مَن هو جُنادة ؟
جُنادة بن الحَرْث المَذْحِجيّ المُراديّ السَّلمانيّ (1) الكوفيّ، أحد مشاهير الشيعة في الكوفة، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام. وبقيَ جُنادة على منهاج آل البيت عليهم السّلام، يواليهم ويناصرهم.. حتّى إذا نهض مسلمُ بن عقيل رضوان الله عليه كان معه، فلمّا رأى الخِذلانَ مِن أهل الكوفة خرج من الكوفة مُلتَحقاً بالرَّكب الحسينيّ القادم من مكّة.
قصّة الالتحاق
لمّا قُتل قيس بن مُسْهِر رضوان الله عليه على يد عبيدالله بن زياد في الكوفة، وكان أخبرَ أن الإمام الحسين عليه السّلام صار بمنطقة « الحاجِر » (2).. خرج إليه: عَمْرُو ابن خالد الصيَّداويّ ومعه مولاه سعد، ومُجَمّعُ بن عبدالله العائذيّ وابنه عائذ، وجُنادةُ ابن الحرث السَّلْمانيّ. واتّبَعهم غلامٌ لنافع بن هلال الجَمَليّ بفرسه المدعوّ « الكامل »، فجنّبوه، وأخذوا دليلاً لهم هو الطِّرِمّاح بن عَدِيّ الطائيّ.. وكان هذا الدليل قد قَدِم إلى الكوفة يَمتارُ لأهله منها طعاماً، فخرج بهم على طريقٍ مُتنكّبة، وسار سيراً عنيفاً خوفَ الأعداء، وقد عَلِم هؤلاءِ أنّ الطريق مرصود.
حتّى إذا قاربوا الموضعَ الذي كان يسير فيه الإمام الحسين صلوات الله عليه.. حدا بهمُ الطِّرِمّاح بن عَدِيّ ناشداً:
يا ناقتي لا تَذْعُري مِن زَجْري وشَمِّـري قبـلَ طلوعِ الفَجـرِ
بخيـرِ رُكبْـانٍ وخيـرِ سَفْـرِ حتّـى تَحلِّي بكـريمِ النَّجْرِ (3)
المـاجدِ الحُـرِّ رَحيبِ الصَّدْرِ أتـى بـه اللهُ لخـيـرِ أمـرِ
وفي روايةٍ أخرى:
يا ناقتي لا تَذْعُري مِن زَجْري
وامضي بنـا قبل طلوعِ الفجرِ
بخيـرِ رُكْبـانٍ وخيـرِ سَفْرِ..
إلى أن يقول:
السادة البِيضِ الوجوهِ الزُّهْرِ الطاعنينَ بالـرِّماحِ السُّـمْرِ
الضـاربينَ بالسـيوفِ التِّبْرِ يا مالك النَّفْعِ معـاً والضُّرِّ
أيِّدْ حُسينـاً سـيّدي بالنَّصْرِ على الطغاةِ مِن بغـايا الكُفْرِ
على اللَّعينَـينِ سَليلَي صَخْرِ يزيدَ.. لا زال حليفَ الخمرِ
فانتَهَوا إلى الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السّلام وهو في منطقة « عُذَيب الهِجانات » (4)، فسلّموا عليه وأنشدَوه الأبيات (5)، فقال عليه السّلام: أمَ واللهِ إنّي لأرجو أن يكونَ خيراً ما أراد الله بنا.. قُتِلْنا أو ظفرنا (6).
وسألهم الإمام الحسين عليه السّلام عن رأي الناس، فأخبروه بأنّ الأشراف عَظُمَتْ رشوتهم، وقلوب سائر الناس معك والسيوف عليك! ثمّ أخبروه عن شهادة قيس بن مُسْهِر الصَّيدوايّ، فقرأ عليه السّلام قوله تعالى: فمِنْهُم مَن قضى نَحْبَه ومِنْهُم مَن ينتظرُ، وما بَدَّلوا تَبديلاً (7) ثمّ قال عليه السّلام يدعو:
اللهمّ آجعلْ لنا ولَهمُ الجنّة، واجمعْ بيننا وبينهم في مستَقَرٍّ مِن رحمتك، ورغائبِ مذخورِ ثوابك (8).
