يُعتبر التاريخُ مرآةً تعكسُ عراقةَ الشعوب، ومرجعًا لأخذ العبر والدّروس، ومنه تُعرَف ثقافات الأمم وأطباع النّاس؛ لأنّه من عرف جنسه عرف نفسه، ويتحدّث التّاريخ عن واقعٍ موروثٍ بين جنبات الأقوام، إمّا واقعٌ ناجحٌ عظيمٌ يُكوِّن حوافز ويبُثّ قيمًا في الأجيال المتعاقبة، أو واقعٌ فاشلٌ تحاول أن تتجنّبه هذه الأجيال. كما يشكّل التّاريخ مصدر إلهامٍ رئيسيٍّ لعمل الإنسان وإبداعه وتضحياته، ويدفعه للانتصار للخير ومناهضة الشرّ.
للتّأريخ ميزتان:
الأولى: المنتصر هو من يكتب التّاريخ
من يقرأ في التّاريخ يلاحظ أنّ أكثره قد كُتِبَ في دواوين الملوك والحكّام وبأيادي مؤرّخين استأجروهم لأنفسهم، وبالتّأكيد من سيكتب عن تاريخ نفسه أو عصره سيُظهِر نفسه وقومه بالصّفات الكريمة والفضائل المحمودة، ويتجنّب كل ما يمكن أن يخدش في سمعته وإن كان ذلك واقعًا متحقّقًا، بل وكثيرًا ما قد ينسب له ما ليس فيه، ويضع نفسه في مواقع الطيّبين والصّالحين.
لذلك يتحوّل اليوم فراعنة مصر المتجبّرين الذين حكموا النّاس بالحديد والنّار واستأثروا بخيرات الأرض لأنفسهم، بل وتسلّطوا على رقاب النّاس مدّعين ولايتهم عليها، أولئك المجرمون يتحوّلون اليوم إلى أبطالٍ قوميّين ورموز تقدمٍ وحضارةٍ!! لماذا؟ لأنّ التّاريخ الذي وصلنا عنهم هو ما كتبوه هم بأنفسهم، فأثبتوا وحرّفوا ما أرادوه وغيّبوا ما لم يريدوه. وإن كان مثال الفراعنة من العصر القديم حيث سهولة التّحريف والتّزوير، فأمريكا مثال حديث، أمريكا التي أبادت شعبًا كاملًا واستعبدت شعوبًا أخرى تراها تُصوِّر تاريخها حافلًا بالإنجازات وتُظهِر رموز ذلك العهد كالأساطير وتطبع صورةً ذهبيةً لامعةً عن تاريخهم الأسود في عقول الأجيال المتعاقبة.
الثّانية: الحفاظ على الحقوق وتسجيل المظالم
يمكن الاستفادة من التّاريخ في الحفاظ على حقوق النّاس والشّعوب وعدم ضياعها بين فترات قصيرة من الزّمان، بل إنّها تُورَّث إلى الأجيال القادمة حتى تُؤدَّى إلى أهلها، وكما يُقال فإنّ الحقّ لا يسقط بالتّقادم. لو لم يُدوِّن التّاريخ حقّ الفلسطينيّين في أرض فلسطين لضاعت القضيّة الفلسطينيّة اليوم، ولو لم يّسجِّل التّاريخ هوّيات من قتل الإمام الحسين (عليه السلام) لما خرجت ثورة المختار الثّقفي أو التّوابين وغيرهما.
يحاول آل خليفة في البحرين تزوير التّاريخ (تاريخهم وتاريخ البحرانيّين الأصلاء) وتغييب حقوق شعب البحرين الأصيل، لذلك دائمًا ما يحاولون التّرويج لأمجادٍ زائفةٍ وبطولاتٍ وهميّةٍ من خلال المؤرّخين المأجورين والإعلام الأصفر، فيدّعون شرف النّسب، وحُسن الموطِن والأصل، والشّجاعة والإقدام، وليس لهم سندٌ في هذا الادّعاء إلّا التّزوير والكذب.
