المشهد المفاجئ الذي طرح نفسه دفع كثيرين إلى محاولة تفسيره ووضع مجموعة مختلفة من السيناريوهات، بداية من تصور الأمر كـ"انقلاب ناعم"، دفع المسؤول الأول عن الجيش في المملكة — بغض النظر عن كونه نجل الملك- إلى أن يخطو الخطوة الأخيرة قبل أن يصبح ملكاً، ليخرج بالمسؤول الأول عن "الداخلية والأمن"، ليكون الطريق إلى "السمو الملكي" خالياً.
ولكن هل ما حدث في السعودية يعد "انقلاباً ناعماً" بالفعل؟
الأمر يجعلنا في البداية نضع التفسير الصحيح لمصطلح الانقلاب الناعم، وهو — علميا وسياسياً- يعني أن يعتلي قيادات القوات المسلحة لأي دولة سدة المسؤولية، دون التدخل بشكل مباشر في مسار الحكم، أو تولي المسؤولية السياسية الكاملة، أو بمعنى آخر، أن تكون القيادات العسكرية في موقع المسؤولية بشكل غير مباشر، وتختفي خلف ستار، وتكون هي الحاكم الخفي ومدير الأمور السري.
أغلب الظن أن هذا هو ما يجري في المملكة حالياً، فكثير من الشواهد تؤيد هذه الرؤية، ويرجع أصحابها رؤيتهم هذه إلى أن المملكة للمرة الأولى تتعمد إخلاء المجال العام بشكل كامل من المواطنين، فالشعب السعودي — بناء على قرارات ملكية- جالس في بيته لفترة طويلة، بعدما مد الملك سلمان بن عبدالعزيز إجازة عيد الفطر إلى يوم 14 شوال، أي جعلها 24 يوماً، وهي سابقة تاريخية.
وبما أن الشعب جالس في بيته، فلن تشغله إلا "المصاريف"، وهي الخطوة الثانية التي أعلن عنها المسؤولون في المملكة، حيث نشروا قراراً ملكياً بصرف كافة البدلات والمتأخرات المالية، وبالتالي جاء تعيين الأمير محمد بن سلمان بالخير على جميع المواطنين والمقيمين أيضاً، فالرجل جاءهم بالمال والرزق، وهو أمر بالنسبة لهم عظيم.
كما أن الملك قد أصدر قراراته بإعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين —المشار إليها في قرار مجلس الوزراء رقم (551) بتاريخ 25/12/1437هـ، التي تم إلغاؤها أو تعديلها أو إيقافها- إلى ما كانت عليه، وبأثر رجعي أيضاً.
أما وجهة النظر المقابلة، والتي لا تختلف مع فكرة الانقلاب الناعم، وإنما تختلف حول هدفها، فهي أن الاتجاه ليس لتسييد القيادي الأول في الجيش على المملكة فحسب، وإنما تغيير خريطة الأسرة الحاكمة بالكامل.
هؤلاء، يدعمون رؤيتهم بالقرار الملكي، الذي صاحبه تغيير في قانون ولاية العهد والملك التاريخي في السعودية، والذي بناء عليه تولى كافة ملوك المملكة العربية السعودية السلطة، وبدونه لم تكن الأسرة باقية على هدوئها حتى هذه اللحظة.
القانون القديم كان نصه "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء… ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
وأصبح النص بعد التعديل: "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء… ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس".
القانون بشكله الجديد — حسبما يرى الباحث في شؤون الخليج عبدالعزيز محمود- على الرغم من أنه يسهل وصول ولي العهد الجديد محمد بن سلمان إلى السلطة، خاصة أن والده الملك سلمان قارب على الـ80 من العمر، إلا أنه يخلق أزمة كبيرة داخل أروقة الأسرة الحاكمة، ويطرح السؤال الأهم للمرحلة المقبلة: من هو ولي العهد القادم؟
والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه في كافة قصور وبيوت آل سعود بالمملكة الآن، سوف يتحول إلى كارثة مستقبلاً، وربما تصبح هذه الكارثة حرباً شعواء، يتنافس ويتصارع فيها الجميع للوصول إلى منصب ولي العهد وولي ولي العهد، والأهم أنه قد يتسبب للمرة الأولى في العصيان، فإذا قرر الملك — الجديد- أن يختار ولياً للعهد، لن يكون هناك توافق، فالكل سيطمحون للمنصب بمقتضى القانون الجديد.
من جانبه، يرى المحلل السياسي عبدالفتاح محمد، أن ما حدث اليوم يجري الترتيب له منذ زمن بعيد، لذلك كان ولي العهد الجديد يطرح نفسه في كافة المحافل الدولية باعتباره الرجل الأول المسيطر على الأمور في المملكة، فهو الذي اقترح قيادة المملكة العربية السعودية للتحالف العربي المحارب في اليمن ضد حركة أنصار الله، وأقنع والده بتمويل الحملة بأكبر نسبة، لتكون للمملكة الكلمة الأولى.
كما أنه هو الذي يتواصل مع دول العالم الأول، ولا ينسى أحد لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك لقاءاته في البيت الأبيض، التي حاول من خلالها وضع لبنة توليه منصب ولي العهد، تمهيداً لأن يصبح ملكاً للسعودية، على الرغم من أنه يقود سياستها في الوقت الحالي.
الآن تبدلت الخريطة بالفعل، ولا يتبقى إلا مجموعة من الإجراءات الثانوية، كتعيينات هنا وهناك، ولكن هذه الإجراءات سوف تحدد التوجه الجديد للحكم في السعودية بعد تبدل الأدوار.
المصدر : موقع سبوتنيك