لا نَعرف ما إذا كانت هذه “القاعدة” تنطبق على جهود الوساطة الكويتية التي تجددت في اليومين الماضيين في الأزمة الخليجية، وتمثلت في الجولة التي يقوم بها الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، وتَشمل عواصم أطراف الأزمة الخمسة، إلى جانب سلطنة عمان، بعد مَرحلة من الصمت دامت لأكثر من ثلاثة أسابيع.
مصادر كويتية رفيعة أكدت أن الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، استطاع الحيلولة دون حدوث مواجهة عسكرية بين دولة قطر وخصومها الأربعة، عندما طار في جولة مكوكية بين الرياض وأبو ظبي والدوحة، في الساعات الأولى من الأزمة، وقالت المصادر نفسها في لقاء خاص في لندن، وصل مضمونه إلى “رأي اليوم”، أن الشيخ صباح تحرك بسرعة، وهو مريض جدا لإدراكه خطورة الموقف، ونَجح في امتصاص الغضب، وإن كان لم ينجح في إيجاد حلول سريعة للأزمة بسبب تمسك طرفيها بآرائهم وشروطهم.
***
اللافت أن جولة الوفد الكويتي برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، وعضوية الشيخ محمد عبد الله المبارك الصباح، تتزامن أيضا مع زيارة وفد أمريكي أرسله ريكس تيلرسون، وزير الخارجية، إلى المنطقة برئاسة الجنرال انطوني زيني، نائب وزير الخارجية ليندر كينغ، بهدف دعم الوساطة الكويتية، ومحاولة إيجاد حلول للأزمة.
لا يلوح في الأفق، في الوقت الراهن على الأقل، أي مؤشر على وجود توتر اكبر، أو “تسخين” عسكري، للأزمة الخليجية يستدعي التوسط للتهدئة، اللهم إلا إذا كانت هناك قرارات جرى اتخاذها في اجتماع وزراء خارجية التحالف الرباعي المضاد لقطر في المنامة وجاءت على درجة كبيرة من الخطورة، ستنتقل في الأيام المقبلة إلى مرحلة التنفيذ، واستشعرت الكويت والولايات المتحدة بقرونها الاستخبارية هذا الخطر، وتحركت لاحتوائه، أم أن هناك تغيرا في الموقف الكويتي، وحماسة للوساطة بسبب تطورات خطيرة طرأت مؤخرا.
دولة الكويت تتعرض لضغوط كبيرة من قبل الطرف السعودي، تصل إلى درجة اتهامها بالانحياز إلى دولة قطر، ونكرانها لجمیل السعودية التي أنفقت عشرات المليارات، وعَرضت أمنها واستقرارها للخطر، عندما استقدمت نصف مليون جندي أمريكي لإخراج القوات العراقية من الكويت في صيف عام 1990، ومقالة الزميل عبد الرحمن الراشد التي نشرها في صحيفة “الشرق الأوسط”، المقربة جدًا من القيادة السعودية، تضمنت هذه المعاني، وجرى تفسيرها على أنها “رسالة غضب” سعودية موجهة إلى الأسرة الحاكمة في الكويت، صادرة من جِهات في قمة السلطة في المملكة، وهذا ما يفسر الأنباء التي ترددت عن مَنعها، أي السلطات الكويتية، دخول صحيفة “الشرق الأوسط” من التوزيع في الأراضي الكويتية.
الزميل الراشد حاول تذكير القيادة الكويتية بأن قطر “كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي حاولت عرقلة تحرير الكويت بمنعها صدور قرار عن مجلس التعاون يتبنى الحرب العسكرية لتحرير الكويت في اجتماع قمة ديسمبر عام 1990، حيث أصر ولي العهد في حينها الشيخ حمد بن خليفة على أنه لا تحرير للكويت إلا بعد إجبار البحرين على التنازل عن الجزر المتنازع عليها مع قطر، مما أغضب الدول الخمس، وأجبروه على التراجع أو مغادرة الدوحة”.
لا نعتقد أن الزميل الراشد يمكن أن ينشر مقالة بهذه القوة، ويَنتقد فيها موقف دولة خليجية تقوم بجهود وساطة في الأزمة، ويتهم إعلامها بالترويج للدعاية القطرية، وتشبيه أزمة قطر باحتلال الكويت، دون أخذ ضوء أخضر من جِهات عليا في السلطة السعودية، فأبواب الاجتهاد الإعلامي ليست مَفتوحة على مصراعيها أمام الكتاب في المملكة.
عندما يقول الزميل الراشد “أن على الأخوة في الكويت أن يتذكروا أن هذه الدول الأربع (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) هي التي هبت لنجدة بلدهم عندما أسقط صدام نظامها، ومن الوفاء أن تقف الكويت إلى جانبها، أو على الأقل ألا تترك ساحتها للاستخدام القطري سياسيا وإعلاميا واقتصادیا” فإن هذا يعني أن العلاقات بين الكويت و السعودية “مُتأزمة”، أو في طريقها للتأزم، وأن السعودية لا تريدها، أي الكويت، أن تكون وسيطا، وإنّما عضوا خامسا في التحالف المعادي لدولة قطر، وعليها الاختيار.
***
في ظل هذه الأجواء المتوترة بين الكويت والسعودية، لا نعتقد أن أي استئناف للوساطة الكويتية يمكن أن يكون أفضل حظًا من المحاولات السابقة، بل لا نستغرب أن تكون الرسائل التي يَحملها الوفد الكويتي من الشيخ صباح الأحمد إلى زعماء الدول العربية والخليجية التي سیزور عواصمها، تحمل اعتذارا عن المضي في الوساطة في ظِل الظروف الحالية، وأبرز ملامحها العلاقة الكويتية السعودية “الباردة”، ولا نقول أكثر من ذلك، وتمسك كل طرف من أطراف الأزمة بموافقة ورفض تقديم أي تنازلات للطرف الآخر.
الوسيط الكويتي، بات بحاجة إلى وسيط لترطيب علاقاته مع أبرز أطراف الأزمة، اي السعودية، وهنا تكمن المعضلة الكبرى.. والله أعلم!