يزيد بن معاوية قاتل الحسين (عليه السلام) في مصادر "أهل السنة"

الأحد 24 سبتمبر 2017 - 12:00 بتوقيت غرينتش
يزيد بن معاوية قاتل الحسين (عليه السلام) في مصادر "أهل السنة"

دراسة ـ الكوثر يزيد بن معاوية شارب الخمور والمعلن بالفسوق، وناكح الاُمّهات والأخوات، وقاتل سيّد شباب أهل الجنّة (صلوات الله عليه)، والهاتك لحرمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومستبيح المدينة المنورة وحارق الكعبة وقاتل الصحابة والقرَّاء وهاتك أعراض المسلمين.

والحديث عن يزيد حول سوء سيرته وقبح سريرته طويل ، ولكنَّنا نذكر هنا فصلاً مختصراً يُبيِّن شيئاً من حاله :

يزيد بن معاوية موبقة من موبقات معاوية

روى الطبري وابن الأثير ، وابن الجوزي وأبو المحاسن ، وابن أبي الحديد والقندوزي والنويري ، وعبد القادر البغدادي والقاضي التنوخي ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : عن الصقعب بن زهير ، عن الحسن البصري ، قال : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لمْ يكن فيه منهنَّ إلاّ واحدة ، لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء حتّى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه ابنه بعده سكِّيراً خمِّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادِّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر , وقتله حجراً ، ويلاً له من حجر مرّتين ! ))(1) .
ورُوي عن الشافعي أنّه أسرَّ إلى الربيع أنْ لا يقبل شهادة أربعة ، وهم : معاوية وعمرو بن العاص ، والمغيرة وزياد(2) .
وقال عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي :

وروى الزبير بن بكار في الموفقيّات ، ورواه جميع الناس ممّن عني بنقل الآثار والسير ، عنالحسن البصري : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لمْ يكن فيه إلاّ واحدة منهن لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء حتّى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه يزيد سكِّيراً خمِّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادِّعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، فيا ويله من حجر وأصحاب حجر ! ))(3) .

يزيد أوَّل من سنّ الملاهي في الإسلام
قال الأصفهاني :
وقال : كان يزيد بن معاوية أوَّل من سنَّ الملاهي في الإسلام من الخلفاء ، وآوى المغنِّين وأظهر الفتك ، وشرب الخمر . وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه ، والأخطل الشاعر النصراني . وكان يأتيه من المغنّين سائب خاثر فيُقيم عنده فيخلع عليه . . .(4) .
وقال البلاذري :
كان يزيد بن معاوية أوَّل من أظهر شرب الشراب ، والاستهتار بالغناء والصيد ، واتّخاذ القيان والغلمان ، والتفكُّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة(5) .

ما فعله مع أهل البيت (عليهم السلام) على سبيل الاختصار(6)

ذكر في كتاب المقتل : ما فعله يزيد بأهل البيت (عليهم السلام) ، ونذكر هنا شيئاً يسيراً من ذلك :
قال أبو الفرج ابن الجوزي :
قلت : ليس العجب من فعل عمر بن سعد ، وعبيد الله بن زياد بما صنعوا وأتوا إلى أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من عظيم الإجرام ، وإنّما العجب من خذلان يزيد ، وضربه بالقضيب على ثنية الحسين (عليه السلام) ، وإعادته رأسه الشريف إلى المدينة ، وقد تغيَّرت ريحه لبلوغه(7) الغرض الفاسد ، أفيجوز أنْ يفعل هذا بالخوارج ؟ أو ليس في الشرع أنّهم يُصلَّى عليهم ويدفنون ؟!
أمّا قوله يزيد : لي أنْ أهبهم ، فأمر لا يقع لفاعله ومعتقده إلاّ اللعنة !
ولو أنّه احترم الرأس حين وصوله إليه وصلَّى عليه ، ولمْ يتركه في طست ولمْ يضربه بقضيب ما الذي كان يضرُّه ، وقد حصل مقصوده من القتل ؟
لكن أحقاد جاهليّة ، ودليلها ما تقدَّم من إنشاده [ شعر ابن الزبعرى ] :
ليت أشياخي ببدر شهدوا        . . . . . . . . . . . . .(8)
وتعرَّض سبط ابن الجوزي في تذكرته إلى ما ذكره جدُّه ، فقال :
وقال جدِّي : ليس العجب من قتال ابن زياد الحسين (عليه السلام) ، وتسليطه عمر بن سعد على قتله والشمر ، وحمل الرؤوس إليه ، وإنّما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثناياه ، وحمل آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبايا على أقتاب الجمال ، وعزمه على أنْ يدفع فاطمة بنت الحسين(عليه السلام) إلى الرجل الذي طلبها ، وإنشاده أبيات ابن الزبعرى :
ليت أشياخي ببدر شهدوا        . . . . . . . . . . . . . .
وردِّه الرأس إلى المدينة ، وقد ظن أنّه تغيَّر ريحه(9) ، وما كان مقصوده إلا الفضيحة وإظهار رائحة الرأس ، أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج ؟ أليس بإجماع المسلمين أن الخوارج والبغاة يكفنون ويصلى عليهم ويدفنون ؟ وكذا قول يزيد : لي أنْ أسبيكم لمَّا طلب الرجل فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام) ، وهذا قول لا يقنع لقائله وفاعله باللعنة ، ولو لمْ يكن في قلبه أحقاد جاهليّة ، وأضغان بدرّيّة لَاحترم الرأس لمَّا وصل إليه ، ولمْ يضربه بالقضيب ، وكفَّنه ودفنه ، وأحسن إلى آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(10) .

يزيد بن معاوية قاتل الإمام الحسين (عليه السلام)
إنّ لكلِّ حزب أنصاراً ، ولكلِّ رئيس أعوان يتبعونه ويسيرون على نهجه ، وقد سخَّر الشيطان حزباً ليزيد بن معاوية ، يسيرون على نهجه ويمدحونه ، ويذبُّون عنه كي لا يمسّ بكلمة سوء ، فأخذت ثلَّة على نفسها الدفاع عنه وتبرئة ساحته ، وكلّ بحسب طاقته وقربه من سيّده ومولاه يزيد بن معاوية ، وهؤلاء أرادوا نصرة أعداء الدين ، ومعاداة أنصاره .
قال سبط ابن الجوزي :
وقال جدِّي : وصنَّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان مَن يستحقّ اللعن ، وذكر منهم يزيد . وقال في الكتاب المذكور : الممتنع من جواز لعن يزيد إمَّا أنْ يكون غير عالم بذلك ، أو منافقاً يُريد أنْ يوهم بذلك ، وربما استفز ـ استغرـ الجهّال بقوله (صلّى الله عليه وآله) : (( المؤمن لا يكون لعَّاناً )) .
قال القاضي : وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن(11) .
ونذكر أقوال بعض مَن صرَّح بقتل يزيد بن معاوية (لعنه الله) الإمام الحسين (عليه السلام) :

قول ابن عبّاس
روى الفسوي جواب ابن عبّاس (قدّس سرّه) لكتاب يزيد بن معاوية مخاطباً له قائلاً :
... وقد قتلت حسيناً (ع) وفتيان عبد المطلب ، مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد ، مزمَّلين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مكفَّنين ولا موسَّدين ، تسفو عليهم الرياح ، وتنتابهم عرج الضباع ، حتّى أتاح الله عزَّ وجلَّ لهم بقوم لمْ يشركوا في دمائهم ، كفَّنوهم وأجنُّوهم ، وبي وبهم والله عززت ، وجلست مجلسك الذي جلست .
فما أنسى من الأشياء فلست بناسٍ إطرادك حسيناً (ع) من حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى حرم الله عزَّ وجلَّ ، وتسييرك إليه الرجال لقتله في الحرم ، فما زلت بذلك وعلى ذلك حتّى أشخصته من مكّة إلى العراق ، فخرج خائفاً يترقَّب ، فتزلزلت به خيلك عداوة منك لله عزَّ وجلَّ ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) ولأهل بيته (عليهم السلام) ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، أولئك لا كآبائك الجلاف الجفاة أكباد الحمير ، فطلب إليكم الموادعة ، وسألكم الرجعة ، فاغتنمتم قلَّة أنصاره واستئصال أهل بيته ، فتعاونتم عليه ، كأنّكم قتلتم أهل بيت من الترك(12).

