مريم ميرزاخاني في عيون استاذ جزائري

الأربعاء 19 يوليو 2017 - 10:19 بتوقيت غرينتش
مريم ميرزاخاني في عيون استاذ جزائري

عانى العالم الإسلامي ولا يزال يعاني من التهميش في مجالات كثيرة، ومن عدم قدرته على التأسيس لنهضة علمية حقيقية. والسبب أسباب، منها الداخلية ومنها الخارجية، ومنها الظاهرة ومنها الباطنة. لو نتساءل مثلا عن عدد الحاصلين على جائزة نوبل الذين زاولوا جزءا كبيرا من دراستهم في البلاد الإسلامية، باعتبار هذه الجائزة أحد معايير التفوق العلمي لدى الأفراد ولدى الدول إذا ما تعدد الحاصلون عليها -وإذا استثنينا جائزة نوبل للسلام وفي الآداب لِمَا فيهما من توجهات سياسية صارخة- فإننا لا نجد في المجال العلمي أكثر من ثلاثة علماء أتوا من بلاد الإسلام!

أول هؤلاء هو الباكستاني محمد عبد السلام (1926-1996): حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979. وبغض النظر عما قدمه عبد السلام في مجال اختصاصه فقد عُرف بما وفره للعالم الإسلامي خاصة وللعالم الثالث عامة بتأسيسه للمركز الدولي للفيزياء النظرية بمدينة ترييست الإيطالية عام 1964.

يوفر هذا المركز خدمات جليلة من مراجع وإيواء وتكفل مجاني ومنح دراسية لنيل دورات تكوينية على مدار السنة للمستضعفين، وكذا شهادات أكاديمية في الفيزياء والرياضيات عالية المستوى. ومن المعلوم أن كثيرا من الجزائريين استفادوا ويستفيدون من خدمات هذا المركز إلى اليوم. وقد حمل المركز اسم مؤسسه بعد رحيله.

ثاني الثلاثة هو المصري أحمد زويل (1946-2016): فاز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، وحاول في نفس السنة تقديم خدمة علمية لوطنه الأم بإنشاء مدينة للعلوم والتكنولوجيا تحمل اسمه بالقاهرة. وتعثر المشروع عدة مرات، ثم تبنته السلطات المصرية واعتبرته “مشروع مصر القومي للنهضة العلمية”. والمشروع ماض في تحقيق أهدافه.

أما ثالثة الثلاثة فهي الإيرانية مريم ميرزخاني (1977-2017) : وافتها المنية يوم السبت الماضي (15 جولاي 2017) وعمرها لم يتجاوز 40 سنة إثر إصابتها بالسرطان عانت منه نحو سنتين. كانت تشغل منصب أستاذة في الرياضيات بجامعة ستانفورد الأميريكة الشهيرة منذ بلغت 31 سنة. وتحصلت على الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 2004. وعبقرية الراحلة جعلت منها أول امرأة في العالم  تفوز بـ “جائزة نوبل” في الرياضيات، المسماة “ميدالية فيلدز″. كان ذلك عام 2014!

درست ميرزاخاني حتى شهادة الماستر في طهران، فزاولت تعليمها الثانوي في المؤسسة الحكومية الخاصة بالنجباء. كما مثلت بلادها كتلميذة في المنافسات الأولمبية العالمية في الرياضيات خلال 1994-1995 ففازت بالميداليات الذهبية. ثم تخرجت من جامعة الشريف التكنولوجية الذائعة الصيت في طهران والعالم.

عندما استجوبتها الصحف ووسائل الإعلام الغربية بعد نيلها هذا الفوز الكبير (ميدالية فيلدز) كانت مريم تجيب عن الأسئلة بشكل يُشعِر القارئ باعتزازها بأصولها، وبمسقط رأسها وبالمكان الذي ترعرعت فيه ونالت فيه شهاداتها الأولى. وهذا الاعتزاز بوطنها كان يدعوها من دون شك إلى التفاتة علمية طيبة نحوه مثلما كان الحال لدى محمد عبد السلام ومثلما حاول أن يقدم أحمد زويل. لكن الصراع مع الموت باغتها ورحلت دون تحقيق ذلك.

كان الرئيس الإيراني قد كتب إثر فوز ميرزخاني بميدالية فيلدز تهنئة لها يقول فيها “يمكن اليوم للإيرانيين أن يفتخروا بكون أول امرأة تفوز بميدالية ‘فيلدز′ هي مواطنة إيرانية”، كما نعاها يوم وفاتها ونعتها العديد من الهيئات العلمية في العالم.

وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن ميرزخاني كانت تعمل بالولايات المتحدة منذ إنهاء دراستها، وعندما نالت ميدالية فيلدز حاولت بعض الصحف الغربية أن تفتك منها نقدًا أو انتقادًا لبلدها في مجال التعليم وغيره فلم تفلح رغم أن الراحلة كان يبدو عليها التحرر والتمرد.

إليك نموذجا من أجوبتها عندما طُلب منها قبل سنتين المقارنة بين الدراسة في بلدها وفي الغرب، قالت: “من الصعب بالنسبة لي أن أعلق على هذا السؤال لأن تجربتي هنا في الولايات المتحدة تقتصر على عدد قليل من الجامعات. وأنا أعرف القليل جدا مما يجري في التعليم الثانوي هنا. ومع ذلك، أود أن أقول إن نظام التعليم في إيران ليس الطريقة التي قد يتصورها الناس هنا. عندما كنت طالبة دراسات عليا في جامعة هارفارد (أمريكا)، كان يتعيّن علي أن أوضح مرارا أنه قد سُمح لي بالتسجيل في إحدى الجامعات الإيرانية. وحتى إن كان صحيحا أن الفتيان والفتيات يزاولون دراستهم في مدارس منفصلة حتى المدرسة الثانوية (في إيران) فإن ذلك لا يمنع الجنسين من المشاركة في المنافسات الأولمبية العالمية أو في المخيمات العلمية الصيفية.”

كانت الراحلة ترى أنه لا يمكن أن يكون كل الناس بارعين في الرياضيات، لكنها تعتقد أن الكثير من التلاميذ والطلبة لا تُمنح لهم، ولا يمنحون لأنفسهم، الفرص المواتية للتفوق في الرياضيات. وتقول إنها عانت شخصيا من هذه الضائقة. وتضيف أنه بدون أن يكون الطالب متحمسا وفضوليا في مجال الرياضيات فسيبدو له هذا العلم عديم الفائدة ومزعج، ذلك أن “جمال الرياضيات لا يدركه إلا الصابرون وذوو النفس الطويل!”

أبو بكر خالد سعد الله / الراي اليوم

أستاذ جامعي قسم الرياضيات / المدرسة العليا للأساتذة- القبة ـ الجزائر