رابعاً : زيارات الإسرائيليين السرية للسعودية .. نماذج وحقائق
* اعتادت الصحافة الأجنبية فى كل فترة أن تشير إلى اخر التطورات التى طرأت على العلاقة بين الكيان الصهوينى والنظام السعودى .. ولقد رصدت تلك الصحافة زيارات العديد من الإعلاميين والسياسيين الصهاينة إلى الرياض، إما بجواز سفرهم الإسرائيلى أو بجواز سفرهم (الغربى) ولدينا قائمة بقرابة الـ 60 شخصية إعلامية وسياسية واقتصادية إسرائيلية زارت مملكة آل سعود حتى يومنا هذا(2016)، ولنأخذ بعضها: لقد حمل شهر يناير (2008) زيارة مراسلة صحيفة يديعوت أحرونوت إلى السعودية ، فقد أشارت الصحيفة الصهيونية في صفحتها الأولى يوم 15/1/2008 ان مراسلتها اورلي ازولاي، دخلت إلى العربية السعودية ضمن حاشية الرئيس الأمريكي. . وتحت عنوان "إسرائيلية في ارض الإسلام " ، نشرت الصحيفة “الإسرائيلية” صورة لمراسلتها في العربية السعودية وقد كتب على اليافطة القريبة منها صحيفة يديعوت أحرونوت .. وقالت الصحافية “الإسرائيلية” انه بعد وصول الطائرة إلى مطار الرياض الدولي، قام ممثل وزارة الإعلام السعودية بمنحها بطاقة الصحافة السعودية الرسمية، لافتة إلى أنها افتتحت مكتبا مؤقتا للصحيفة “الإسرائيلية” في العاصمة السعودية . .ولفتت الصحافية أيضا في تقريرها الذي وصل مباشرة من الرياض، إنها فوجئت عندما وصلت إلى غرفة الصحافة وشاهدت لافتة وقد كتب عليها باللغة الإنجليزية صحيفة يديعوت أحرونوت ، مؤكدة أن جميع هذه الإجراءات تمت بعلم وبموافقة من السلطات الرسمية في المملكة .
وأضافت اورلي ازولاي قائلة أن النبأ عن وصول صحافية “إسرائيلية” الى الرياض، أثار الفضول لدى الجميع في المكان، وبعد مرور فترة قصيرة من الزمن وصل الى المكان ثلاثة مندوبين من التلفزيون السعودي الرسمي وطلبوا منها أن توافق على المشاركة في برنامج سياسي وببث حي ومباشر في التلفزيون ووافقت على ذلك، وقد تم تقديم الحلقة بمشاركة الصحفية “الاسرائيلية”.
وأكدت الصحفية “الاسرائيلية” أن ممثل وزارة الإعلام السعودية كان في انتظارها في بهو الفندق وقال لها انه يأمل أن يتم السلام هذه المرة بين “اسرائيل” وجميع الدول العربية .
وأكدت ان المسؤول السعودي إهتم جدا بالوضع الصحي لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” السابق ارييل شارون، وسألها لماذا توقفت الصحافة “الإسرائيلية” عن متابعة أخباره الصحية .
وقالت الصحافية أيضا، إنها زارت العربية السعودية قبل حوالي عشرة أشهر برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولكن خلافا للمرة السابقة، أكدت أن الأمور جرت هذه المرة بشكل عادي و أن الحديث مع المسؤولين السعوديين تم على مرأي ومسمع جميع من تواجد في بهو الفندق وفي مكتب الصحافة، مشيرة إلى أنها في المرة السابقة اخفت حقيقة كونها “اسرائيلية”، لكي لا تزعج السعوديين .
وتابعت الصحافية “الإسرائيلية” قائلة إنها تلقت تعليمات من المسؤولين مفادها انه يتحتم عليها وضع غطاء للرأس فيما إذا أرادت الخروج، وفعلا خرجت الى نزهة في العاصمة وكتبت عن انطباعاتها لافتة إلى ان السعوديين كانوا على درجة عالية من الغضب، بسبب الحراسة الأمنية المشددة من قبل قوات الأمن بسبب زيارة الرئيس بوش .
كما عبرت عن استيائها من أن المطاعم السعودية لا تسمح للمرأة وللرجل الغريب أن يجلسا سوياً، وأشارت إلى أنها اضطرت إلى ترك مطعم ماكدونالدز في العاصمة لأنها، على حد تعبيرها، رفضت أن تراقب مشهد قيام امرأتين سعوديتين بأكل الساندويتشات بصعوبة، بسبب الحجاب !.
ولم يمض سوى شهور قليلة حتى خرجت وسائل إعلام إسرائيلية تتحدث فى نهاية مارس 2008عن دعوة مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مجموعة من رجال الدين الإسرائيليين “الحاخامات” للمشاركة في مؤتمر مصالحة ديني سيعقد في الرياض ويجمع شخصيات دينية كبيرة من الديانات السماوية الثلاث .. واتصل المفتي السعودي هاتفيا بممثل جمعية الصداقة الإسرائيلية العربية أهارون عفروني ووجه له هذه الدعوة.
