هذا الاعتراف “الخطيئة”، كان “صادما” للهيئة العليا للمفاوضات، ومقرها الرياض، لأنه وحسب بيانها، “يتعارض مع توجهات الهيئة”، ومكلفًا في الوقت نفسه للسيد محاميد لأنه “تقرر فصله من الوفد المُفاوض”، وربما من الهيئة العليا وعضويتها أيضًا.
الجيش السوري الحر الذي يمثل الجناح العسكري للهيئة العليا للمفاوضات، ومن المفترض أن يَخوض المعارك ضد قوات الجيش السوري، تآكل بشكل متسارع في الفترة الأخيرة لعدة أسباب، نلخصها في النّقاط التالية:
الأولى: إقدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبتوصية من جورج بومبيو، مدير عام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، على إنهاء برنامج تدريب فصائل الجيش الحر وتسليحها، لأن هذه البرامج مكلفة (بلغت تكاليفها مليار دولار)، وغير فعالة، وقوّة قتالية جوفاء، حسب توصيف الأخير، أي المستر بومبيو.
الثانية: أن معظم الأسلحة الأمريكية التي تم تزويد “الجيش الحر” بها، جرى تسريبها، أو بيعها، إلى هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، كما أن عناصر من فصائل الجيش الحر انضمت إلى “النصرة”، أو إلى “الدولة الإسلامية” أو “داعش”، تماما مثلما حدث للجيش الأفغاني الذي انفقت عليه الولايات المُتحدة حوالي 25 مليار دولار تدريبا وتسليحا، وكانت طالبان، وما زالت، المستفيد الأكبر، من عناصره وأسلحته معًا.
الثالثة: تلقت الولايات المتحدة تقارير مؤكدة تفيد بأن بعض عناصر هذا الجيش أعدمت جنودا أسرى من الجيش السوري، أو عرضتهم للتعذيب البشع، الأمر الذي يشكل “حرجًا” للمؤسسة العسكرية الأمريكية ومعاييرها.
الرابعة: تقدم الجيش السوري ووحداته في شمال سورية، واستعادته معظم المناطق التي كان يسيطر عليها “الجيش الحر”، مما ضيق الخِناق عليه وعلى حرية حركته، بالإضافة إلى رفض الكثير من عناصره الانخراط في حرب ضد جبهة النصرة، و”الدولة الإسلامية” بطلب أمريكي، أي التحول إلى “قوات صحوات”.
الخامسة: قصف الطيران الروسي المُستمر والمُكثّف جنبًا إلى جنب مع طائرات سلاح الجو السوري.
***
فصل الهيئة العليا للمفاوضات للسيد محاميد سينعكس سلبا عليها، وفي وقت تواجه فيه حالة من العزلة والاضمحلال، لأن الرجل عبر عن وِجهة نظره أولاً، وهذا من حقه، ولأن الهيئة من المفترض أنها تلتزم بالاعتبارات الديمقراطية ومقتضياتها، وتريد ترسيخها، وكل ما يتفرع عنها من حريات في “سورية الجديدة” التي وعدت السوريين بإنشائها كبديل للنظام السوري الديكتاتوري، حسب أدبياتها.
السيد رياض حجاب، رئيس الهيئة التقى وأعضاؤها أمس بالسيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، وكان لافتا، بالنسبة إلينا على الأقل، أن السيد الجبير لم يكرر جملته الأثيرة على قلبه بحتمية رحيل الرئيس الأسد من السلطة بالقوة، أو المفاوضات، لا أثناء اللقاء ولا بعده، وهذا يؤكد قول السيد محاميد، ونسبة لا بأس بها في المعارضة السورية، بأن الحرب انتهت، وأن مموليها تغيرت أولوياتهم، وباتوا غارقين في حرب دموية في اليمن من الصعب الانتصار فيها، وأخرى سياسية ضد قطر، شريكتهم الأبرز في الملف السوري.
الدكتور برهان غليون، أول رئيس للمجلس الوطني السوري المعارض، عكس ما يدور في أذهان الكثيرين في النخبة السورية المعارضة والمحايدة، عندما طرح في مقالات نشرها في الأيام الأخيرة سؤالا مهما: “هل يفتح يأس السوريين باب الحوار الوطني المطلوب”؟، واعترف بأخطاء جوهرية ارتكبتها المعارضة “المعتدلة”، أبرزها التعويل على الخارج، والأمريكي بالذات، والسماح بتحويل الأزمة السورية من أزمة سياسية إلى أزمة إنسانية، والرهان على إنسانية المجتمع الدولي ومبدئيته، وحدوث انقسام في المجتمع السوري، وأخيرا تسليح المعارضة، وخطفها من قبل الإسلام السياسي المتطرف وفصائله.
***
الجيش السوري الذي احتفل بذِكرى تأسيسه قبل أيام معدودة، حقق مكتسبات كبيرة على الأرض بعد صمود استمر سبعة أعوام، وبدعم من حلفائه الروس والإيرانيين وحزب الله، وبينما لم يقدم داعمو المعارضة لها غير الانقسامات والشعارات، وعلى رأسهم الأمريكان، ومعظم الأوروبيين، وكل العرب، دون أي استثناء.
انتصار “حزب الله” وقواته في جرود عرسال، ورحيل أكثر من 8000 شخص من مقاتلي “النصرة”، وأسرهم ولاجئين آخرين، باتجاه إدلب في إطار اتفاق مع الحزب، ربما تكون المرحلة قبل النهائية لإسدال الستار على المعارضة السورية المسلحة، المعتدلة والإرهابية معا، أما المرحلة النهائية فربما تكون بعد تكرار سيناريو عرسال في إدلب، ويبدو أن هذه اللّحظة باتت وشيكة جدا، إن لم تكن قد بدأت فعلا.
عبد الباري عطوان/ راي اليوم