عطوان: تقبيل يد بن نايف يذكر بحادثة مماثلة.. فهل يعيد التاريخ نفسه؟

السبت 24 يونيو 2017 - 06:31 بتوقيت غرينتش
عطوان: تقبيل يد بن نايف يذكر بحادثة مماثلة.. فهل يعيد التاريخ نفسه؟

يبدو ان الانقلاب الناعم الذي وقع في السعودية منذ ايام مازال له تداعياته التي تثير كبار الكتاب ومنهم الكاتب الشهير عبد الباري عطوان ففي مقاله الاخير حول هذا الموضوع كتب: توقف الكثيرون، ونحن من بينهم، عند أقدام الأمير محمد بن سلمان على تقبيل يدي "خصمه" وابن عمه الأمير محمد بن نايف، أثناء مبايعة الأخير لولي العهد الجديد، مثلما توقف هؤلاء عند خروج الأمير بن سلمان عن النص، وركوعه على الأرض في محاولة لتقبيل قدمه، ولكن يبدو أنها ليست حادثة منفردة، وهناك سوابق عديدة مماثلة في تاريخ الأسرة الحاكمة السعودية، ليس على صعيد عزل الخصوم، وإنما على صعيد تقبيل أياديهم أيضا.

يروي الكاتب البريطاني روبرت ليسي في كتابه الشهير "المملكة"، أن العاهل السعودي الراحل سعود بن عبد العزيز، عندما غادر إلى المطار في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1964 لاستقلال طائرة خاصة تنقله وأفراد أسرته منفيا إلى اليونان عبر مطار بيروت، بعد قرار عزله بأمر من الأسرة الحاكمة، وبمباركة المؤسسة الدينية، وتدخل مباشر من السفير الأميركي في الرياض في حينها، وجد في المطار صفاً طويلا من العلماء والأمراء ورجال الدولة، جاءوا لوداعه، وكان في آخر صف المدعوين خصمه الذي أطاح به وحل مكانه شقيقه الملك فيصل بن عبد العزيز، وحين وصل الملك سعود إليه (أي الملك فيصل) انحنى الأخير المنتصر إجلالاً لشقيقه المعزول، وقبل يده بكل تواضع، فرد الملك سعود على هذه المبادرة (ذكرها أيضاً الزميل جعفر البكلي في مقال له بصحيفة الأخبار) بقوله "الله يعينك" فرد الملك فيصل قائلاً "الله يعزك"، وكان هذا آخر لقاء وآخر وأقصر حوار بين الشقيقين.

***
هذا السيناريو تكرر حرفياً أثناء مبايعة الأمير بن نايف لابن عمه الذي أخذ مكانه، باستثناء محاولة تقبيل القدم، وكان الحوار بين الجانبين متشابهاً تقريباً، فقد قال الأمير بن نايف "أعانك الله.. أنا ارتحت" فرد الأمير بن سلمان قائلاً "الله يعزك.. لا نستغني عن توجيهاتك"، ولكن إذا كان لم يقبل بها وهو في السلطة، فهل سيقبل بها بعد خروجه منها؟
الملك سعود لم يستسلم، وذهب إلى القاهرة حيث خصمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبدأ وبعض من أطلق عليهم في حينها "الأمراء الأحرار"، تحركاً في محاولة للعودة إلى الحكم، ولكنه لم يعط ثماره، لأسباب عديدة ليس هنا مجال ذكرها.

خيارات الأمير محمد بن نايف كانت محصورة في خيارين، إما أن يتقبل الأمر الواقع ويبايع ولي العهد الجديد ويحصل على عدة مليارات كـ"مكافأة" مقابل الطاعة والولاء، أو مواجهة الأسوأ، فاختار الأول سائراً على نهج عمه الأصغر الأمير مقرن، وعلى عكس عمه الأكبر الملك سعود، و"تمنعه" أو "حرده" ربما يفسر عدم إصدار أي منصب، ولو شكلي له.

