اتخذ القتل الرحيم في قوانين بعض البلدان طابعاً قانونياً، وفي قوانين الدول الإسلامية، ومنها إيران، ثمة ما يعزز إمكان القتل الرحيم، بسبب الغموض أو التساهل في التنظيم أو عدم الاهتمام الكافي بالمباني الفقهية الدقيقة. ومن هنا، يجدر بنا إعادة النظر بشكل جاد في نصوص بعض القوانين الموجودة، كما إن سكوت القانون في بعض الموارد أسفر عن مشاكل من الجانب العملي.
الاجتهاد: دراسة ” القتل الرحيم بين الفقه والقانون”، للباحث الإيراني (المتخصّص في الدراسات المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الجنائي) الدكتور إسماعيل آقا بابائي بَنِي، هي من منشورات “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” (في بيروت). و”المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية” (في قُم/ إيران) (في طبعة أولى 2017).
وهذه الدراسة التي ترجمها رعد الحجاج إلى العربية، قدّم لها الباحث الإيراني (مدير “معهد دراسات الفقه والقانون (في قم) سيف الله صَرَّامي ومما جاء في نص تقديمه:
لا ريب في أنّ إدراك أهمية الحفاظ على حياة الإنسان عند عدم وجود مصالح أخرى مزاحمة ليس بالأمر الشاقّ، ولكن يصعب استيعاب ذلك مع وجود مصالح أخرى في مواجهة حفظ النفس. ولما كانت بعض تلك المصالح هامة وعليا فمن اليسير حينئذ إدراك لزوم تقدمها على حفظ النفس الإنسانية، وذلك من قبيل مصلحة حفظ أصل الدين في ثقافة التوحيد، أو مصلحة الدفاع عن الوطن والعرض؛ وأما المصالح والموضوعات الأخرى فيتطلب إثبات تقدمها على النفس مزيداً من الأبحاث الأخلاقية والفقهية والقانونية الموسعة.
وهنا يمكن طرح موضوع القتل الرحيم الذي عادة ما يُتناول في حال وجود أمراض مستعصية تصحبها آلام شديدة وغير قابلة للتحمل، وهو من الموضوعات التي أثارت جدلاً واسعاً على الصعد الفقهية والأخلاقية والقانونية.
فصول الكتاب
الاول:
ومن مزايا هذه الدراسة، تعريف الموضوع وبيان حدوده بهدف تنظيم الأبحاث الفقهية والقانونية وتنقيحها بصورة مناسبة، وذلك في الفصل الأول من الكتاب.
الثاني:
وبُحثت في الفصل الثاني منه الجوانب القانونية؛ لقربها من هذا الموضوع وشدة ارتباطها به. ومما يدل على عمق أبحاث الدراسة وسعتها مقارنة بالدراسات الأخرى، إفراد فصلين آخرين للجانب الفقهي، وهو ما يشكل أكثر من نصف حجم الكتاب؛
الثالث:
تناول الفصل الثالث بحث الأحكام التكليفية للموضوع، وتطرق الفصل الرابع إلى بحث الأحكام الوضعية والعقوبات المترتبة عليها.
ويقول المؤلِّف في تمهيد الدراسة: هذه الدراسة هي بصدد بيان الحلول والنواقص الموجودة في القوانين الجزائية، إلى جانب تحليل الأبعاد الفقهية للموضوع بعمق أكبر…
النتيجة
ولقد خلصت الدراسة إلى النتائج الآتية:
1 – ينقسم القتل الرحيم أو الأوثانازيا (Euthanasia) من حيث طبيعة العمل المرتكَبِ إلى فعال وغير فعال، ومن حيث إرادة الشخص المجنيّ عليه إلى طوعي وغير طوعي (قسري)،
وتشتمل هذه الأقسام على صور مختلفة من قبيل: سلب الحياة من ذوي الداء العضال، إنهاء حياة الكبار في السن والعجزة، تسهيل موت المصابين بالموت الدماغي والغيبوبة العميقة (إغماء اللاعودة)… إلخ. ويمكن ذكر مصاديق عدة للقتل الرحيم، بيد أن ثمة خلافاً في شموله للإجهاض، بمعنى أن الجنين قبل ولوج الروح فيه، لا سيما في الأسابيع الأولى من حياته، لا يعدّ – طبقاً لبعض المعايير المطروحة في القوانين الغربية – إنساناً ليكون سلب الحياة منه واقعاً في دائرة القتل الرحيم.
