الطب الاسلامي وشفاء الروح

الأحد 30 يوليو 2017 - 08:43 بتوقيت غرينتش
الطب الاسلامي وشفاء الروح

الدعاء قادر علي تحسن آلام القلب والمعدة والامعاء والامعاء، فثمة ثلاثة ادلة علي ذلك:

الاول: هو ان الدعاء اسلوب من اساليب العبادة امر به الله تعالي .

الثاني: هو ان للدعاء تؤثيرا نفسيا، وبذلك فهو يحرف الذهن عن الالم ويخفف من الاحساس به، فتقوي بذلك الطاقة التي تزيل الالم وتدفعه . الاطباء المختصون يجربون مختلف الطرق لتقوية هذه الطاقة الطبيعية، فمرة يصفون للمريض ما يشربه، ومرة بتقوية قلبه، ومرة باثارة الخوف، بينما الدعاء والتضرع الي الله، بحضور الذهن، يمزج بين فوائد اكثر هذه الامور، اذ انه مع الخوف يثير التواضع والخضوع والحب لله وتذكر الآخرة .

يقول ابوعبدالله محمد الذهبي، المؤرخ والمتسنن من القرن الرابع الهجري في كتابه الطب :

ان هذا التوكيد المذكور في اعلاه فيما يتعلق بما يمكن ان نطلق عليه في تعبير حديث اسم الطب العام - وهو يشمل الابعاد الروحية والنفسية والطبيعيه و ساير الجوانب الاخلاقية في الانسان - هو جوهر الطب الاسلامي القائم علي كتاب الوحي الالهي، القرآن واحاديث النبي الاكرم ( صلي الله عليه و آله وسلم .) ان هذا العلاج المنسجم لا ينحصر بسلامة الانسان فحسب، بل هو في المنظور الاسلامي يضم السماء والارض وما بينهما، كمظهر لتجلي وجه الخالف، ذلك الخالق الذي يستسلم له كل حي وغير حي ويطيعه . في مركز هذا المنظور الاسلامي للعالم يقع مفهوم التوحيداو وحدانية الله، وهو المفهوم المذكور في الاولي من الشهادتين، وهو التصديق والايمان : لا اله الا الله .

في الحضارة الاسلامية ينبعث كل شي ء من هذه الوحدة الالهية وتنزهه عن الشرك، بما في ذلك علوم الصحة .

ان ادراك وحدانية الله يقع في نواة النظرة الاسلامية الي العالم وهو الطاقة الهادية علي مختلف الصعد الواقعية المتجلية علي اديم الكون، وتجتذبه اليها .

القول بان لا اله الا الله تعالي شهادة بان هناك اصلا رئيسا واحدا هو وراء الكثرة الظاهرة في عالم الوجود . والعالم الاسلامي لا يقتصر علي الواقع المدرك والمشاهد، بل انه يتجاوز ذلك الي نطاق الغيب ايضا .

و لما كان الله تعالي هو وحده الحكم للكائنات، فان الصحة والمرض من جانب الله (1) . و قد جاء في حديث نبوي ما مضمونه: ما من داء ارسله الله الا وارسل معه الدواء يقول الله تعالي:

«واوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون » (النحل: 68 و 69 .)

تدل الابحاث العلمية علي ان الشفاء فضلا عن كونه يعني الجسم الا انه يشمل الابعاد الروحية والنفسية في وجود الانسان . ان قاعدة شفاء الروح في الاسلام تقوم علي اساس القبول بتاثير السلامة الروحية في الجسم . ان الجسم بذاته وعاء للروح وهو الجزء القابل للفناء . الجسم سليم اذا كانت الروح سليمة، و تكون الروح سليمة اذا لم تكن في تعارض مع التعاليم الالهية . ان اطاعة الروح لاوامر الله تخلق الانسجام بين الروح والجسم، الامر الذي يساعد علي ان تقوم اعضاء الجسم وجوارحه بوظائفها بصورة مطلوبة .

الرازي - مؤلف رسالته في الجدري والحصبة والمشهورة في ارجاء الغرب - كان يعالج الاختلالات الروحية بالاضافة الي الروح بالجسم (والذي ترجم الي انجليزية بعنوان) Spritual physics بايراد عشرين فصلا عن الامراض التي تؤثر في الجسم والروح كليهما .

ابن سينا، المشهور في الغرب باسم امير الاطباء ومؤلف كتابه الشهير (الفانوس في الطب)، حيث يستفيد في فن الشفاء من الارشادات المعنوية .

