَتْ به الأفلاك حتى سبَّحتْ
وتلَتْ بهِ صلواتِها أنوارا
وأقام في العرشِ المهيبِ وساقُه
لولاه لم يطأِ النشورَ مَدارا
*
دمُه تناثَر هل يقرّ قَرارا
أو تستكينُ به الطفوفُ اُوارا
وبكلّ يومٍ منهُ عاشوراؤهُ
في كربلاء تُجدّدُ الأدوارا
هل سال وانطفأتْ به رمضاؤها
ام صالَ فاشتجرتْ به أقدارا
قدَرُ الرسالةِ أن يطيح على الثرى
جرحُ الحسين وأن يصيحَ جهارا
قدرُ الإمامةِ أن يبُلَّ من الدِما
عطَشُ الولاءِ الآل والأنصارا
قدَرُ الكرامةِ أن تُكبَّلَ زينبٌ
والآسرونَ يغالبونَ أسارا
مَن ماتَ وانطمستْ به آثاره
مَن عاش حتى خلَّد الآثارا
حسبُ الخلودِ حسينُه وتباركتْ
نفسٌ تمدُّ على الوجودِ شعارا
اللهُ أَصفاها الشهادةَ فاصطفتْ
رضوانَهُ وتناثَرت إيثارا
ما ماتَ وارثُ أحمدٍ من فاطمٍ
إذْ جدّدَ المختارَ والكرّارا
*
مجدًا أبا الزهراء أنّكَ عشتَ في
ابناءِ مجدكِ تُنجبُ الثوّارا
والخائرون مَضَوا سِراعًا شأنهُم
يتهافتَون على البلى أغمارا
وبقيتَ وحدَك في حسينِكَ خالدًا
دهرًا فدهرًا تمنح الأعمارا
هذي طفوفُ بنيكَ صارت كعبةً
في الأرض طافَ بها الفدى زوّارا
قدَرُ الحسينِ هو الحسينُ كيومِه
وِتْرٌ يمرُّ إلى الزحوفِ بِدارا
***
يا وعَدنا المخبوءَ في يدِ أحمدٍ
كدمِ الحسين لمَنْ تقرُّ قرارا
من ألفِ عام نجتليكَ نبوءةً
خَفيتْ ولكن تُحفظُ استظهارا
ونرودُ في الزمنِ الخبئ وإن دجا
غبَشٌ يلفُّ الدربَ والأخبارا
ونسائِل الطرُقَ الغريبةَ هل مشى
يومًا عليكِ وهل أجدَّ سِفارا
عذرًا اذا غِبنا ووعدُك حاضرٌ
يا لَلْسُرى ما اغيبَ الحُضّارا !
لكنّنا عُدنا إليك ولم يَنَلْ
منّا قتَامُ عِداك أنّى سارا
نسري إليك على المنايا حُسَّرًا
ونَشيدُ من أضلاعنا لكَ دارا
هاذاكَ انتَ فكُنْ كما عهد الضحى
بالشمسِ أن تتبرَّجَ استسفارا
خسَأ الغيابُ وخابَ حلْمُ ظلامِه
فبأي آلاء الضحى يتَمارى
ومن الحسينِ إلى الحسين محمّدٌ
بمحمّدٍ يصِلُ الطفوفَ غِرارا
دمُه تناثَر فالتقطْهُ نثارا
واحملْه يا مهديَّهُ مضمارا
----------------------
رُؤيَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يلتقط دمَ الحسين عليه السلام ويضعه في قارورة وهو يبكي !
----------------------