تحديات عديدة وصعبة تقف في طريق ولي العهد الجديد، بعد أن أزال العقبة "البروتوكولية" الكبرى من طريقه، أبرزها خطوة تعيينه لولي ولي العهد، المنصب الذي شغر بعد ترقيته، فإذا صحت الأنباء التي تقول إن الملك سلمان في حالة صحية "غير مطمئنة"، وأنه يمكن أن يتنازل عن العرش في غضون أشهر لنجله وولي عهده، فإن من المحتم ملىء هذا المنصب الشاغر بأسرع وقت ممكن.

والسؤال المطروح هو: هل سيعين فيه أحد أشقائه، وخاصة الأمير خالد السفير الحالي في واشنطن، في كسر واضح للتعديلات التي أجراها والده في النظام الأساسي التي تمنع ذلك، أو يختار أحد المقربين والموالين له من فروع أسرة الملك المؤسس عبد العزيز ولو إلى حين، أي بعد أن يتولى العرش ويغير النظام الأساسي، أو بعد أن يكبر ابنه البكر؟
الأمير بن سلمان، وبحكم منصبه الجديد كنائب لرئيس الوزراء، سيدير شؤون الدولة رسمياً بملفاتها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وهذا عبء كبير في ظل انخفاض أسعار النفط، وتعاظم أعباء الحرب الحالية التي تخوضها المملكة في اليمن، والقادمة (في أو ضد إيران)، والوشيكة ضد دولة قطر، في حال لم ترضخ للمطالب المفروضة عليها.

ولعل النقطة الأبرز التي يروج لها أنصاره في وسائل الإعلام خاصة، رغبته في تحويل المملكة إلى قوة إقليمية تقود مشروعاً عربياً يواجه المشاريع الإيرانية والتركية (لا ذكر لإسرائيل مطلقاً)، ولكن هذا الطموح لا يمكن تحقيقه بالنوايا والتصريحات الإعلامية، ولا حتى بتكديس أسلحة حديثة وسلاح جوي قوي، وإنما برؤية داخلية سياسية واجتماعية جذرية، فالمشروعان التركي والإيراني يقومان على أسس ديمقراطية، وتعايش طائفي وعرقي، وقضاء عادل مستقل، والحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وبرلمانات منتخبة، وإعلام يتصف بنسبة عالية من الحريات، واقتصاد قوي، وحتى هذه اللحظة لا يوجد أي اثر لاصلاحات وخطوات في هذا الاتجاه، مع اعترافنا بأن هناك رؤية اقتصادية ما زالت في بداياتها، ومن الصعب إعطاء آراء قاطعة حولها.

***

وإذا كان السفير الأميركي باركر هارت حسم مسألة الخلافة لصالح الأمير فيصل عام 1964، عندما حرك سلاح الطيران، فإن الرئيس دونالد ترامب نفسه الذي قيل إنه أبدى إعجابه بالأمير الشاب بن سلمان أثناء لقائه الأول به في الشهر الأول من توليه السلطة (علاوة على مبلغ 460 مليار دولار)، لعب دوراً كبيراً في وصول الأمير بن سلمان إلى ولاية العهد، وتسهيل خطوة عزل بن نايف، ولكن السؤال هو عما إذا كان ترامب سيكمل ولايته في ظل الفضائح التي تواجهها إدارته؟

نترك الأمير بن سلمان منشغلاً في فرحته بالمنصب الجديد، وتلقي طقوس "البيعة" من أفراد الأسرة الحاكمة، ورجال الدولة، وأعضاء المؤسسة الدينية، وقلة القلة من الشعب، وننتظر ما يمكن أن يقدم عليه من خطوات مقبلة، ولا شيء يمكن استبعاده على الإطلاق، على صعيد الحروب على وجه الخصوص.

عبد الباري عطوان/ راي اليوم