يقيم ابن سينا طبه علي اساس التعادل بين الاخلاط الاربعة، وهي: الدم والبغم والصفراء والسوداء، وهي ترتبط بعناصر الطبيعية الاربعة: النار والهواء والماء والتراب . كان يعتقد ان روح الانسان توجد بقدرة اعادة التعادل الي الجسم، وما واجب سوي ان يكون عونا علي تحقق هذا التفاعل . لذلك فان عملية استعادة السلامة تتيسر بالتمرينات التي تؤدي الي شفاء الروح .

و قد اشار السيد حسين نصر في كتابه (العلم والحضارة الاسلامية) الي نظم الشفاء الروحي عن طريق مبدا التناظر الاصلي علي مختلف مستويات الواقع يرجع الي النظام الكوني في العالم :

في الفلسفة الطبيعية: هرمس، الكيميائي - الذي كان ذا علاقة بالطب الاسلامي قال بوجود نظرية لا اساس لها عن وجود تناظر مختلف الدرجات للواقع: تسلسل مراتب لمعقولات، الاجرام الفلكية، ترتيب الاعداد، اجزاء الجسم، الحروف الهجائية التي هي عناصر الكتاب السماوي، وغير ذلك، كالفقرات السبع من عظام الرقبة) والفقرات الاثناعشر في الظهر (العمودالفقري) فهي متناظرة، اضافة الي السيارات السبع وصور افلاك البروج الاثنا عشر، وايام الاسبوع السبعة، واشهر السنة، وعدد الغضاريف بين الفقرات الذي كانوا يعتقدون انها 28 غضروفا تقابل حروف الهجاء الثمانية والعشرين وعدد منازل القمر .

في نظرية ابن سينا الطبية، ينقسم جسم الانسان الي ثلاثة اقسام: الجهاز المادي، الجهاز العصبي والجهاز الحياتي .

وهذا الاخير يقوم بتنظيم الحس والحركة في الدماغ ويهيؤه للعمل بشكل مناسب . هذا الجهاز مقره القلب ومنه يقوم بعمله .

من حيث وجهة النظر الاسلامية جسم الانسان كالوعاء القابل للكسر، لانه مصنوع من طين: خلق الانسان من صلصال كالفخار (الرحمن/14 .) وهو عطاء نحيف اسير مشكلاته لنفسية .

للشفاء جذوره في الدعاء والمناجات والصوم الاسلامي . وهذه المسالة مبنية في الاسلام علي الحقيقة القائلة بان الانسان تركيب من الجسم والروح مترابطان، وللروح امراضه الخاصة به (كالنسيان والعضلة عن وجود الله والطمع والحسد وغيرها)، وللجسم امراضه الخاصة به، الا ان كليهما متمازجان في كائن حي هو الانسان، وكل يعمل عن طريق الآخر ويؤثر احدهما في الآخر .

ان هذا الاتحاد المنفرد بين الجسم والروح يتصل بالعالم في نظام معقد من مختلف المستويات الواقعية، الي ان يقترب من الله .

قال النبي محمد ( صلي الله عليه و آله وسلم) يوما:

خير نعمة اهداها الله الي الانسان هي الصحة » و «علي امري ء ان يحافظ عليها للحاضر وللمستقبل لبلوغ هدف القرب .

ان الحقيقة في الاسلام القائلة بان الصحة والمرض من الله تقرب بين فن الشفاء والعبادة . ان من يتعاطي فن الشفاء يقوم به مرضاة لله . لذلك فان الطبيب والمريض يتقاربان عن طريق الارتباط الروحي .

يقول الحديث :

يوم القيامة سوف يقول الله: يابن آدم، كنت مريضا، ولكنك لم تات لعيادتي . فيقول: يا الهي، كيف كنت ساعودك وانت رب العالم ومليكه؟ فيقول الله: هل كنت تعلم ان فلانا من عبادي كان مريضا ولكنك لم تذهب لعيادته ابدا؟ هل كنت تعلم لو انك عدته لوجدتني هناك؟ .

ان هذا الادراك والمعرفة العاليه بالالوهية والفوائد المعنوية لعيادة مريض قد وردا في حديث قدسي آخر بصورة كاملة (في الرواية يتكلم الله بصراحة ولكن الكلام ينسب الي النبي ( صلي الله عليه و آله وسلم .) يقول الله :

يا عبدي! الصحة تربط بينك وبين نفسك، اما المرض فيربط بيننا وبينك!)

 

الكاتب : الدكتور مظفر اقبال (مدير قسم العالم الاسلامي في مركز الالهيات و العلوم الطبيعية في پاكستان)