بينما يعتبر حق الجنين في الحياة من المسلَّمات في الإسلام؛ ولذا، فإن إسقاط الجنين المشوّه يمكن أن يعد من مصاديق القتل الرحيم أيضاً.
2 – إن نظرية الحق في الموت والقبول بالقتل الرحيم في بعض البلدان ناشئ من بعض المعتقدات والثقافات المرتبطة بها؛ ما يعني أنه لا ينبغي مطلقاً إقحام تلك المباني والأسس في الأبحاث الفقهية والقانونية المستمدة من الفقه.
ومن هذا المنطلق، ليس بوسع الآثار والنتاجات المكتوبة باللغة الفارسية الموجودة في هذا المجال ان تغطي هذه الأبحاث؛ بل ثمة حاجة ملحة إلى إعادة النظر في هذه القضية بعد التمييز بشفافية بين الأحكام الإسلامية والقوانين الغربية.
3 – اتخذ القتل الرحيم في قوانين بعض البلدان طابعاً قانونياً، وفي قوانين الدول الإسلامية، ومنها إيران، ثمة ما يعزز إمكان القتل الرحيم، بسبب الغموض أو التساهل في التنظيم أو عدم الاهتمام الكافي بالمباني الفقهية الدقيقة.
ومن هنا، يجدر بنا إعادة النظر بشكل جاد في نصوص بعض القوانين الموجودة، كما إن سكوت القانون في بعض الموارد أسفر عن مشاكل من الجانب العملي.
4 – ثمة شكوك تحوم حول وجوب حفظ النفس عند وقوع التزاحم بين نفسين أو بين الجنين والأم والحالات المفتقرة إلى تكاليف باهظة، وتؤكد بعض الأقوال إمكان القتل الرحيم في بعض المصاديق حفاظاً على المصلحتين الاجتماعية والعقلائيّة.
ولا غرو في أن هذا الموضوع بحاجة إلى مزيد من التأمل والأبحاث المعمقة من الناحية الفقهية، على أن هذه الدراسة أجابت إلى حدّ ما عن هذه الأسئلة.
5 – من الصور الأخرى للقتل الرحيم، ترك العلاج حتى موت المريض أو الطفل المشوّه أو الشخص الكبير في السنّ؛ حيث فُسح المجال من الناحتين الفقهية والقانونية أمام القتل الرحيم غير الفعال من منطلق الإشكالات النظرية والعملية في ارتكاب القتل عن طريق ترك الفعل، وكون الرأي الغالب هو عدم تحقق العنصر المادي للقتل بترك الفعل وترك العلاج، وتوجد أصوات تنادي بالقتل الرحيم غير الفعال عند رضا المريض ومن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة، عدم وجود فارق بين ترك الطبيب لمسؤوليته في العلاج بعد استقبال المريض وتوقف حياته عليه وبين القتل الرحيم الفعال، فيمكن – بحسب المورد – إدانته بارتكاب قتل العمد أيضاً.
6 – من جهة عاقبة المرتكب، فإن التعامل مع حق القصاص من باب أنه حق خاص، وامتناع المشرّع عن سن عقوبة للمرتكب من زاوية الحق العام، وتقييده بشرط خاص، قد يؤدي إلى الإيحاء بإسقاط العقوبة عن المرتكب في حال موافقة الشخص نفسه على إنهاء حياته أو مطالبة أوليائه بذلك، ولا أقل من ارتباط الموضوع بإرادة القاضي لا المشرّع. وبعبارة مغايرة.
على الرغم من أن حفظ الحياة أمر مسلّم، ووضوح الحكم التكليفي لسلب الحياة حتى في حالات الداء العضال، ثمة خلاف من ناحية الحكم الوضعي وترتيب القصاص أو الدية على المرتكبفي بعض المصاديق.