كُتبت هذه الورقة المختصرة لبيان وفضح التّاريخ القاتم لآل خليفة، وقد اُعتمد في كتابتها على مصادر تاريخيّةٍ مقبولةٍ لدى الجميع، بما يعين القارئ على الرّجوع إلى المصادر والتوسّع أكثر.
في طيّات هذا الكتيّب الصغير ستكتشف –عزيزي القارئ- أنّ من يحاول التّشكيك في أصول البحارنة أصوله شبه مجهولة، ومن يدّعي حُسن الموطن قد طُرد من أكثر شعوب الخليج (الفارسي) بل ومن أبناء عمومتهم، من يدّعي الوطنيّة قد سلّم البحرين لأكثر من مستعمر، وستقرأ كذلك في جرائم -وثّقها حلفاء لهم- يندى لها الجبين ولا يقبلها سليم فطرة.
"العتوب"
عند الوقوف على تاريخ آل خليفة والعتوب يتعجّب الباحث مما يقرأه، ليس لأن تاريخهم زاخر بالأحداث الغريبة فقط؛ بل لأنّ ما يُظهرون به أنفسهم في الإعلام وأمام العالم اليوم يختلف تمامًا عمّا هو في الواقع، وما يُروجون له من تاريخٍ مزيّفٍ بعيدٌ كلّ البعد عن تاريخهم الأسود. فمن الاختلاف في نسبهم وفي موطنهم إلى أصل منشأهم يرى الباحث التباينات الواضحة التي تثير الريبة والشكّ في أصولهم، وينبثق سؤالٌ كبيرٌ تتبعه ألف علامة تعجّبٍ في ذهن هذا الباحث: من هم الخليفيّون واقعًا؟!!!.
ومما يشدُّ الانتباه أكثر هو السّلوك العدوانيّ وأحيانًا العبوديّ الذي اتّخذه هؤلاء القوم تجاه شعوب وقوى المنطقة بل وحتى تجاه أبناء عمومتهم وعشيرتهم، وهو سلوك نابع من خلفيّةٍ قبليّةٍ بحتةٍ يحكم فيها القويُّ الضّعيفَ ويسود فيها القتل والسّرقة والاغتصاب بمحرّكات الطمع والكبر والسّلطة. ومن المفارقات العجيبة هو افتخار هذه القبائل المتخلّفة اليوم بما يسمّونه أمجاد أجدادهم، ولم يكن لأجدادهم إلّا الهمجيّة والقبليّة وطرد النّاس لهم من منطقة لأخرى.
العتوب تسميةٌ تُطلق على مجموعة من العوائل في شرق الجزيرة العربيّة ومنهم آل خليفة وآل صباح وآل جلاهمة وآل بن علي.
سبب التّسمية:
توجد عدّة أقوال في تسمية العتوب بـ"العتوب" حيث تُشير بعضهم إلى أنّهم ينحدرون من بني عتبة (عثمان بن سند، سبائك العسجد ص18)، ويرى البعض الآخر أنّ العتوب أخذوا هذا الإسم من إحدى القبائل التي انضمت إليهم (تاريخ الخليج (الفارسي) الحديث والمعاصر ج1 ص321-336)، في حين تشير معاجم اللّغة العربيّة أنّ معنى الفعل "عتب" الذي أُخذت منه كلمة العتوب يعني كثرة التّرحال وقد أطلقت هذه التّسمية عليهم بعد ارتحالهم شمالًا نحو الكويت كما يدّعي أمير الكويت سابقًا عبدالله بن سالم الصباح (الكولونيل ديكسون، الكويت وجيرانها ص26-27) إلّا أنّ الحقّ يُقال؛ أنّ هناك دليلين ينقضان السبب الأخير:
الفعل (عتب) يعني الارتحال والتنقّل ومن دون الإشارة إلى الجهة، فقد يكون الارتحال للشّمال وقد يكون للجنوب، كما تؤيّد ذلك المعاجم اللغويّة.