قول المعتضد الخليفة العبّاسي :
فقد تكلَّم في ذمِّ بني اُميّة حتّى وصل إلى يزيد بن معاوية وذكر فيه ما ذكر ، فقال :
ثمّ من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ (عليه السلام) وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مع موقعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له ولأخيه بسيّدة شباب أهل الجنة ، اجتراء على الله وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ، ومجاهدة لعترته ، واستهانة بحرمته ، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمة ، ولا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره ، واجتثَّ أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يده ، وأعدَّ له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته . . .(13)

قول معاوية بن يزيد
ذكر اليعقوبي والدميري ، وابن حجر الهيتمي والقندوزي، واللفظ للأوّل :
فخطب معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، قائلاً . . . ثمّ ، قلَّد أبي وكان غير خليق للخير ، فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل ، وقصر عنه الأجل ، فقلَّت منعته ، وانقطعت مدَّته ، وصار في حفرته رهناً بذنبه ، وأسيراً بجرمه .
ثمّ بكى ، وقال : إنّ أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة وحرق الكعبة ، وما أنا المتقلِّد أموركم ، ولا المتحمِّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم ، فوالله ، لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظاً ، وإنْ تكن شرّاً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها(14) .

قول أحمد بن حنبل
قال محمّد رضا : وقال الإمام ابن حنبل بكفر يزيد، ونقل صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما، قال: قلت لأبي: يا أبت! أتلعن يزيد؟ فقال: يا بنيَّ! كيف لا نلعن من لعنه الله تعالى في ثلاث آيات من كتابه العزيز، في الرعد والقتال والأحزاب، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )(15) . وأيُّ قطيعة أفظع من قطيعته (صلَّّى الله عليه وآله) في ابن بنته الزهراء ؟ وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا )(16) . وأيُّ أذية له (صلّى الله عليه وآله) فوق قتل ابن بنته الزهراء؟ وقال تعالى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )(17) . وهل بعد قتل الحسين (عليه السلام) إفساد في الأرض أو قطيعة للأرحام ؟(18) .

قول الشهاب الآلوسي
قال الآلوسي بعدما ذكر المباني في اللعن :
وعلى هذا القول لا توقُّف في لعن يزيد ؛ لكثرة أوصافه الخبيثة ، وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه ، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة . فقد روى الطبراني بسند حسن : اللهمّ ، مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه (لعنة الله) والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) والطامَّة الكبرى ما فعله بأهل البيت(عليهم السلام) ، ورضاه بقتل الحسين (عليه السلام) على جدِّه و(عليه الصلاة والسلام) واستبشاره بذلك ، وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه وإنْ كانت تفاصيله آحاداً(19) .

قول ابن الجوزي
وقال المنّاوي :
قِيل لابن الجوزي ، وهو على كرسي الوعظ : كيف يُقال : يزيد قتل الحسين (عليه السلام) وهو بدمشق ، والحسين (عليه السلام) بالعراق ؟ فقال :
سهمٌ أَصَابَ وراميه بـذي سَلَـمٍ       مَنْ بالعراقِ لقد أبعدتَ مَرْمَاكا(20)

قول التفتازاني
وقال المنّاوي :
قال التفتازانيى : الحقّ أنّ رضى يزيد بقتل الحسين (عليه السلام) وإهانته أهل البيت (عليهم السلام) ممّا تواتر معناه ، وإنْ كان تفاصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقَّف في شأنه بل في إيمانه (لعنة الله عليه) وعلى أنصاره وأعوانه .
قال الزين العراقي ، وقوله : بل في إيمانه ، أي : بل لا يتوقَّف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده(21) .

قول الذهبي
قال الذهبي وكان ناصبياً ، فظاً غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين (عليه السلام) ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس ، ولمْ يبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين (عليه السلام) كأهل المدينة قاموا لله ، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ، ونافع بن الأزرق(22) .

قول الجاحظ
قال الجاحظ :
إنّ الجرائم التي ارتكبها يزيد من قتله للإمام الحسين (عليه السلام) وإخافته لأهل المدينة ، وخرابه الكعبة وأسره لبنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وضربه ثنايا الحسين (عليه السلام) بالعصا ، ألاَ تُعدُّ دليلاً على قساوته وعداوته وكرهه وحقده وعناده ونفاقه ، أمْ أنّها تدلّ على محبته وإخلاصه للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وآله عليهم السلام ؟!

ثمّ إنّه قال : وعلى أيِّ حال فهذه الأعمال مصداق لفسقه وضلاله ، فهو فاسق ملعون ، وكلُّ مَن منع من لعنه فهو ملعون(23) .
وقال أيضاً :
ثمّ الذي كان من يزيد ابنه ومن عُمَّاله وأهل نُصرته ، ثمّ غزو مكّة ، ورمي الكعبة ، واستباحة المدينة ، وقتل الحسين (عليه السلام) في أكثر أهل بيته ، مصابيح الظلام ، وأوتاد الإسلام ، بعد الذي أعطى من نفسه من تفريق أتْباعه ، والرجوع إلى داره وحرمه ، أوالذَّهاب في الأرض حتّى لا يُحسَّ به ، أو المقام حيث أمر به، فأبوا إلاّ قَتْله والنُّزول على حكمهم ، وسواء قتل نفسه بيده ، أو أسلمها إلى عدوِّه وخيَّر فيها مَن لا يبرد غليله إلاّ بُشرْب دمه(24) .

قول المناوي
قال المناوي :
ومن مجازفات بن العربي أنّه . . . ألَّف كتابًا في شأن مولانا الحسين (ع) ، وأخزى شانئه ، زعم فيه : أنّ يزيد قتله بحقٍّ بسيف جدِّه  ، نعوذ بالله من الخذلان . . .(25) .
وغير هؤلاء الكثير الكثير من صرَّحوا بقتل يزيد (لعنه الله) للإمام الحسين (عليه السلام) .
تقريبه ابن زياد لقتله الإمام الحسين (عليه السلام)

قال المسعودي :
وكان يزيد صاحب طرب وجوارح ، وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب . وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين (عليه السلام) ، فأقبل على ساقيه فقال :
اسقني شربةً تروِّي مشاشي     ثمّ مِلْ فاسقِ مِثْلَها ابنَ زيادِ
صاحبَ السرِّ والأمانةِ عندي       ولـتسديدِ مـغنمي وجهادي
ثمّ أمر المغنين فغنَّوا به(26) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص :
قلت : والذي يدلّ على هذا(27) أنّه استدعى ابن زياد إليه ، وأعطاه أموالاً كثيرة ، وتحفاً عظيمة وقرَّب مجلسه ، ورفع منزلته وأدخله على نسائه ، وجعله نديمه وسكر ليلة ، وقال للمغنّي : غَنِّ . ثمّ قال يزيد بديهيّاً :
اسقني شربةً تروِّي فؤادي      ثمّ مِلْ فاسقِ مِثْلَها ابنَ زيادِ
صاحبَ السرِّ والأمانةِ عندي      ولـتسديدِ مغنمي وجهادي
قاتِلَ الخارجيِّ أعني حسيناً      ومبيدَ الأعداءِ والحسادِ(28)

وقال الشبراوي :
قال أبو الفضل : وبعد أنْ وصل الرأس الشريف إلى دمشق ، وُضع في طست بين يدي يزيد ، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب ، ثمّ أمر بصلبه فصلب ثلاثة أيّام بدمشق . وشكر لابن زياد صنيعه ، وبالغ في إكرامه ورفعته ، حتّى صار يدخل على نسائه ، ثمّ ترك الرأس الشريف بعد صلبه في خزانة السلاح . . .(29) .

أمره بزيادة عطاء قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)
روى البلاذري ، قال :
وحدَّثني العمري ، عن الهيثم بن عدي ، عن مجالد بن سعيد قال : كتب يزيد إلى ابن زياد : أمَّا بعد ، فزدْ أهل الكوفة أهل السمع والطاعة في عطيَّاتهم مئة مئة(30) .