ففي هذه الموارد، يحتاج تعزيز المرتكب عملياً إلى تقنين، وفقدان هذا التقنين – إلى جانب الآراء النافية للدية والقصاص – يسهّل ارتكاب القتل الرحيم في بعض المصاديق، ويروّج لعدم المبالاة بحفظ حياة الناس ومسؤولية الحكومة في معاقبة المرتكبين.
ومما طُرح في هذه الدراسة تحليل هذه الآراء وإثباتها، ولفت الأنظار إلى المباني والأدلة الفقهية في هذا المجال، ويبدو أن في القتل طابعاً عاماً على كل الأحوال، وتردد المشرّع في الأخذ بهذا الجانب في غير محله.
7 – قد يوفر الطبيب للمريض أرضية لإنهاء حياته بنفسه بدلاً من قيامه هو بذلك، وبالتالي يضع المريض نهاية لحياته بيده. هذه القضية تندرج تحت عنوان الانتحار ولا تدخل في دائرة بحث القتل الرحيم، ولكن بما أن القبول بذلك يساوق الترويج للقتل الرحيم، ويعدّ في حقيقة الأمر تسهيلاً مبرراً وقانونياً حسب الظاهر للقتل بدافع الشفقة، ذهب بلدان عدة إلى إدراجه تحت عنوان الإعانة على الانتحار ومساعدة الطبيب على موت المريض، وأقرت حزمة من القوانين في هذا المجال تفادياً لانتشار القتل الرحيم في سياق آخر.
وحيث إن القواعد العامة للقوانين الجزائية تؤكد العقوبة لمن يعين على الجريمة، وأن الانتحار فاقد لقابلية التجريم، فلا شك في أن سكوت القانون يعني جواز الإعانة على القتل؛ ولذا لا بد من التصريح باعتبار الإعانة على الانتحار جريمة.
وفي هذا الإطار، عدم اعتبار الانتحار جريمة يعاقب عليها القانون من جهة، وإلقاء المسؤولية على المباشر عند اجتماع السبب والمباشر من جهة ثانية، يفضيان إلى عدم إمكان معاقبة المعاون في القتل الرحيم، ومن اللازم العمل على تحديد عقوبة خاصة في هذه الموارد.
على أن الطبيب قادر على الوقوف إلى جانب الراغبين في الموت وإنقاذهم من الأزمات النفسية غالباً عن طريق تقديم المشورة والإرشاد، والحال أن التقاعس عن أداء هذه المسؤولية؛ بل وتقديم المساعدة الفكرية لسلب الحياة بالشرح المتقدم، يمكن أن يسفرا في نهاية المطاف عن عقوبة مدنية، وهذا القدر من رودود الأفعال لا يعد حلاً مناسباً في خصوص ظاهرة القتل الرحيم.
هذا وبالرغم من إقرار المؤلِّف بنواقص تعتور مضمون الكتاب بقوله في تمهيد الكتاب: “وحيث كان يتعذّر عليّ الاعتماد على الخبرات العلمية في طرح الأبحاث المختلفة الواردة في الكتاب، أعترف بوجود نواقص فيه وعدم تماميّة بعض المباحث”. وبالرغم من ذلك فنحن نشدّ على يد المؤلِّف بحرارة لأننا نرى أن هذا الكتاب اكتسب هوية المرجع المظنون (نسبة المراجع المظانّ) عمقاً وأصالة، وذلك عائد إلى ما يتّصف به مضمونه، على صعيدي الطّرح والمعالجة.
غلاف الكتاب:
الكتاب: القتل الرحيم بين الفقه والقانون
تأليف: إسماعيل آقابابائي بَنِي
ترجمة : رعد الحجاج
منشورات: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” (في بيروت). و”المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية” (في قُم/ إيران)
الطبعة : الأولى 2017
تقديم:سيف الله صَرَّامي الباحث الإيراني ومدير “معهد دراسات الفقه والقانون (في قم)