الشّيخ يوسف البحرانيّ (المتوفّى في 1772م) في كتابه لؤلؤة البحرين أشار لهذه المجموعة من القبائل بإسم (العتوب) حين كان يتحدّث عن واقعةٍ وقعت سنة 1700م، ومفاد هذه الحادثة أنّ العتوب هاجموا البحرين فاستنجد شيخ الإسلام في البحرين بالهولة الذين جاؤوا وطردوا العتوب (الشيخ يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين ص425). ومن المعروف تاريخيًّا أنّ العتوب لم يخرجوا من الكويت ويهاجموا البحرين. بل قدّموا من الزبارة في سنة 1782م، وهذا يعني أنّ الهجوم الأوّل والذي تشير إليه الحادثة المذكورة كان قد وقع قبل الانتقال للشّمال ممّا يعني أنّ اسم العتوب أُطلق عليهم قبل رحيلهم للشّمال.
ومهما يكن من سببٍ للتّسمية فإنّ هذا البحث مما لا ينفع كثيرًا.
موطن العتوب وأصل منشئهم:
ينحدر العتوب –وفق المشهور- من سلالة عنزة التي تنحدر من أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (محمد النبهاني، التحفة النبهانية ص118)، وهناك من يرى أنّ العتوب فرعٌ من عشيرة "الدهاشمة" المتفرّعة من عشيرة "العمارات"أبناء تغلب بن وائل (سيف الشملان، صفحات من تاريخ الكويت ص104)، وعلى كلٍّ فإنّ بنو عنزةٍ تنقسم إلى أفخاذٍ كثيرةٍ منها جُميلةٌ بالضمّ، بدورها جُميلة تنقسم إلى فصائلٍ أشهرها بنو عتبة ومنها تأتي عشيرةُ آل خليفة (محمد النبهاني، التحفة النبهانية ص118)، لكنّ آل بن علي يدّعون أنّ العتوب هي قبيلةٌ واحدةٌ وليست حلف قبائل، ولقب "العتبي" يختصُّ بهم دون آل خليفة وآل صباح وآل جلاهمة مستندين في دعواهم على عدّة أسباب:
امتلاكهم لوثائق تملُّك نخيلٍ وشراءُ أراضٍ تذكرُ لقبَ "العتبي" في آخر أسماءِ من هو منتسبٌ لآل بن علي، وعدم وجود وثيقةٍ واحدةٍ تذكر هذا اللّقبَ عند من ينتمي لآل خليفة أو الصباح أو الجلاهمة، فضلًا عن وجود وثائق شراء نخيلٍ بين أحد أبناء آل بن علي وأحد أبناء الجلاهمة تذكر في إسم الأوّل لقب "العتبي" ولا تذكر ذلك في إسم الآخر.
بنو عتبة قبيلةٌ معروفةٌ من بني سليم نسبةً إلى شخصٍ اسمه عتبة بن رياح السلميّ وليس من كلمة عتب أي ارتحل وانتقل. قال ابن خلدون: إنّ العتبيّين هم من يُنسبون إلى عتبة بن غزوان السلميّ. "عتبة" اسم يطلق على الأشخاص ولا يدخل في تصاريف الفعل واشتقاقات المصدر. وهم بطنٌ من خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
آل خليفة وآل صباح والجلاهمة أبناء عمومة وهم من قبيلةٍ واحدةٍ وهم من الجُميلات من بني وائل وليس من بني عتبة من قبيلة بني سليم. كما أنّ أغلب الوثائق الانكليزيّة والتركيّة القديمة تذكرُ اسم قبيلة العتوب وليس حلف العتوب.
من هذه الوثائق:
جاء في موسوعة "دليلُ الخليج (الفارسي)" لكاتبه لوريمر (لوريمر، الجزء الجغرافي ص83-84): آل بن علي المعروفين بالعتوب هي إحدى كبريات القبائل العربيّة الكثيرة العدد إلى حدٍ ما، ولهم علم يسمى: السليميّ، كما أنّ للقبيلة اسمًا آخرًا هو العتبيّ. وهناك مراجع تدّعي أنّ آل بن علي ينتسبون إلى عنزة وقحطان وبني تميم، وكلها قبائل من نجد والحقيقة أنّهم من قبيلة العتوب التي تنحدرُ من قبيلة بنو سليم الحجازيّة.