ما فعله في واقعة الحرّة
وصية معاوية لابنه يزيد في أهل المدينة
روى ابن عساكر والهيثمي ، واللفظ للأوّل ، قال :
أنبأنا أبو عليّ الحداد ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الله بن أحمد بن ريذة ، أنبأنا سليمان بن أحمد الطبراني ، حدَّثنا عليّ بن المبارك الصنعاني ، حدَّثنا زيد بن المبارك ، حدَّثني عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري ، أخبرني محمّد بن سعيد ـ يعني : ابن رمانة ـ(31) : أنّ معاوية لمَّا حضره الموت ، قال ليزيد بن معاوية : قد وطَّأت لك البلاد ، وفرشت لك الناس ، ولست أخاف عليك إلاّ أهل الحجاز ، فإنّ رابك منهم ريبة فوجِّه إليهم مسلم بن عقبة المرّي ؛ فإنّي قد جرَّبته غير مرّة ، فلمْ أجد له مثلاً في طاعته ونصيحته .

فلمَّا جاء يزيد بن معاوية خلاف ابن الزبير ودعاؤه إلى نفسه دعا مسلم بن عقبة المرّي ، وقد أصابه الفالج ، فقال :  إنّ أمير المؤمنين عهد إليَّ في مرضه إنْ رابني من أهل الحجاز ريب أنْ أوجِّهك إليهم ، وقد رابني ، فقال : إنّي كما ظنّ أمير المؤمنين ، اعقد لي وعبِّء الجيوش .

قال : فورد المدينة فأباحها ثلاثةً ، ثمّ دعاهم إلى بيعة يزيد على أنّهم أعبد قنٌّ في طاعة الله ومعصيته ، فأجابوه إلى ذلك إلاّ رجلاً واحداً(32) من قريش اُمّه اُم ولد ، فقال له : بايع ليزيد على أنّك عبد في طاعة الله ومعصيته . قال : لا بل في طاعة الله . فأبى أنْ يقبل ذلك منه وقتله ، فأقسمت اُمُّه قسماً لئن أمكنها الله من مسلم حيّاً أو ميّتاً أنْ تحرقه بالنار .

قال : فلمَّا خرج مسلم من المدينة اشتدَّت علَّته فمات ، فخرجت اُم القرشي بأعبدٍ لها إلى قبر مسلم ، فأمرت به أنْ يُنبش من عند رأسه ، فلمَّا وصلوا إليه إذا بثعبان قد التوى على عنقه قابضاً بأرنبة أنفه يمصُّها .

قال : فكاع القوم عنه ، وقالوا : يا مولاتنا ، انصرفي قد كفاك الله شرَّه . وأخبروها الخبر ، قالت : لا ، أوافي الله بما وعدته ، ثمّ قالت : انبشوا من عند الرجلين ، فنبشوا فإذا الثعبان لاوي ذنبه برجليه .

قال : فتنحَّت فصلت ركعتين ، ثمّ قالت : اللهمّ ، إنْ كنت تعلم أنّي إنّما غضبت على مسلم بن عقبة اليوم لك ، فخلِّ بيني وبينه .
قال : ثمّ تناولت عوداً ، فمضت في ذنب الثعبان ، فحرَّكته فانسلَّ من مؤخَّر رأسه فخرج من القبر ، ثمّ أمرت به ، فأخرج وأحرق بالنار .
قال الهيثمي : رواه الطبراني ، وفيه عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري ، ضعَّفه أبو زرعة ووثقه ابن حبّان وغيره ، وابن رمانة لمْ أعرفه(33) .
أقول : ومحمّد بن سعيد بن رمانة : ذكره ابن حبّان في الثقات(34) ، وهو من رجال البخاري أيضاً(35) .

ما ذكره الزرقاني والعاصمي من عدد جيش الشام وقتله الصحابة وفضِّه الأبكار . . . و . . . ومسح دم الافتضاض بالقرآن الكريم !
قال الزرقاني والسيوطي ، واللفظ للأوّل :
ويوم الحرَّة ـ بفتح الحاء المهملة والراء المشدّدة أرض ذات حجارة سود ، كأنّها أُحرقت بالنار بظاهر المدينة ـ كانت به الوقعة بين أهلها وبين عسكر يزيد بن معاوية، وهو سبع وعشرون ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل ، سنة ثلاث وستّين ، بسبب خلع أهل المدينة يزيد ، وولَّوا على قريش عبد الله بن مطيع ، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة ، وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان من بين أظهرهم ، فأباح مسلم بن عقبة أمير جيش يزيد المدينة ثلاثة أيّام ، يقتلون ويأخذون النهب ، ووقعوا على النساء حتّى قِيل : حملت في تلك الأيّام ألف امرأة بغير زوج ، وافتض فيها ألف عذراء ، وبلغت القتلى من وجوه الناس سبعمئة من قريش والأنصار ، ومن الموالي وغيرهم من نساء وصبيان وعبيد عشرة آلاف .
وقِيل : قُتل من القرّاء سبعمئة ، ثمّ أخذ عقبة عليهم البيعة ليزيد على أنّهم عبيده إنْ شاء عتق وإنْ شاء قتل .
وفي البخاري عن سعيد بن المسيّب : أنّ هذه الوقعة لمْ تبقَ من أصحاب الحديبيّة أحداً ، ثمّ سار إلى قتال ابن الزبير بمكّة ، فمات بقديد واستخلف على الجيش حصين بن نمير بعهد يزيد إليه(36) .

وقال العاصمي الشافعي :
وقُتل في ذلك اليوم من وجوه المهاجرين والأنصار ألف وسبعمئة رجل ، وقِيل : من أخلاط الناس عشرة آلاف ، سوى النساء والصبيان ، ونهبوا وأفسدوا ، واستحلّوا الحرم في مسجده (عليه الصلاة والسلام) ولمْ يبقَ في المسجد إلاّ سعيد بن المسيّب ، جعل نفسه ولهاناً خبلاً فتركوه ، وكان يقول : كنت أسمع عند مواقيت الصلاة همهمة من الحجرة المطهرة ، وافتضّ فيها ألف عذراء ، وإنْ مفتضَّها فعل ذلك أمام الوجه الشريف ، والتمس ما يمسح به الدم فلمْ يجد ففتح مصحفاً قريباً منه ، ثمّ أخذ من أوراقه ورقة فمسح به الدم . نعوذ بالله ما هذا ! إلاّ صريح الكفر وأنتنه(37) .

وقال سبط بن الجوزي وجدُّه ، واللفظ للأوّل ، قال :
وذكر المدائني في كتاب الحرّة عن الزهري ، قال : كان القتلى يوم الحرّة سبعمئة من وجوه الناس : قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الموالي ؛ وأمَّا مَن لمْ يُعرف من عبد أو حرّ أو امرأة فعشرة آلاف ، وخاض الناس في الدماء حتّى وصلت الدماء إلى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وامتلأت الروضة والمسجد(38) .

قال مجاهد : التجأ الناس إلى حجرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنبره والسيف يعمل فيهم ، وكانت واقعة الحرّة سنة ثلاثة وستين في ذي الحجة، فكان بينها وبين موت يزيد ثلاثة أشهر، ما أمهله الله بل أخذه أخذ القرى(39) ، وهي ظالمة ، وظهرت فيه الآثار النبويّة والإشارات المحمّديّة(40) .

وقال سبط ابن الجوزي :
وذكر أيضاً المدائني عن أبي قرّة ، قال : قال هشام بن حسّان ، ولدت ألف امرأة بعد الحرّة من غير زوج ، وغير المدائني يقول : عشرة آلاف امرأة(41) .

وقال ابن حمدون :
قال سعيد بن المسيب : مكثت ثلاثة أيّام في زمن يزيد بن معاوية أصلّي في المسجد لا يصلّي معي داع ولا مجيب ؛ إنّ أهل الشام لا يتركون أحداً بلغ الحلم إلاّ ضربوا عنقه(42) .

