لم تلبث الحكومة الفرنسية أن طلبت من ائتلاف المعارضة السورية إقفال مقر سفارتهم في باريس حتى أعلنت ما تسمى بالحكومة السورية المؤقتة الإفلاس وقطع المعاشات الشهرية لموظفيها. سبق هذا الأمر تصريح مهم واستثنائي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير يؤكد فيه للمعارضة أن الأسد باق وعليهم التأقلم مع هذا الواقع.
ما لم يُقله السعوديون والفرنسيون صراحة بات واضحا، فالدول التي كانت على رأس داعمي الإرهاب السوري المسمى بالمعارضة تريد اليوم إنهاء هذا التشكل الذي لا يمثل أي شرعية على الأرض السورية. ويبدو أن هذه الدول وعلى رأسها تركيا والسعودية وفرنسا تستعد لتغييرات دراماتيكية في الموقف والأداء من الأزمة السورية.
تركيا بدورها كانت أولى الدول التي بدأت بتغيير مسارها السوري وذلك منذ العام الماضي حين التقى الرئيس الروسي بنظيره التركي في مدينة سان بطرسبرغ، فمنذ ذلك الوقت بدأت بوادر ومؤشرات (ولو متذبذبة) تشير إلى بداية الاستدارة التركية.
السعودية وعلى لسان وزير خارجيتها الذي لطالما أكد على عدم قبول أي اتفاق في ظل وجود الأسد أكد منذ أيام لبعض المعارضين أن الأسد باق وعلى المعارضة تغيير موقفها والتفتيش عن حلول جديدة وفقا للواقع الجديد.
أما فرنسيا فالتحول الأخير والجذري في الموقف كان بعد قدوم الرئيس الفرنسي الجديد “ايمانويل ماكرون” الذي أعلن صراحة أن التعامل مع الأزمة سيتغير في عهده، وتأكد ذلك عمليا من خلال إعادة قنوات الاتصال مجددا مع الأسد وحكومته. وقد تحدثت معلومات غربية في هذا الإطار عن بدأ الترتيبات لإعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق في المرحلة المقبلة.
وبالنسبة لإغلاق مقر المعارضة في باريس، فإن الموقف الفرنسي الأخير كان في واقع الأمر مخرجا يساعد المعارضة على الإغلاق الذي كان سيكون حتميا في أي حال، والسبب الفشل والضعف في الأداء الذي كان بارزا من قبل طاقم ما كانوا يسمونه بالسفارة السورية للحكومة المؤقتة إضافة إلى توقف المساعدات المالية السعودية والتركية منذ مدة.
“عماد الدين خطيب” أمين عام حزب التضامن السوري المعارض وتعليقا على قرار قطع رواتب موظفيهم أكد أن المشكلة قديمة وأذعن أن المسألة أكبر مما تبدو عليه، فهناك خلاف بين الدول الراعية للمعارضة وقد تبلورت حالة من المواجهة بين دول كقطر وتركيا في مواجهة السعودية وحلفائها.
يضيف الخطيب إن ما سمي بالحكومة المؤقتة لا قيمة عملية لها، وقطع الرواتب قد يكون مقدمة لدفن هذه الحكومة تمهيدا لدفن الائتلاف المعارض برمته.
هذه النكسة (إن صح التعبير) ليست اليتيمة فمنذ أيام أعلن عن استقالة رئيس الائتلاف رياض سيف كما تحدثت أنباء عن إقالة رياض حجاب من رئاسة ما يسمى “الهيئة العليا للمفاوضات”. والسبب أيضا يتعلق بمتغيرات الساحة السورية وتوقف الدعم المادي من قبل الدول الخليجية على وجه التحديد.
ميدانيا وضع المعارضة ليس أفضل فما يسمى بالفصائل التابعة للجيش الحر محاصرة في أغلب مناطق تواجدها الميداني إن في درعا أو حماه أو دمشق وريفها، وهي بأسوأ أحوالها من حيث السلاح والذخيرة. كما أن الانشقاقات في صفوف مسلحي المعارضة ازدادت في المرحلة الأخيرة التي اتسمت بتقدم واسع للجيش السوري على كافة جبهات الحرب.
هي إذا مسألة وقت لا أكثر، فالمعارضة التي تعمل بمقدار الدعم المالي الخارجي الذي يُقدم لها لا يمكن أن تكون النموذج للحكم في أي بلد بالعالم. وقد بات الشعب السوري بمختلف أطيافه حتى ممن يحمل فكرا معارضا للنظام الحالي واثقا بأن هكذا أشخاص على رأس أي معارضة لا يمكن لهم أن يحققوا طموحاته وأهدافه الإصلاحية. فهؤلاء لم يكونوا يوما أكثر من عبيد وتجار دماء سورية في سوق النخاسة الخليجية الأمريكية.
* عربي اليوم