***
وإذا استعرضنا اللقاءات السرية التي تمت بين الإسرائيليين والمملكة السعودية خلال السنوات الأخيرة ، سنجد تاريخا حافلا من اللقاءات بين الكيان الصهيوني والسعودية .. فخلال شهر مارس 2007 رددت وسائل الإعلام نبأ اللقاء الذي جمع بين عادل الجبير – سفير السعودية الجديد في واشنطن آنذاك (وزير خارجية السعودية اليوم 2016) مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، افرايم سنيه، ضمن لقاءات ثلاثية منفصلة (سعودية وأمريكية وإسرائيلية) حول “مبادرة السلام” مع إسرائيل التي طرحتها المملكة، وذلك قبيل انعقاد القمة العربية ..وبينما سارعت الرياض كعادتها إلى نفي الخبر رسمياً، قائلة إن تلك التقارير : “لا أساس لها من الصحة”، أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” : أن رواق “ديفيد وولش” رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية – جمع الرجلين وتبادلا الحديث معاً، وحسب الصحيفة : توجه سنيه إلى الجبير – الذى يعد من أشد المقربين للملك السعودي – وصافحه قائلاً : “أنا سعيد بلقائك وجهاً لوجه.. ماذا يحدث من المشاكل في منطقتنا؟”. وأجاب الجبير : “آمل أن نصعد في الأسابيع المقبلة إلى مسار إيجابي”.
ولم يكن هذا اللقاء هو باكورة التلاقي السعودي بالإسرائيليين، بل سبقه لقاءات عدة ، ففي يناير 2007، حضر الأمير تركي الفيصل حفل استقبال في واشنطن برعاية المنظمات اليهودية الأمريكية. وكان ظهور الدبلوماسي السعودي حدث غير مسبوق، بحسب وصف “ويليام داروف” مدير مكتب واشنطن للتجمعات اليهودية المتحدة، الذي نظّم الحفل .(طبعاً هذا الأمير لايزال يمارس دوره ووظيفته التطبيعية حتى اليوم (2016) وإن بأشكال أخرى و أكثر فجوراً.)
وفي سبتمبر 2006، أفاضت الصحف العربية والأجنبية في الحديث عن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، أيهود أولمرت ، ومستشار الأمن القومي السعودي آنذاك، بندر بن سلطان، في العاصمة الأردنية، كجزء من جهود جورج بوش لدعم أولمرت بعد كارثة هزيمة إسرائيل في حربها أمام حزب الله، وبحسب دانيال آيالون، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن : فإنه اللقاء السعودي – الإسرائيلي الأعلى مستوى، حسب علمه.
وكانت صحيفة (يديعوت أحرونوت) قد نشرت تفاصيل اللقاء الذى تنفيه السعودية ، بين أولمرت وبندر بن سلطان .. وقد كتب المحلل السياسى الإسرائيلي الشهير شمعون شيفر فى عدد الخميس 28/9/2006 من صحيفة يديعوت أحرونوت أن لقاء أولمرت بالمسؤولين السعوديين تم فى العاصمة الأردنية عمان بحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.وأضافت الصحيفة قائلة أن رئيس الموساد الجنرال المتقاعد مئير داغان، هو الذي قام بترتيب اللقاء بالتنسيق مع العاهل الأردني.
وبعد موافقة الشخصية السعودية (والذى هو هنا الأمير بندر بن سلطان) على اللقاء، قام مساعدو أولمرت بوضع اللمسات الأخيرة على أجندة اللقاء، وبعد مرور عدة أيام ، أكد الصحافي الإسرائيلي الذي اعتمد على مصادر رفيعة المستوي في تل أبيب، انه تم إيقاظ أولمرت من نومه في ساعة متأخرة من الليل، وعلى الفور تم نقله إلى احد المطارات العسكرية الإسرائيلية، ومن هناك قامت مروحية عسكرية تابعة لسلاح الطيران الإسرائيلي بنقله الي العاصمة الأردنية عمان برفقة مدير مكتبه يورام توربوفيتش والملحق العسكري الجنرال غادي شامني ورئيس الموساد. وعندما حطت الطائرة في عمان، كان العاهل الأردني الملك عبد الله في انتظار الوفد الإسرائيلي رفيع المستوي، ومن هناك تم الانتقال بسرية كاملة إلى احد القصور التابعة للملك الأردني. وأضافت يديعوت أحرونوت انه بعد مرور ساعة من الزمن، بدأ اللقاء، الذي حضره قياديون سعوديون من العائلة المالكة، وتناول الجميع وجبة عشاء فاخرة.
وخلال اللقاء الذي استغرق ساعات عدة، تناول خصوصا الأخطار الناجمة عن محاولة ايران امتلاك سلاح نووي وانتشار الإرهاب الشيعي في المنطقة.