بيعة أهل المدينة على أنّهم خول وعبيد ليزيد بن معاوية
روى ذلك كثير من المؤرخين ، منهم : ابن قتيبة الدينوري وخليفة بن الخياط وابن عساكر وابن أبي الحديد وغيرهم(43) .
وفي تاريخ اليعقوبي ، قال :

فلمَّا انتهى الخبر إلى يزيد بن معاوية وجَّه إلى مسلم بن عقبة ، فأقدمه من فلسطين ، وهو مريض فأدخله منزله ، ثمّ قصَّ عليه القصّة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، وجِّهني إليهم فوالله ، لأدعنَّ أسفلها أعلاها ـ يعني : مدينة الرسول (ص) ـ فوجَّهه في خمسة آلاف إلى المدينة ، فأوقع بأهلها وقعة الحرّة ، فقاتله أهل المدينة قتالاً شديداً وخندقوا على المدينة ، فرام ناحية من نواحي الخندق فتعذَّر ذلك عليه ، فخدع مروان بعضهم فدخل ومعه مئة فارس ، فأتبعه الخيل حتّى دخلت المدينة ، فلمْ يبقَ بها كثير أحد إلاّ قُتل . وأباح حرم رسول الله (ص) ، حتّى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهنَّ ، ثمّ أخذ الناس على أنْ يبايعوا على أنّهم عبيد يزيد بن معاوية ، فكان الرجل من قريش يُؤتى به فيُقال : بايع آية أنّك عبد قن ليزيد ، فيقول : لا ، فيُضرب عنقه .

فأتاه عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، فقال : علامَ يُريد يزيد أنْ أبايعك ؟ قال : على أنّك أخ وابن عمٍّ . فقال : وإنْ أردت أنْ أبايعك على أنّي عبد قن فعلت . فقال : ما أحشمك هذا . فلمَّا أنْ رأى الناس إجابة عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، قالوا : هذا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بايعه على ما يريد ، فبايعوه على ما أراد ، وكان ذلك سنة 62هـ (44) .

وما أوردناه هنا من أحداث واقعة الحرّة يسير جدّاً ، فليراجع من بغيته المزيد كتاب مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من موروث أهل الخلاف .

كفر يزيد بن معاوية
ولا يشكّ في كفره إلاّ مَن تعصَّب للباطل ، أو غلب على عقله الضلال ، إذ يزيد بن معاوية نفسه قد أقرَّ بالارتداد فضلاً عمَّن قال بكفره . فقد روى ابن عبد ربّه الأندلسي :
وأمر مسلم بن عقبة بقتل معقل بن سنان الأشجَعي صبراً ، ومحمّد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي صبراً . وكان جميعُ مَن قُتل يوم الحرّة من قريش والأنصار ثلاثمئة رجلٍ وستّة رجالٍ ، ومن الموالي وغيرهم أضعاف هؤلاء . وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد ، فلمَّا أُلقيت بين يديه جَعل يتمثَّل بقول ابن الزَّبعرى يوم أحد :
ليـت أشـياخِي ببدرٍ شَهِدُوا     جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ
لأهـلّـوا واسـتهلُّوا فـرحا     ولـقالوا لـيزيدٍ : لا تشَلْ

فقال له رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ارتددتَ عن الإسلام يا أمير المؤمنين ؟! قال : بلى ، نَستغفر الله . قال : والله ، لا ساكنتُك أرضاً أبداً . وخرج عنه(45) .

وأمَّا من قال بكفره ، فكثير . قال عبد الحيّ الدمشقي :
وقال اليافعي : وأمَّا حكم مَن قتل الحسين (عليه السلام) ، أو أمر بقتله ممّن استحلّ ذلك ، فهو كافر ، وإنْ لمْ يستحلَّ ففاسق فاجر ، والله أعلم(46) .
وقال ابن الدمشقي :
وقال ابن القفطي في تاريخه : إنّ السبي لمَّا ورد على يزيد بن معاوية خرج لتلقِّيه ، فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسن والحسين (عليهم السلام) ، والرؤوس على أسنَّة الرماح ، وقد أشرفوا على ثنيّة العقاب ، فلمَّا رآهم أنشد :
لـمَّا بدت تلك الحمولُ وأشرقت      تلك الرؤوسُ على رُبَا جَيْرُونِ
نعب الغرابُ فقلتُ قل أو لا تقل     فقد اقتضيتُ من الرسولِ ديوني
يعني بذلك أنّه قتل الحسين (عليه السلام) بمَن قتله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر مثل عتبة جدِّه ومَن مضى من أسلافه ! وقائل مثل هذا القول بريء من الإسلام ، ولا يُشكّ في كفره (47) .

وقال أيضاً :
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل    فقـد اقتضيت من الرسول ديوني
فقال له رجل من الصحابة : ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين ، قال : بل نستغفر الله !
وقرع ثغره الشريف بالقضيب وهو الحبيب وابن الحبيب [ و ] سبط الحبيب ، وكلّ هذا ممّا يدل على صريح الكفر [أو الكفر] الصريح والمذهب(48) القبيح، والقيامة تجمعهم، وإلى الله مرجعهم، ففضَّ الله فاه بما نطق وفاه (49) .

وقال المناوي :
قال المولى بن الكمال : والحقُّ أنّ لعن يزيد على اشتهار كفره ، وتواتر فظاعته وشرِّه على ما عُرف بتفاصيله جائز(50) .
وقال سبط ابن الجوزي :
قال ابن عقيل : وممّا يدلُّ على كفره وزندقته ـ فضلاً عن سبِّه ولعنه ـ أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد ، فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها :
عُـلَـيَّةُ هاتي واعلني وترنَّمِيii    iiبـذلـك إنـي لا أُحِبُّ التناجيا
حـديثُ iiأبي سفيانَ قِدْمَاً سما بها     iiإلـى أُحُـدٍ حـتّى أقام البواكيا
ألا هاتِ فاسقيني على ذاك قهوةً ii      تـخـيَّرها iiالـعنسيُّ كرْماً شآميا
وإن  iiمتُّ يا أُمَّ الأحيمرِ فانكحي       ولا iiتـأمـلـي بَعْدَ الفراقِ تلاقيا
فـإن الذي حُدِّثْتِ عن يومِ بَعْثِناii       أحاديثُ طسمٍ تجعلُ القلبَ ساهيا
ولابـدَّ  iiلي من أن أزورَ محمّداً        بمشمولةٍ  صفراءَ تَرْوِي عظاميا
قلت ، ومنها :
ولو لم يمسَّ الأرضَ فاضلُ بُرْدِها     لما كـان عندي مسحةٌ في التيمُّمِ
ومنها : لما بدت تلك الحمول وأشرقت . . . ، وقد ذكرناها وهي قوله :
لـمَّا بدت تلك الحمولُ وأشرقتْ      تـلك الشموسُ على رُبَى جيرونِ
نَعَبَ الغرابُ فقلتُ: نُحْ أو لا تَنُحْ       فلقد قضيتُ من الغريمِ ديوني(51)
ومنها قوله :
مـعشرَ الـندمانِ قوموا      واسمعوا صَوْتَ الأغاني
واشـربوا كـأسَ مُدَامٍ       واتـركوا ذِكْرَ المعاني
شـغلتني نغمةُ العيدان      عــن صـوتِ الأذانِ
وتعوَّضْتُ عن الحـورِ    خمـوراً فـي الدِّنَانِ
إلى غير ذلك ممّا نقلته من ديوانه ؛ ولهذا تطرَّق إلى هذه الاُمّة العار بولايته عليها ، حتّى قال أبو العلاء المعرّي (قدّس سرّه) يشير بالشنار إليها :
أرى الأيـامَ تفعلُ كلّ نُكْرٍ       فما أنا في العَجَائِبِ مستزيدُ
ألـيس قريشُكم قتلت حسيناً      وكان على خلافتِكُمْ يزيدُ(52)
وقال ابن كثير :
قال أبو مخنف ، فحدَّثني أبو جعفر العبسي ، قال : وقام يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم ، فقال :
لَـهَامٌ بـجَنْبِ الـطفِّ أدنى قرابةً      من ابن زيادِ العبدِ في الحَسَبِ الوَغلِِ
سـميةُ أضـحى نسلُها عَدَدَ الحصى      وليس لآلِ المصطفى اليومَ من نَسْلِ
قال : فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم ، وقال له : اسكت .
وقال محمّد بن حميد الرازي ، وهو شيعي(53) : حدَّثنا محمّد بن يحيى الأحمري ، حدَّثنا ليث ، عن مجاهد قال : لمَّا جِيء برأس الحسين (عليه السلام) فوضع بين يدي يزيد ، تمثَّل بهذه الأبيات :
لـيت أشـياخِي ببدرٍ شَهِدُوا      جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ
فـأهـلّوا واسـتهلُّوا فـرحاً         ثمّ قـالوا لي هنيّاً لا تسلْ
حـين حـكَّت بـفناءٍ بركها      واستحرَّ القتلُ في عبدِ الأسلْ
قد قتلنا الضِّعفَ من أشرافِكم      وعـدلنا مَـيْلَ بـدرٍ فاعتدل
قال مجاهد : نافق فيها ، والله ثمّ والله ، ما بقي في جيشه أحد إلاّ تركه ، أي : ذمَّه وعابه(54) .
وقال سبط ابن الجوزي :
وقال الشعبي : وزاد فيها يزيد ، فقال :
لـعبت هـاشمُ بـالملكِ فلا      خـبرٌ جـاء ولا وحيٌ نزل
لستُ من خندفَ إن لم أَنتقم       من بني أحمدَ ما كان فعل(55)
وذكر ابن كثير بعد الدفاع عن إمامه يزيد بن معاوية هذا القول :
وأمَّا ما يوردونه عنه من الشعر في ذلك ، واستشهاده بشعر ابن الزبعرى في وقعة أحد التي يقول فيها :
لـيت أشـياخِي ببدرٍ شَهِدُوا     جَزَع الخَزْرج من وَقْع الأسَلْ
حـين حـلَّت بـفناهم بركها      واستحرَّ القتلُ في عبدِ الأشلْ
قد قتلنا الضِّعفَ من أشرافِكم      وعـدلنا مَـيْلَ بـدرٍ فاعتدل
وقد زاد بعض الروافض فيها ، فقال :
لعبت هاشمُ بالملكِ فــــلا        مَلَـكٌ جـاء ولا وحـيٌ نزل
فهذا إنْ قاله يزيد بن معاوية ، فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين ، وإنْ لمْ يكن قاله فلعنة الله على مَن وضعه عليه ليشنِّع به عليه . وسيُذكر في ترجمة يزيد بن معاوية قريباً ، وما ذكر عنه وما قِيل فيه وما كان يُعانيه من الأفعال والقبائح والأقوال في السنة الآتية ؛ فإنّه لمْ يمهل بعد وقعة الحرّة وقتل الحسين (عليه السلام) إلاّ يسيراً حتّى قصمه الله الذي قصم الجبابرة قبله وبعده ، إنّه كان عليماً قديراً .