وكان الحرُّ بن يزيد الرياحيّ ـ وهو في مأموريّته الأولى أن يُجَعجِع بالإمام الحسين عليه السّلام ويَمنَعه عن دخول الكوفة ـ قد أقبل على هؤلاء النفر القادمين من الكوفة ليلتحقوا بركب سيّد الشهداء عليه السّلام، فقال للإمام الحسين عليه السّلام: إنّ هؤلاءِ النفر من الكوفة، ليسوا ممّن أقبَلَ معك، وأنا حابِسُهم أو رادُّهم! فقال له الإمام الحسين سلام الله عليه:
ـ لأمنعنّهم ممّا امنَعُ منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنتَ أعطيتَني أن لا تَتعرّضَ لي بشيءٍ حتّى يأتيَك كتابُ ابن زياد.
فقال الحرّ: أجَل، لكنْ لم يأتُوا معك.
فقال عليه السّلام يجيبه: هم أصحابي، وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تمّمتَ على ما كان بيني وبينك، وإلاّ ناجَزْتُك!
فكَفَّ الحرُّ عنهم (9).
وفي رواية أبي مخنف: قال له الحسين عليه السّلام:
ـ ألم تكنْ قد عاهَدتَني أن لا تَتعرّضَ لأحدٍ مِن أصحابي ؟! فإنْ كنتَ على ما بيني وبينك، وإلاّ نازَلتُك في ميدان الحرب!
فكَفَّ عنهمُ الحرّ، ثمّ إن الحسين عليه السّلام استقبلهم (10).
الالتحام.. حتّى الشهادة
لمّا التحم القتال يوم عاشوراء.. بين الإمام الحسين عليه السّلام وجيش عبيدالله بن زياد، شدّ هؤلاء الأربعة: عمرو بن خالد الصيداويّ ومولاه سعد وجُنادة بن الحرث السلمانيّ ومُجمَّع العائذيّ.. مُقْدِمين بأسيافهم في أوّل القتال على الأعداء، فلمّا توغّلوا فيهم تعطّف عليهم القوم، فقاتَلَ هؤلاء الأربعة في مكان واحد، وقد حُوصِروا، وأخذ عسكر عمر بن سعد يحوزونهم.. حتّى قطعوهم عن أصحابهم.
فلمّا نظر الإمامُ الحسين عليه السّلام ذلك، ندَبَ أخاه العباسَ عليه السّلام ليُنقذهم، فنهَدَ إليهم، وحَمَل على الأعداء وحده يضرب فيهم بسيفه قِدْماً حتّى أنقذهم، فعادوا معه وقد جُرِحوا، فلمّا كانوا في أثناء الطريق إلى عسكر الإمام الحسين عليه السّلام والعبّاسُ أمامَهم.. رأَوُا الأعداء يَتْبَعونهم وقد تَدانَوا منهم ليقطعوا عليهم الطريقَ مرّة أخرى، فانسَلّوا عن طريق عودتهم وأبَوُا النجاة! وأقبلوا بأسيافهم يشدّون على القومِ شدّةً واحدةً على ما بهم من الجراح، وقاتلوا حتّى استُشْهِدوا جميعاً في مكانٍ واحد.
وعاد أبو الفضل العبّاس عليه السّلام وحدَه يُخبر الحسين سلام الله عليه بذلك، فترحّم عليهم الإمام الحسين عليه السّلام، وجعل يكرّر ذلك (11).
فئـةٌ إن تَعـاوَرَ النَّـقْـعُ ليـلاً أطْلَعُوا فـي سَمـاهُ شُهْبَ الرِّماحِ
وإذا غَنّـتِ السـيوفُ وطافَـتْ أكْؤُسُ المـوتِ وانتشى كلُّ صاحِ
باعَدوا بيـن قُـربِهم والمَواضي وجسـومِ الأعداءِ والأرواحِ (12)
وقد ورد اسم جُنادة رضوان الله عليه مصحّفاً في بعض المصادر بـ « حيّان » أحياناً، لذا قد يكون هو المقصود بالسلام المبارك من الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف لدى زيارته لشهداء كربلاء يوم عاشوراء، حيث يقول صلوات الله عليه وعلى آبائه:
السلامُ على حيّانِ بن الحِرْثِ السَّلْمانيّ الأزديّ (13)