وتكشف صور الأقمار الاصطناعية تحوُّل أحياءٍ بأكلمها في البلدة، ولا سيما حي المسورة التاريخي، إلى أنقاضٍ من جرَّاء اشتباك جنود سعوديين مع سكان البلدة في الشوارع الضيقة، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على أقل تقدير.
وأدى الهجوم إلى ظهور ردود فعلٍ واسعة على الشبكات الاجتماعية، إذ نشر حسابٌ على موقع تويتر يحمل اسم Phat Dream تغريدةً قال فيها: “هذه صورةٌ مُلتَقَطَة من قمر اصطناعي توضِّح حال بلدة العوامية قبل الغارات السعوديةعلى البلدة وبعدها”.
وذَكَر ناشطٌ على صلة بمصادر في محافظة القطيف الواسعة التي تضم بلدة العوامية أنَّ بعض عمال مزارع أرض الرامس، الواقعة شمالي شرق العوامية، تلقوا رسائل صوتية خلال الأسبوع الماضي تطلب منهم إجلاء حيواناتهم من المنطقة.
هذا بالإضافة إلى تعليق إخطارات بالمصادرة على أبواب منازل في حي الشويكة، الذي يقع على بُعد نحو 6 كيلومترات جنوب حي المسورة، وكانت الإخطارات من إصدار شركة الإبراهيم لتطوير العقارات الخاصة، وهي مسؤولة كذلك عن تجديد حي المسورة.
وذَكَر أمين نمر، وهو أحد سكان المدينة السابقين، لموقع ميدل إيست آي البريطاني، أنَّه يخشى استعداد الحكومة السعوية لتوسيع هجومها على المنطقة، قائلاً: “إنَّهم لا يريدون وجود أي كائنٍ حي في العوامية”.
معركة القطيف
كانت التوترات قد اندلعت في المدينة بسبب تقارير عن وجود خطط لهدم حي المسورة وتجديده، وهو الحي الذي زعمت الحكومة كذلك أنَّ هناك مُسلَّحين يستخدمونه، ويُعتَقَد أنَّ أكثر من 10 أشخاصٍ على الأقل قد قُتِلوا حتى الآن في هجوم القوات السعودية.
والإثنين 8 أغسطس/آب 2017، ذكر موقع “الشرق الأوسط” الإخباري الموالي للحكومة السعودية أنَّ رجلين من قائمة تضم 23 “إرهابياً” أصدرتها وزارة الداخلية السعودية سلَّما نفسيهما للشرطة.
وقال سكانٌ محليون لوكالة رويترز العالمية للأنباء إنَّ الاشتباكات أسفرت عن مقتل ثلاثة رجالٍ من الشرطة وتسعة مدنيين. ورغم صعوبة التحقُّق من عدد القتلى، يبدو أنَّ نحو 24 شخصاً قد قُتِلوا.
ولطالما كان التأكد من تفاصيل دقيقة عن الوضع في القطيف صعباً بسبب القيود الصارمة التي تفرضها السلطات السعودية على التدفق الإعلامي.
وكانت وكالة رويترز قد ذكرت في وقتٍ سابق من العام الجاري 2017 أنَّ وسائل الإعلام الأجنبية لا يمكنها زيارة المنطقة سوى بمرافقة مسؤولين حكوميين، وزُعِم أنَّ ذلك لأسبابٍ تتعلق بالسلامة.
وكانت معظم المعلومات عن أوضاع المدينة تأتي إمَّا من خلال بيانات صحفية تصدرها الحكومة السعودية، أو ناشطين محليين، أو مواقع إخبارية.
تمكنت صحيفة الإندبندنت البريطانية من الحديث مع ما وصفته بمتظاهر من داخل المدينة المحاصرة، وهو أمر نادر في ظل الحصار الإعلامي الذي تفرضه السلطات السعودية.
وقال الناشطٌ "قرَّرت الحكومة تصنيفنا كإرهابيين مطلوبين. كُل ما فعلناه هو المطالبة بالإصلاح، فاستهدفوا المدينة بأكملها”.
وأضاف أنَّ قواتٍ حكومية داهمت منزله في بداية الحصار، وتعدوا على زوجته بالضرب، وصوَّبوا أسلحتهم نحو ابنته البالغة من العمر 5 أعوام، وأمسكوا بابنته الأخرى ذات الأشهر الثمانية ورفعوها عالياً ثم هدَّدوا بإلقائها على الأرض.
ووصف الأمر قائلاً: “قالوا لفتاتي الصغيرة: سنقتل أباكِ ونُلقي برأسه في حجرك”.