وقد توفّي في هذه السنة خلق من المشاهير والأعيان من الصحابة وغيرهم في وقعة الحرّة ممّا يطول ذكرهم(56) .

وهذا عجيب من ابن كثير، حيث صرَّح هنا بكلّ قوة بلعن يزيد على فرض أنّه قال هذا البيت، ولعلّ ذلك في اعتقاده من التعليق على المحال ، بل هو كذلك. وسيأتيك ثناؤه على يزيد بن معاوية ، بل نقل أنّه من الطبقة العليا التالية للصحابة ، فيكون لعنه متوجِّهاً للشيعة على حسب دعواه ، مع أنّ جزم علمائهم كما تقدّم ، والطبري بقوله : هذا البيت وما تقدَّم عن حاضنة يزيد ، يدحضُ قوله وأقوال من هم على شاكلته(57) الذين أخذوا على أنفسهم نصرة أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بكلّ السبل الباطلة ؛ وذلك ـ والعياذ بالله ـ لمَا يرونه من جميل نصرة أعداء أهل الوحي والرسالة (عليهم السلام) ، فإنّه إذا كان يزيد بن معاوية من الجبابرة الذين يفعلون القبائح ويهتكون المحرَّمات ، ويعبثون بالمقدَّسات ، ويفعلون ما فعلوه بأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، ويقتلون الصحابة والتابعين والقرَّاء ، ويهتكون حرمة المدينة المنورة ويُبيحونها ثلاثة أيّام و... و... و... ، فلماذا يلعن ابن كثير الشيعة على فرض أنّ يزيد بن معاوية لمْ يقل هذا البيت من الشعر ؟ هب أنّه لمْ يقله ، فهل هذا يضرُّ بالإسلام أو بعقيدة أهل الخلاف شيئاً ، حتّى يلزم لعن الشيعة ؟ ولكن ماهذا إلاّ لإقرار ابن كثير بإمامته ، فهذا الذي يدعوه للدفاع المستميت .
وعلى كلّ حال هنيئاً له ولأمثاله بإمام كيزيد بن معاوية ومَن هو على شاكلته ، وحشرهم الله معه !

لعن علماء أهل الخلاف يزيد بن معاوية وفتوى جمع من المحقّقين بجواز لعنه
قال المناوي :
وقد أطلق جمعٌ محققون حلَّ لعن يزيد به ، حتّى قال التفتازاني : الحقُّ أنْ رضى يزيد بقتل الحسين (عليه السلام) ، وإهانته أهل البيت (عليهم السلام) ممّا تواتر معناه ، وإنْ كان تفاصيله آحاداً ، فنحن لا نتوقَّف في شأنه ، بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه .
قال الزين العراقي ، وقوله : بل في إيمانه ، أي : بل لا يتوقّف في عدم إيمانه بقرينة ما قبله وما بعده(58) .

فتوى المولى ابن الكمال بجواز لعنه
وقال المناوي :
قال المولى ابن الكمال : والحقُّ أنّ لعن يزيد على اشتهار كفره ، وتواتر فظاعته وشرِّه على ما عُرف بتفاصيله جائز(59) .
الكيا الهراسي الفقيه الشافعي
وقال الفقيه الشافعي الكيا الهراسي في يزيد : إنّه لمْ يكن من الصحابة ؛ لأنّه ولد في أيّام عمر بن الخطاب .
وأمَّا قول السلف ففيه لأحمد قولان : تلويح وتصريح ، ولمالِك قولان : تلويح

وتصريح . ولأبي حنيفة قولان: تلويح وتصريح . ولنا قول واحد: التصريح دون التلويح. وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد، والمتصيِّد بالفهود، ومدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم ، ومنه قوله :
أقولُ لصحبٍ ضمَّت الكأسُ شملَهم     وداعـي صـباباتِ الهوى يترنَّمُ
خـذوا بـنصيبٍ مـن نعيمٍ ولذَّةٍ     فـكلٌّ وإن طـال المدى يتصرَّمُ
ولا تـتركوا يومَ السرورِ إلى غدٍ       فربَّ غدٍ يأتي بما ليس يُعْلَمُ(60)

جواز لعنه من أحمد بن حنبل والردّ على من منع
قال سبط ابن الجوزي :
ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنّه قال : قد كان من معاوية هنات لو لقي أهل الأرض الله ببعضها لكفاهم : وثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادِّعاؤه زياداً ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، وتوليته مثل يزيد على الناس .
قال ، وقد كان معاوية يقول : لولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي(61) .
وذكر جدي أبو الفرج في كتاب : الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد(62) . وقال ، سألني سائل فقال : ما تقول في يزيد بن معاوية ؟ فقلت له :
يكفيه ما به . فقال : أتجوِّز لعنه ؟ فقلت : قد أجاز العلماء الورعون لعنه ، منهم : أحمد بن حنبل ، فإنّه ذكر في حقِّ يزيد ما يزيد على اللعنة .
قال جدِّي : وأخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي البزاز ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أنبأنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن الخلال ، حدَّثنا محمّد بن عليّ ، عن منهال بن يحيى قال : سألت أحمد بن حنبل عن يزيد ابن معاوية ، فقال : هو الذي فعل ما فعل . قلت : ما فعل ؟ قال : نهب المدينة . قلت : فنذكر عنه الحديث ؟ قال : لا ، ولا كرامة ، لا ينبغي لأحد أنْ يكتب عنه الحديث .

وحكى جدّي أبو الفرج ، عن القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول ، بإسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال ، قلت لأبي : إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد ؟ فقال : يا بني ، وهل يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ فقلت : فلِمَ لا تلعنه ؟ فقال : وما رأيتني لعنت شيئاً ، يا بني ، لِمَ لا تلعن مَن لعنه الله في كتابه ؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟ فقال : في قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )(63) . فهل يكون فساد أعظم من القتل ؟
وفي رواية ، سأله صالح فقال : يا بني ، ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه وذكره ؟

وقال جدِّي : وصنَّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه بيان مَن يستحقّ اللعن ، وذكر منهم يزيد . وقال في الكتاب المذكور : الممتنع من جواز لعن يزيد ؛ إمَّا أنْ يكون غير عالم بذلك ، أو منافقاً يُريد أنْ يُوهم بذلك ، وربما استفزّ ـ استغرـ الجهّال بقوله (صلّى الله عليه وآله): (( المؤمن لا يكون لعَّاناً )) .