وتابعت يديعوت أحرونوت أن أولمرت ومحادثيه السعوديين الذين لم تكشف أسماءهم اتفقوا على ما يبدو على مواصلة التعاون بين أجهزة الاستخبارات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وذكرت أن أولمرت قال خلال اللقاء انه لن يقوم بأي تحرك طالما أن حركة حماس هي على رأس الحكومة الفلسطينية، وطالما لم يتم الإفراج عن الجندي جلعاد شليط الذي أسرته مجموعات فلسطينية في حزيران (يونيو) 2006 على حدود قطاع غزة . وتم الاتفاق أثناء اللقاء على ان مواصلة حركة حماس التمسك بزمام الامور في السلطة الوطنية الفلسطينية، لا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، ووافق الملك الأردني على طرح أولمرت، الذي أضاف انه على استعداد لمكافأة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن)، وإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور جلعاد شليط.
وأضاف الصحفي الإسرائيلي انه خلال اللقاء تم طرح قضية الملف النووي الإيراني، مشيرا إلى أن أولمرت وافق على طلب وزيرة الخارجية الأمريكية وقتذاك) كوندوليزا رايس، بضرورة تشكيل جبهة من الدول العربية المعتدلة لمواجهة إيران وسورية وحزب الله، لافتا إلى أن الأمريكيين كانوا على علم بالمفاوضات السرية الجارية بين إسرائيل وبين المملكة العربية السعودية، وانها قامت بتشجيع الطرفين على مواصلة الحوار بينهما.
ولفت كاتب المقال شمعون شيفر إلى أنه خلال فترة رئاسة داغان للموساد توثقت العلاقات بين إسرائيل ودول عربية في المنطقة وعلى رأسها السعودية بصورة كبيرة جدا .
وقالت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الموساد داغان يفتخر أمام الزائرين الأجانب الذين يصلون الي مكتبه في مركز الدولة العبرية بالهدايا التي تلقاها من الزعماء العرب، مضيفة انه منذ تسلمه منصبه تمكن الموساد من اختراق العديد من الدول العربية، وقالت الصحيفة أيضا أن الملوك والرؤساء العرب قاموا بإهدائه الكثير من الهدايا، وأكثرها كانت عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة.
وخلص شيفر إلى أنه ليس معلوما شكل الهدايا التي تبادلها أولمرت والمسؤولون السعوديون في اللقاء الليلي السري لكن وفقا لمصادر سياسية رفيعة جدا، فإن رئيس الوزراء (أولمرت) عاد إلى البلاد فجرا متشجعا للغاية من نتائج اللقاء .
وكان أولمرت لمح في حديث إلى الإذاعة العامة الخميس 28/9/2006، إلى انه التقى أخيراً فردا في العائلة الحاكمة السعودية .. وردا على سؤال لصحافيين عن اللقاء الذي أشارت إليه الصحف الإسرائيلية ، قال أولمرت لنقل في هذا الشأن إننا قررنا أن اصدر نفيا، لكنكم لستم مضطرين لتصديقه . وأضاف في شأن المواضيع الأخرى، عليكم تصديق كل نفي أصدره .
وفي أعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر ، سعى عادل الجبير – الذي كان يعمل بالخارجية آنذاك – إلى تنظيم رحلة لوفد من اليهود الأمريكيين الأعضاء في الكونجرس ، إلى الأراضي السعودية ، حتى تتوقف هجمات اللوبي اليهودي ضد المملكة على خلفية الهجمات .. ونجح الجبير – بحسب “جيروزاليم بوست” – في إقناع الملك عبد الله ، بتوجيه الدعوة لتوماس فريدمان – الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط بالواشنطن بوست, ورئيس مكتبها في إسرائيل لعشر سنوات – بزيارة السعودية لإجراء مقابلة صحفية مع ولي العهد السعودي آنذاك .
وفي هذه المقابلة طرح الأمير – وقتها – عبد الله, على فريدمان – كانفراد صحفي – المبادرة السعودية التي تحدثت لأول مرة عن الاعتراف بإسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات معها, بشرط انسحابها إلى حدود 5 يونيو عام 1967, وهي المبادرة التي تم إقرارها بقمة بيروت عام 2002 ، لتصبح المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل. وبسبب ما تمتع به الجبير من قدرة في العلاقات العامة، أوكلت إليه (الجبير) مهمة الاتصال بالجماعات اليهودية والإسرائيلية والتنسيق معها، وحول هذا الدور قالت صحيفة “جيروزاليم بوست”: إن الجبير ظل – منذ بداية التسعينات – على اتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية بما فيها منظمة اللوبي اليهودي الأمريكي “إيباك” وسبق أن التقى بـ (يوسى بيلين ) حينما كان وزيراً في حكومة العمل الإسرائيلية .
يتبع.....
د.رفعت سيد أحمد