كل الظروف التي عقد فيها ذلك الاجتماع كانت تدفع للإحساس بأن هذا الاجتماع يجب أن يعقد بشتى الوسائل ومهما تكن الأثمان، وخصوصا في الوقت الذي تزامن مع هزم داعش في الموصل وانتقال قوى المقاومة إلى حالة ميدانية وسياسية مثلى، بالإضافة إلى الصواريخ الإيرانية التي غيرت قواعد اللعبة تماما في المنطقة، مع كل تلك المعطيات كان من الضروري انعقاد ذلك الاجتماع بمن حضر، سواءً أكانوا لاجئي أوروبا أم اولئك المتسولين في شوارعها .
السعي الحثيث لعقد هذا الإجتماع ما هو إلا تعويض عن الخسائر السياسية والميدانية التي لحقت بمحور الإرهاب وداعميه والنفخ في روح الجسد المتعفن “لمنظمة المجاهدين” وانتقام سياسي للخسائر الميدانية المتلاحقة.
لم يأت هذا الاجتماع بأي جديد ، فالتركيبة القديمة و الهزلية للمجتمعين لم يطرأ عليها أي تغيير، ها هو نفس السيناريو الممل يتكرر، فوزير الخارجية الفرنسي السابق “برنار كوشنير” يلقي ذات الخطاب الذي ألقاه السنة الماضية، في الوقت الذي لم يُنتظر من “تركي الفيصل” أي جديد بعد أن أفشى السر المكتوم بمقتل مسعود رجوي في اجتماع العام المنصرم، والإعلام الفرنسي الذي يعرف جيدا بأن تركي الفيصل مندوب النظام القبلي الذي لا يُسمح فيه بإنقلابٍ أو انتقالٍ للملك.
وبسهولة يمكن فهم الدافع وراء حضور بعض المسؤولين السعوديين مثل هذه الاجتماعات، الذي يتمثل في جنونهم السياسي وعجزهم عن الحفاظ على عروشهم التي باتت مهددةً نتيجةً لظروف المنطقة الراهنة.
أما فيما يتعلق “بجان بولتين” وبحسب صحفيين أمريكيين فإن الخطاب الذي ألقاه معرباَ فيه أن ايران ونظامها باتوا مكروهين في الأوساط الدولية، يمكن معرفة الثمن الكبير الذي تلقاه على خطابه ذاك، كرمٌ مصدره الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأوروبية أو أموالٌ جهزتها حكومة باريس له.
وبحسب ما تناقلته الصحف الأميركية بأن “الين جائو” وزير النقل في حكومة دونالد ترامب قد اعتراف بأن ثمن كل خمس دقائق من خطاب جان بولتين كان خمسون ألف دولار أميركي.
ومع كل تلك الجهود المبذولة، والعرق المذروف لم تكن هناك أية مشاهد جديدةٍ أو حتى إضافاتٌ بسيطةٌ على سيناريو تلك المسرحية الهذلية .
وقد حذرت مصر كافة ممثليها من حضور هذا الاجتماع، وكانت أغلب البلدان الأوروبية قد دعت المجتمعين إلى احترام الحكومات الديمقراطية والحرية المشروعة للشعوب.
الشيء الوحيد الذي تميز به هذا الاجتماع عن سابقاته هو إلغاء انعقاده بعد مرور ساعات قليلة على سفر وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى باريس.
على الرغم من أن محمد جواد ظريف قد أبدى رد فعله على موافقة فرنسا على انعقاد هذا الاجتماع ووصفه بأنه نقطة غامضة في العلاقات الفرنسية الإيرانية.
أما ومن دون أدنى شك فإن تصرف الحكومة الفرنسية هو أبعد من كونه نقطة مبهمة بحسب وصف الوزير الإيراني، بل هو تصرف حيادي وبسيط !!!!
هذا السلوك السياسي الفظ الذي أبدته باريس ما هو إلا منطق سياسي أعوج.
وفي الوقت الذي لم تبد فيه إيران أي ردة فعل في الاجتماع مع الوزير الفرنسي فإن ردود الأفعال الإيرانية تتجاوز حدود تغريدةٍ بسيطةٍ على تويتر.
هذا وقد أبدت وزارة الخارجية الإيرانية اعتراضها الشديد على انتهاك فرنسا لقوانين دوليةً هي ذاتها من كتب ودون بعضها، كما واستدعت السفير الفرنسي في طهران ووضعت فرنسا في معرض السؤال عن تلك المجموعات الإرهابية والوهابية التي طغت على اجتماع باريس.
فكيف تصف فرنسا ذلك الاجتماع الذي كان جلُ من فيه مجموعاتٌ إرهابيةٌ تمارس نشاطها في سورية مدعومة من السعودية -التي تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان- “بالاجتماع العائلي”؟، و فرنسا التي تسعى أن تكون بريئة الذمة من دعمها وتمويلها تلك الجماعات الإرهابية، وفي نفس الوقت ترفع أيديها مصفقةً لهم على شعارات وكلام ونصائح هم أول من يصمون آذانهم عنها.
إنه لمن المؤسف أن يذكر “كوشنير” في ذلك الاجتماع باعتقال ثلاثمئة عضو من المنظمة في عام 1382 بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية قائلا: “لقد ظلمتكم بلادي وأنا بدوري أتقدم إليكم ببالغ الأسف والاعتذار”.