قال القاضي : وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن .
فإنْ قِيل ، فقوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ )(64) نزلت في منافقي اليهود .
فقد أجاب جدِّي عن هذا في الردّ على المتعصب ، وقال : الجواب أنّ الذي نقل هذا مقاتل بن سليمان ذكره في تفسيره . وقد أجمع عامّة المحدِّثين على كذبه ، كالبخاري ووكيع ، والساجي والسدي والرازي والنسائي وغيرهم ، وقال : فسَّرها أحمد بأنّها في المسلمين ، فكيف يُقبل قول أحمد أنّها نزلت في المنافقين ؟
فإنْ قِيل : فقد قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : أوَّل جيش يغزو القسطنطينية مغفور له ، ويزيد أوَّل مَن غزاها .
قلنا : فقد قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله) : (( لعن الله مَن أخاف مدينتي ! )) . والآخر ينسخ الأوّل(65) .

لعن ابن الزبير
قال مطهر بن طاهر المقدسي المتوفَّى سنة 507 هـ : وأمَّا عبد الله بن الزبير فامتنع بمكّة ولاذ بالكعبة ، ودعا الناس إلى الشورى وجعل يلعن يزيد ، وسمَّاه الفاسق المتكبِّر ، وقال : لا يرضى الله بعهد معاوية إلى يزيد !(66)

قول ابن الزبير : يزيد الفاجر ابن الفاجر ! ولعن . . .
قال سبط ابن الجوزي :
وقال عامر الشعبي : لمَّا بلغ عبد الله بن الزبير قتل الحسين (عليه السلام) خطب بمكّة وقال : ألاَ إنّ أهل العراق قوم غدر وفجر ، ألاَ وإنّ أهل الكوفة شرارهم ، إنّهم دعوا الحسين (عليه السلام) ليولُّوه عليهم ليُقيم أمورهم ، وينصرهم على عدوِّهم ويعيد معالم الإسلام ، فلمَّا قدم عليهم ثاروا عليه ليقتلوه ، وقالوا له : إنْ لمْ تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد الملعون ! فيرى فيك رأيه ، فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة .
فرحم الله حسيناً (ع) وأخزى قاتله ، ولعن مَن أمره بذلك ورضي به ، أفبعد ما جرى على أبي عبد الله (ع) يطمئن أحد إلى هؤلاء ، أو يقبل عهود الفجرة الغدرة ؟
أمَا والله ، لقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل ، وأولى بينهم من الفاجر ابن الفاجر ! والله ، ما كان يستبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الخمور ، ولا بقيام الليل الزمور ، ولا بمجالس الذكر الركض في طلب الصيود واللعب بالقرود ، قتلوه فسوف يلقون غيّاً ، ألاَ لعنة الله على الظالمين ، ثمّ نزل(67) .

لعن القاضي أبي الحسن
قال أبو الفرج ابن الجوزي :
وصنَّف القاضي أبو حسن محمّد بن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء كتاباً ، فيه بيان مَن يستحقّ اللعن وذكر فيهم يزيد ، وقال : الممتنع من ذلك ؛ إمَّا أنْ يكون غير عالم بجواز ذلك ، أو منافقاً يُريد أنْ يُوهم بذلك ، وربما استفزّ الجهّال بقوله (ص) : المؤمن لا يكون لعّاناً .
قال القاضي أبو الحسن : وهذا محمول على مَن لا يستحقّ اللعن .
نقلت هذا من خط القاضي أبي الحسن وتصنيفه(68) .

لعن الحافظ الشيرازي ليزيد و بني اُميّة كلّهم
قال السمعاني :
وقال عبد العزيز النخشبي : أبو القاسم الحافظ الشيرازي كان يحفظ الغرائب ، حسن الفهم حسن المعرفة ، غير أنّه يلعن يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان وبني اُميّة كلَّهم ، وجرت بيني وبينه مناظرة في ذلك(69) .
لعن الآلوسي وجلال الدين السيوطي ، وابن الجوزي وأبي يعلى وغيرهم ، وفيه مَن يمنع . . . ويُبرئ يزيد
قال الشهاب الآلوسي :
في تفسير قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )(70) . قال : واسُتدلّ بها أيضاً على جواز لعن يزيد عليه من الله تعالى ما يستحقّ !
نقل البرزنجي في الإشاعة والهيثمي في الصواعق : أنّ الإمام أحمد لمَّا سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد ، قال : كيف لا يُلعن مَن لعنه الله تعالى في كتابه ؟
فقال عبد الله : قد قرأت كتاب الله عزَّ وجلَّ ، فلمْ أجد فيه لعن يزيد . فقال الإمام : إنّ الله تعالى يقول : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأرض وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ...)(71) الآية . وأيُّ فساد وقطيعة أشدُّ ممّا فعله يزيد ؟ انتهى .

ثم أخذ في ذكر الأقوال والمباني في اللعن ، ثمّ قال :
وعلى هذا القول لا توقُّف في لعن يزيد ؛ لكثرة أوصافه الخبيثة ، وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه ، ويكفي ما فعله أيّام استيلائه بأهل المدينة ومكّة . فقد روى الطبراني بسند حسن : (( اللهمّ ، مَن ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يُقبل منه صرف ولا عدل )) . والطامَّة الكبرى ما فعله بأهل البيت (عليهم السلام) ، ورضاه بقتل الحسين (على جدِّه وعليه الصلاة والسلام) واستبشاره بذلك وإهانته لأهل بيته ممّا تواتر معناه ، وإنْ كانت تفاصيله آحاداً .

وفي الحديث : (( ستّة لعنتهم )) . وفي رواية : (( لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب الدعوة : المحرّف لكتاب الله )) . وفي رواية : (( الزائد في كتاب الله ، والمكذِّب بقدر الله ، والمتسلّط بالجبروت ليعزَّ مَن أذلَّ الله ، ويذلَّ مَن أعزَّ الله ، والمستحلّ من عترتي ، والتارك لسنّتي )) .
وقد جزم بكفره وصرَّح بلعنه جماعة من العلماء ، منهم : الحافظ ناصر السنَّة ابن الجوزي ، وسبقه القاضي أبو يعلى . وقال العلامة التفتازاني : لا نتوقَّف في شأنه ، بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه . وممّن صرَّح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة .
وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات : أنّ السبي لمَّا ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرّيّة عليّ والحسين (عليهما السلام) ، والرؤوس على أطراف الرماح ، وقد أشرفوا على ثنية جيرون ، فلمَّا رآهم نعب غراب ، فأنشأ يقول :
لـمّا بـدت تلك الحمولُ وأشرفت       تـلك الـرؤوسُ على شفا جَيْرونِ
نـعب الغرابُ فقلتُ قل أو لا تَقُلْ       فَقَدِ اقتضيتُ من الرسولِ ديوني(72)

يعني أنّه قُتل بمَن قتله رسول الله (صلَّّى الله عليه وآله) ، يوم بدر كجدِّه عتبة وخاله ولد عتبة وغيرهما ، وهذا كفر صريح ، فإذا صحَّ عنه فقد كفر به . ومثله
تمثُّله بقول عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه :
ليت أشياخي . . . الأبيات .

قال ابن الجوزي (عليه الرحمة) في كتابه السرّ المصون : من الاعتقادات العامّة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنّة أنْ يقولوا : إنّ يزيد كان على الصواب وإنّ الحسين (ع) عنه أخطأ في الخروج عليه ، ولو نظروا في السير لعلموا كيف عُقدت له البيعة وأُلزم الناس بها ، ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح ؟ ثمّ لو قدَّرنا صحَّة عقد البيعة ، فقد بدت منه بوادٍ كلُّها توجب فسخ العقد ، ولا يميل إلى ذلك إلاّ كلّ جاهل عاميِّ المذهب يظنّ أنّه يغيظ بذلك الرافضة .

هذا ويُعلم من جميع ما ذكره اختلاف الناس في أمره ، فمنهم مَن يقول : هو مسلم عاصٍ بما صدر منه مع العترة الطاهرة لكن لا يجوز لعنه . ومنهم مَن يقول : هو كذلك ، ويجوز لعنه مع الكراهة أو بدونها . ومنهم مَن يقول : هو كافر ملعون . ومنهم مَن يقول : إنّه لمْ يعصِ بذلك ولا يجوز لعنه ، وقائل هذا ينبغي أنْ ينظمّ في سلسلة أنصار يزيد .

