بالأمس خرج علينا الرئيس الأمريكي بتصريحات حول البرنامج النووي الإيراني، الذي جرى التوقيع عليه بين إيران والدول الست العُظمى في تموز (يوليو) عام 2015، مُؤكّدًا أنّه “سيء للغاية”، ولكن حُكومته ستستمر في الالتزام به، ولكنّها ستفرض عُقوبات اقتصادية جديدة بسبب برنامج الصواريخ الباليستية الذي يُقوّض هذا الاتفاق، وأيضًا بسبب برنامج آخر لتطوير زوارق بحرية سريعة تُهدّد الملاحة في منطقة الخليج [الفارسي].
الرّد الإيراني جاء فوريًا من خلال بدء مجلس النواب الإيراني اليوم (الثلاثاء) مُناقشة قانون يهدف إلى تعزيز هذا البرنامج الباليستي برصد 260 مليون دولار، ورصد 260 مليون دولار أخرى لدعم فيلق القدس المُتخصّص في العمليات الخارجية، ويرأسه الجنرال “المُرعب” قاسم سليماني.
إدارة ترامب تخشى من الصواريخ الباليستية الإيرانية لأنها ليست بحاجة إلى تهديدٍ ثان، وهي لم تتخلّص، وقد لا تتخلّص، من مثيلاتها في كوريا الشمالية، وثانيًا لأن هذه الصواريخ التي يصل مدى بعضها إلى أكثر من 2000 كيلومتر، تُشكّل تهديدًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وربّما عواصم ومُدن خليجية عديدة، في حالة نُشوب حرب في منطقة الخليج [الفارسي] لأي سببٍ من الأسباب.
لا نعتقد أن الإدارة الأمريكية حريصة على عواصم الخليج (الفارسي)، بقدر حرصها على المُدن الإسرائيلية في فلسطين المُحتلّة، فأمريكا تفننت في تدمير العواصم والمُدن العربية، دون أية رحمة أو شفقة، وحوّلتها إلى رُكام، وآخرها مدينة الموصل شمال العراق، وقبلها بغداد، وطرابلس الغرب.
وربما تكون هذه المرة الأولى التي تُهدد واشنطن بفَرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها لتطوير الزوارق الحربية السريعة، ونُعيد ذلك إلى سَببين رئيسيين:
الأول: تشكيل هذه الزوارق السريعة والصغيرة التي يقودها انتحاريون من الحرس الثوري الإيراني، وربّما فيلق القدس تحديدًا، خطرًا أساسيًا على حاملات الطائرات والسفن الحربية الأمريكية، وتشل فاعليتها، وربما يُفيد التذكير بأن تنظيم القاعدة استخدم نُسخة مماثلة، ولكن بدائية من هذه الزوارق للهُجوم على الفرقاطة البحرية الأمريكية “يو إس إس كول” في ميناء عدن عام 2000 وأعطبها وأخرجها من الخدمة كُليًّا.
الثاني: تُدرك الولايات المتحدة وحُلفاؤها في دول الخليج (الفارسي)، أن هذه الزوارق يُمكن أن تستخدم في الهجوم على محطات التحلية على طول الشواطيء الغربية، وتزوّدها، أي الدول الخليجية العربية، بأكثر من 80% من احتياجاتهم من المياه العذبة، الأمر الذي قد يُؤدّي إلى أزمة مياه خانقة.
الرئيس ترامب، وهو تاجر مُحترف، يظل يحوم حول مسرح الجريمة، أي دول الخليج (الفارسي)، لأنه متعطش للمال ولا شيء غير المال، ولا يَشبع مطلقًا، رغم التعهدات السعودية بإرواء ظمئه بأكثر من 500 مليار دولار، حصل عليها أثناء زيارته للرياض في أيار (مايو) الماضي.
الأمر المُؤكد أن تهديداته بفرض عُقوبات اقتصادية جديدة لن يُقوض الاتفاق النووي الإيراني فقط، وربّما قد يُؤدّي إلى رُدود انتقامية إيرانية، مُباشرة أو في ميادين الحُروب بالوكالة في العراق وسورية واليمن، حيث تُوجد في هذه الدول، وخاصّة العراق، أكثر من 6000 جندي أمريكي.
احتمالات تراجع ترامب كبيرة، تمامًا مثلما تراجع عن تعهّداته بإلغاء الاتفاق النووي “السيء” مع إيران في حال فوزه بانتخابات الرئاسة، فهو يُدرك جيّدًا أن إيران ليست دولة عربية، تركع على رُكبتيها عند قدميه تقبلها، وتتعهّد بتلبية كل طلباته دون إبطاء، ولا نحتاج لضرب أمثلة، والباقي مَتروكٌ لفَهْمِكُم.
“رأي اليوم”