وأضاف: “لم يُترَك لنا خيارٌ آخر. وَجَبَ علينا الدفاع عن حيواتنا وحياة نسائنا. دُمِّرَت المنازل تحت القصف، وإطلاق النار الكثيف، وقذائف الآر بي جي، أصبح الكل هدفاً”.
إجلاء قسري
ويتهم ناشطون محليون قوات الأمن بإجلاء سكان بلدة العوامية من منازلهم قسراً بإطلاق النار عشوائياً على المنازل والسيارات في أثناء اشتباكها مع المُسلَّحين في المنطقة، ونفت الحكومة السعودية هذه التهم عن نفسها.
وقال الناشطون إنَّ العديد من المنازل والمحال التجارية أُحرِقت أو تضرَّرَت بسبب القتال. وانقطع التيار الكهربائي في معظم أنحاء المدينة، وتضرَّرَت مولدات كهربائية خاصة، فضلاً عن انقطاع المياه وتوقف خدمات الإطفاء وجمع القمامة.
وأدَّى انعدام الخدمات إلى تطوُّع مجموعات من المجتمع المحلي لجمع القمامة بأنفسهم.
وتعرَّض مئات الأشخاص للإجلاء أو الطرد قسراً من المنازل المحيطة بالمنطقة، بما في ذلك منازل خارج بلدة العوامية في منطقة القطيف الواسعة.
وقال نمر: “تكمن المشكلة فيما بعد بهدم حي المسورة، لا أعتقد أنَّ الأمور ستستقر في المنطقة”.
وأضاف: “لا يمكنني التنبؤ بالمستقبل، ولكن يبدو أنَّ الطين سيزداد بلةً”.
وقال آدم كوغل، وهو باحثٌ بشؤون الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان: “لقد وثَّقت نزاعاتٍ دارت في السعودية من قبل لكنَّ لم يشبه أي منها ما يحدث في العوامية. رأيت مظاهراتٍ من قبل، لكن لم يكن أي منها مسلَّحاً”.
ونشرت مستخدمةٌ على موقع تويتر تُدعى يسرا تغريدةً بها مقطع فيديو يُظهِر الدمار الذي لحق بالبلدة، وقالت فيها: “هذه ليست حلب، ولا الموصل، هذه هي بلدة العوامية في المملكة العربية السعودية تحت وطأة استمرار الحكومة في هجومها على البلدة الشيعية التاريخية”.
ونشر حسابٌ آخر على الموقع نفسه يحمل اسم #AwamiaSiege2017، أو “حصار العوامية 2017″، تغريدةً قال فيها: “هذه خطةٌ واضحة لتهجير سكان العوامية قسراً بوقف الخدمات، بما في ذلك المراكز الصحية، ووحدات الإطفاء، وجمع القمامة، والمياه، والطاقة”.
ونشر الحساب نفسه تغريدةً أخرى بها مقطع فيديو يعرض أشخاصاً يجمعون أكياس القمامة، وقال فيها: “وهناك إرادةٌ قوية لمقاومة ذلك، إذ يجمع سكان العوامية القمامة بأنفسهم منذ ثلاثة أشهر”.
ونشر حسابٌ آخر على موقع تويتر يحمل اسم BAHRAIN DETAINEES أو “معتقلو البحرين”، تغريدةً قال فيها: “89 يوماً منذ بداية فرض الحصار العسكري على العوامية، 89 يوماً من الموت، والدمار، والتشريد، والصمت الدولي المُخزي”.
ما الهدف من هذه العملية؟
وقال أندرو هاموند، وهو مستشارٌ في الشؤون السياسية بمنطقة الشرق الاوسط، إنَّ إخلاء العوامية قد يكون جزءاً من إستراتيجيةٍ تهدف إلى إجراء تغيير ديموغرافي في هذه المنطقة بخصوص في السعودية.
ويرى هاموند أنَّ القتال الذي دارَ في العوامية كان بمثابة “إلهاء مفيد” عن الاضطرابات السياسية في القصر السعودي بعد أن حل ابن الملك الحالي الشاب محمد بن سلمان محل ولي العهد السابق محمد بن نايف.
وأردف هاموند: “كان قرار الاستبدال أكثر تعقيداً مما أظن أنهم كانوا يأملونه، أعتقد أنَّه واجه بعض المقاومة، وأنَّ هناك توترات حول مدى الغضب المُترتِّب على ما حدث لدرجة أنَّ (بن نايف) لم يغادر البلاد في الأسابيع الأخيرة حين كان من المفترض أن يغادرها. ولذلك، أعتقد أنَّ البلاد تشهد توتراً سياسياً في الوقت الراهن، ولطالما كانت المعركة مع الشيعة هي ما تُجدي نفعاً لهم في هذا الاتجاه”.
هافنتغون بوست عربي