وأنا أقول : الذي يغلب على ظنّي أنّ الخبيث لمْ يكن مصدِّقاً برسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّ مجموع ما فعل مع أهل حرم الله تعالى وأهل حرم نبيّه (ص) وعترته الطيّبين الطاهرين في الحياة وبعد الممات ، وما صدر منه من المخازي ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشريف في قذر ، ولا أظنّ أنّ أمره كان خافياً على أجلَّة المسلمين إذ ذاك ، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لمْ يسعهم إلاّ الصبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .

ولو سلِّم أنّ الخبيث كان مسلماً ، فهو مسلم جمع من الكبائر ما لا يحيط به نطاق البيان .

وأنا أذهب إلى جواز لعن مثله على التعيين ، ولو لمْ يتصوَّر أنْ يكون له مثل من الفاسقين ، والظاهر أنّه لمْ يتب ، واحتمال توبته أضعف من إيمانه . ويلحق به ابن زياد وابن سعد ، وجماعة فلعنة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين ، وعلى أنصارهم وأعوانهم وشيعتهم ومن مال إليهم إلى يوم الدين ، ما دمعت عين على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) .

ويعجبني قول شاعر العصر ذو الفضل الجلي عبد الباقي أفندي العمري الموصلي ، وقد سئل عن لعن يزيد اللعين :
يزيد على لعني عريض جنابه      فأغدو به طول المدى ألعن اللعنا
ومَن كان يخشى القال والقِيل من التصريح بلعن ذلك الضليل ، فليقل : لعن الله عزَّ وجلَّ مَن رضي بقتل الحسين (عليه السلام) ومَن آذى عترة النبيّ (صلَّّى الله عليه وآله) بغير حقّ ومَن غصبهم حقَّهم ؛ فإنّه يكون لاعناً له لدخوله تحت العموم دخولاً أوَّليّاً في نفس الأمر ، ولا يخالف أحد في جواز اللعن بهذه الألفاظ ، ونحوها سوى بن العربي المارِّ ذكره وموافقيه ، فإنّهم على ظاهر ما نُقل عنهم لا يجوِّزون لعن مَن رضي بقتل الحسين (ع) ، وذلك لعمري هو الضلال البعيد الذي يكاد يزيد على ضلال يزيد(74) .

وقال السيوطي :
فقُتل ـ يعني : الحسين (عليه السلام) ـ وجِيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد ، لعن الله قاتله وابن زياد ويزيد أيضاً(75) .

لعن العلامة التفتازاني
قال عبد الحيّ الدمشقي :
وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفيّة : اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسين (عليه السلام)، أو أمر به أو أجازه أو رضي به ، قال : والحقُّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين (عليه السلام) واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ممّا تواتر معناه، وإنْ كان تفصيله آحاداً . قال : فنحن لا نتوقَّف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه(76) .

لعن الجاحظ ليزيد ولعن كلّ من منع لعنه
قال الجاحظ :
إنّ الجرائم التي ارتكبها يزيد من قتله للإمام الحسين (عليه السلام) ، وإخافته لأهل المدينة وخرابه الكعبة ، وأسره لبنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وضربه ثنايا الحسين (عليه السلام) بالعصا ، ألاَ تُعدُّ دليلاً على قساوته وعداوته وكرهه وحقده وعناده ونفاقه ، أم أنّها تدلّ على محبته وإخلاصه للنبيّ وآله (عليهم السلام)؟!
ثمّ إنّه قال : وعلى أيِّ حال فهذه الأعمال مصداق لفسقه وضلاله ، فهو فاسق ملعون ، وكلّ مَن منع من لعنه فهو ملعون(77) .

لعن ابن الدمشقي ليزيد وتكفيره
قال ابن الدمشقي :
ثمّ أذكر على طريق الاختصار قتل سيدنا الحسين (عليه السلام) ، وتجريعهم له كؤوس الحين ، وما عامله آل أبي سفيان لأهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من القتل والأسر والهوان ، ممّا تقشعرُّ منه الأبدان ، وما لا يستحلُّه من تديَّن بدين من الأديان ، وما قال به يزيد بن معاوية (عليه اللعنة) عند وضع رأسه الشريف بين يديه حين قدم به عليه(78) .

رأي معاوية بن يزيد في أبيه يزيد بن معاوية ، وما فعله الاُمويّون بمعلِّمه
ذكر اليعقوبي والدميري ، وابن حجر الهيتمي والقندوزي ، واللفظ للأول :
فخطب الناس فقال : أمَّا بعد حمد الله والثناء عليه ، أيُّها الناس ، فإنّا بُلينا بكم وبُليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا ، ألاَ وإنّ جدّي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر مَن كان أولى به منه في القرابة برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأحقّ في الإسلام ، سابق المسلمين ، وأوّل المؤمنين ، وابن عمِّ رسول ربِّ العالمين (عص) ، وأبا بقيّة خاتم المرسلين (صلّى الله عليه وآله) ، فركب منكم ما تعلمون ، وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتّى أتته منيته وصار رهناً بعمله ، ثمّ قلَّد أبي وكان غير خليق للخير ، فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل ، وقصر عنه الأجل ، فقلّت منعته ، وانقطعت مدَّته ، وصار في حفرته رهناً بذنبه ، وأسيراً بجرمه ، ثمّ بكى وقال : إنّ أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأباح الحرمة ، وحرق الكعبة ، وما أنا المتقلِّد أموركم ، ولا المتحمِّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم ، فوالله لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظّاً ، وإنْ تكن شرّاً فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها(79) .
ثمّ قال : فشأنكم أمركم فخذوه ، ومَن رضيتم فولُّوه ، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم ، والسلام .

ولمَّا نزل من على المنبر وبَّخه أقاربه ، وقالت له اُمُّه : ليتك كنت حيضة ولمْ أسمع بخبرك . فقال : وددت والله ذلك .
وقال الاُمويّون لمعلِّمه ومؤدِّبه عمر المقصوص : أنت علَّمته حبَّ عليّ وأولاده ، وأخذوه فدفنوه حيّاً ، ثمّ دسُّوا السمَّ لمعاوية فمات(80) .
وقال العاصمي الشافعي :
وبويع من بعده ابنه معاوية فمكث ثلاثة أشهر ، ثمّ خطب الناس وقال : إنّي ضعيف عن أمركم ، وطلبت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر ، فلمْ أجده ، فطلبت ستّة مثل أهل الشورى فلمْ أجدهم ، فأنتم أولى بأمركم اختاروا له . ودخل منزله فمات ، يُقال : مسموماً . وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهلك ليومه بالطاعون . وقِيل : إنّ معاوية بن يزيد أوصى الضحّاك بن قيس أنْ يصلّي بالناس حتّى تجتمع الناس على إمام .

وقال العلامة السبكي :
إنّ معاوية بن يزيد لمَّا خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلاً ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء ، ثمّ ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بأحسن ما يُذكر به ، ثمّ قال : أيُّها الناس ، ما أنا بالراغب في الائتمار عليكم لعظيم ما أكرهه منكم ، وإنّي أعلم أنّكم تكرهونا أيضاً ؛ لأنّا بُلينا بكم وبُليتم بنا ، ألاَ إنّ جدِّي معاوية نازع هذا الأمر مَن كان أولى به منه ومن غيره ، لقرابته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعظيم فضله وسابقته ؛ أعظم المهاجرين قدراً ، وأشجعهم قلباً ، وأكثرهم علماً ، وأوَّلهم إيماناً ، وأشرفهم منزلة ، وأقدمهم صحبة ، ابنُ عمِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصهره وأخوه ، زوَّجه ابنته (عليها السلام) وجعله لها بعلاً باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له ، أبو سبطيه سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأفضل هذه الاُمّة ، تربية الرسول (ص) ، وأبناء فاطمة البتول (عليها السلام) حتّى انتظمت لجدِّي معاوية الأمور ، فلمَّا جاءه القدر المحتوم ، واخترمته أيدي المنون بقي مرتهناً بعمله ، فريداً في قبره ، ووجد ما قدَّمت يداه ، فرأى ما ارتكبه واعتراه .