مقطع من مذكرة وزير الخارجيّة المؤرّخة في 19/7/1871م (Precis Of Turkish Expansion On The Arab Littoral Of The Persian Gulf And Hasa And Katif Affairs. By J. A. Saldana; 1904 ، I.o. R R/15/1/724.): ستجدون أنّه في فترةٍ مبكرةٍ تصلُ إلى عام 1827م ومتأخّرةٍ تصل إلى عام 1851م، جرى وصف تلك المنطقة على أنّها إحدى ملحقات البحرين، لست أعلم ما إذا بقيت كذلك حتى الآن أم لا، ولكن في كل الأحوال لا نعلم هنا شيئًا يناقض ذلك، عيسى بن طريف آل بن علي العتبيّ الذي استقر مع قسم من قبيلته العتبيّ (العتوب) هناك، هو حفيدٌ ينحدرُ من أحد فاتحيّ البحرين العتبيّين الأصلاء. تذكرون أن العائلة (الحاكمة) في البحرين حاليًّا قدمت في الأصل من الكويت، وربّما من هذا المنطلق يحاول الأتراك بسط سيادتهم ونفوذهم على البحرين.
ويمكن تفسير انتساب بقية العشائر إلى قبيلة العتوب في تفسيرين:
ذكرنا أنّ البعض يرى أنّ العتوب أخذوا هذا الاسم من إحدى القبائل التي انضمت إليهم، فلعلّه انضمت قبيلة آل بن علي إلى بقيّة العشائر المذكورة وعمَّ لقب العتوب الجميع.
تَعَمُّدُ آل خليفة وآل صباح وآل جلاهمة نسب أنفسهم إلى قبيلة العتوب؛ لأنّها قبيلةٌ كانت معروفةً وقويّةً من أجل مصالح سياسيّة وسياديّة.
وعلى كلٍّ فإنّ آل بن علي لا زالوا يسردون القصّة بشكلٍ مختلفٍ تمامًا ومن أحبّ التعرّف على التّفاصيل فليراجع مخطوطة راشد بن فاضل البنعلي (مجموع الفضائل).
إنّ مشهور الرّوايات والمراجع تتحدّثُ عن أساطير هجرة العتوب من نجد فقط وهذا ما نراه كثيرًا من المؤرّخين الجدد الذين تبنّوا رأي إبراهيم بن محمد آل خليفة حول موطن العتوب حيث ذكر أنّهم هاجروا من (الهدّار) من بلدان (الأفلاج) وسط الجزيرة العربيّة (محمد النبهاني، التحفة النبهاني ص119)، لكن لو دقّقنا النّظر فإنّنا نرى أنّ تاريخ العتوب بالنّسبة لنا يبدأ من نجد ولا يُتعرض لأصل منشئهم، فمن أين جاء العتوب قبل أن يسكنوا صحراء نجد؟!. لن تستطيع العثور على إجابةٍ واحدةٍ لهذا السّؤال؛ لأنّه عند الرّجوع إلى الوثائق والمراجع ترى الاختلاف في الأقوال الموروثة عن أصل منشئهم، فمنهم من يُرجِعُ أصولهم إلى الحجاز، ومنهم من يرجعها إلى خيبر ومنهم من يرجعها إلى نجران (عبدالعزيز الرشيد، تاريخ الكويت ص33)، والعجيب أنّ لكل فريقٍ منهم استدلال.
جاء في تقرير الوالي مدحت باشا (سيف مرزوق، من تاريخ الكويت ص112) الذي زار الكويت عام 1288هـ النص التالي: ... وهؤلاء العرب من الحجاز وكانوا قد أتوا إلى هذه البقعة هم وجماعة من مطير، وواضع أوّل حجرٍ في تلك البلدة (الكويت) رجلٌ اسمه صباح.
وقال مؤرّخ البلاط الخليفيّ النبهانيُّ أنّ أسلاف عنزة التي تنتمي إلى العتوب: "أقاموا هنالك –يقصد خيبر- وورث ديارهم غزية من طيء" (محمد النبهاني، التحفة النبهانية ص117).
المصدر: كتاب آل خليفة الأصول والتّاريخ الأسود،
وكالة تسنيم
يتبع..