ثمّ انتقلت الخلافة في أبي يزيد ، فتقلَّد أمركم لهوى كان أبوه هويه فيه . ولقد كان أبي يزيد ـ بسوء فعله وإسرافه على نفسه ـ غير خليق بالخلافة على اُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، فركب هواه ، واستحسن خطاه ، وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله تعالى ، وبغيه على من استحلّ حرمته من أولاد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقلَّتْ مدَّته وانقطع أثره ، وضاجع عمله وصار حليف حفرته ، رهين خطيئته ، وبقيت أوزاره وتبعاته ، فهل عُوقب بإساءته وجُوزي بعمله ؟! وذلك ظنّي .

ثمّ خنقته العبرة فبكى طويلاً وعلا نحيبه وحمد الله ، ثمّ قال : وصرت أنا ثالث القوم والساخط عليَّ أكثر من الرضيّ ، وما كنت لأتحمَّل آثامكم ، ولا يراني الله - جلَّتْ قدرته - متقلِّداً أوزاركم ، وألقاه بتبعاتكم ، فشأنكم وأمركم فخذوه ، ومن رضيتم به عليكم فولُّوه ، فلقد خلعت بيعتي من أعناقكم ، والسلام .

فقال مروان بن الحكم ـ وكان تحت المنبر ـ : أسنَّة عمريّة يا أبا ليلى . فقال : اغدُ عنِّي ، أعن ديني يخدعوني ؟ فوالله ، ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرَّع مرارتها ، ائتني برجال مثل رجال عمر ، على أنّه كان - حين جعلها شورى وصرفها عمَّن لا شكَّ في عدالته - ظلوماً ، والله ، لئن كانت الخلافة مغنماً ، لقد نال أبي معها مغرماً ومأثماً ، ولئن كانت شرّاً فحسبه منها ما أصابه .

ثمّ نزل ، فدخل عليه أقاربه واُمُّه فوجدوه يبكي ، فقالت له أُمُّه : ليتك كنت حيضة ولمْ أسمع بخبرك ! فقال : وددت والله ذلك . ثمّ قال : ويلي إنْ لمْ يرحمني ربّي !

ثمّ إنّ بني اُميّة قالوا لمؤدِّبه القصوص : أنت علَّمته هذا ولقَّنته إيّاه ، وصددته عن الخلافة وزيَّنت له حبَّ عليٍّ (ع) وأولاده (عليهم السلام) وحملته على ما وسمنا به من الظلم ،وحسَّنت له البدع حتّى نطق بما نطق ، وقال ما قال .

فقال : والله ما فعلته ، ولكنّه مجبول ومطبوع على حبِّ عليٍّ (ع) وأولاده (عليهم السلام) فلمْ يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتّى مات رحمه الله(81) .

أقول : أكان أنصار يزيد بن معاوية ـ مثل ابن تيميّة وابن العربي والغزالي ومحبّ الدين الخطيب ، ممّن أولعوا حبّاً لأعداء أهل بيت النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) ـ أحرص من معاوية بن يزيد على أبيه حتّى أخذوا يدافعون عنه بهذه الصلابة !! حتّى وصل الأمر ببعضهم أنْ عاب خروج الإمام الحسين (عليه السلام) على مَن هتك حرمات الدين ، وعاث فساداً في مقدَّسات المسلمين(*) .

عمر بن عبد العزيز يعزر من أطلق إمرة المؤمنين على يزيد بن معاوية
ذكره ابن حجر والذهبي وصاحب النجوم الزاهرة والقندوزي ، واللفظ للأوّل ، قال :
وقال يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية أحد الثقات ، حدَّثنا نوفل بن أبي عقرب ثقة ، قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال ، قال أمير المؤمنين يزيد ، فقال عمر ، تقول : أمير المؤمنين يزيد وأمر به فضرب عشرين سوطاً(82) .

فقهاء يفتون بتعزير فقيه ـ على طبق عمل عمر بن عبد العزيز ـ لمدحه اللعين يزيد بن معاوية
قال صاحب النجوم الزاهرة :
فيها توفّي أحمد بن إسماعيل بن يوسف ، الشيخ الإمام أبو الخير القزويني الشافعي . كان إماماً عالماً بالتفسير والفقه . وكان متعبِّداً يختم القرآن في كلّ يوم وليلة ، ومولده بقزوين في سنة اثنتي عشرة وخمسمئة ، وقدم بغداد ووعظ ومال إلى الأشعري ، فوقعت الفتن .
وجلس يوم عاشوراء في النظاميّة ، فقِيل له : العن يزيد بن معاوية . فقال : ذاك إمام مجتهد . فجاءه الرجم حتّى كاد يقتل ، وسقط عن المنبر ، فأدخل إلى بيت في النظامية . وأخذت فتاوى الفقهاء بتعزيره ، فقال بعضهم : يضرب عشرين سوطاً ، قِيل له : من أين لك هذا ؟ فقال : عن عمر بن عبد العزيز سمع قائلاً يقول : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فضربه عشرين سوطاً ، ثمّ خلص القزويني بعد ذلك ، وأُخرج من بغداد إلى قزوين(83) .

ما ذكر من الاتّفاق على تصويب خروج الحسين (عليه السلام)

قال عبد الحيّ الدمشقي :
والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليّ (عليه السلام) لمخالفيه ؛ لأنّه الإمام الحقّ . ونُقل الاتّفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين (عليه السلام) على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني اُميّة ، وخروج ابن الأشعث ومَن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجّاج ، ثمّ الجمهور رأوا جواز الخروج على مَن كان مثل يزيد والحجّاج ، ومنهم مَن جوَّز الخروج على كلِّ ظالم .

وعدَّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة : قتل عثمان وقتل الحسين (عليه السلام) ، ويوم الحرّة وقتل ابن الزبير .

ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسين (عليه السلام) خلاف في اللعن والتوقُّف . قال ابن الصلاح ، والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبُّه وتتولاّه ، وفرقة تسبُّه وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه . قال : وهذه الفرقة هي المصيبة ، ومذهبها هو اللائق لمَن يعرف سير الماضين ، ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة . انتهى كلامه .

ولا أظنّ الفرقة الأولى تُوجد اليوم ، وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين (ع) والمتحاملين عليه يدلّ على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم ، وتهاونهم بمنصب النبوّة ، وما أعظم ذلك ‍! فسبحان مَن حفظ الشريعة حينئذ ، وشيَّد أركانها حتّى انقضت دولتهم . وعلى فعل الاُمويّين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( هلاك اُمّتي على أيدي أغيلمة من قريش )) . قال أبو هريرة : لو شئت أنْ أقول بني فلان وبني فلان ، لفعلت .

ومثل فعل يزيد فعل بسر بن أرطأة العامري أمير معاوية في أهل البيت (عليهم السلام) من القتل والتشريد ، حتّى خدَّ لهم الأخاديد . وكانت له أخبار شنيعة في عليّ (عليه السلام) ، وقتل ولدي عبيد الله بن عبّاس وهما صغيران على يدي اُمّهما ففقدت عقلها وهامت على وجهها ، فدعا عليه عليّ (عليه السلام) أنْ يُطيل الله عمره ويذهب عقله فكان كذلك ، خرف في آخر عمره ولمْ تصحّ له صحبة .

وقال الدارقطني : كانت له صحبة ، ولمْ تكن له استقامة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) .

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : اتّفقوا على جواز اللعن على مَن قتل الحسين (عليه السلام) ، أو أمر به أو أجازه أو رضي به . قال : والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين (عليه السلام) واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله) ممّا تواتر معناه ، وإنْ كان تفصيله آحاداً . قال : فنحن لا نتوقَّف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه .
وقال الحافظ ابن عساكر : نسب إلى يزيد قصيدة منها :
ليت أشـياخي ببدر شهدوا      جزع الخزرج من وقع الأسل
لـعبت هـاشم بـالملك فلا       مـلك جـاء ولا وحي نزل
فإنْ صحَّت عنه فهو كافر بلا ريب ، انتهى بمعناه .

وقال الذهبي فيه : كان ناصبياً فظّاً غليظاً يتناول المسكر ، ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسين (عليه السلام) ، وختمها بوقعة الحرّة فمقته الناس ، ولمْ يبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين (عليه السلام) ، وذكر من خرج عليه .
وقال فيه في الميزان : إنّه مقدوح في عدالته ، ليس بأهل أنْ يروى عنه .

وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز : أمير المؤمنين يزيد . فضربه عمر عشرين سوطاً ،و