بهذه الكلمات، أطلق الإمام الخميني (قدسره) مبادرة إحياء يوم القدس العالمي، والتي بات فيما بعد خياراً استراتيجياً يمكن أن يحفظ الأمة الإسلامية ومقدسات الشعوب.
هذا الخيار الإستراتيجي، لم يكن حينها مفهوماً لدى أغلب الشعوب، في ظل الصراعات السياسية والعسكرية المبنية على طمس الحقائق.
أما اليوم فقد أصبحت الأمة الإسلامية مُدركةً لأهمية هذا اليوم، كمحطة للإنطلاق نحو تحديد خيارات المستقبل وعلى قاعدة الوحدة الإسلامية. فكيف كانت ضرورة إحياء "يوم القدس العالمي" أحد أكبر الخيارات الإستراتيجية التي حفظت مقدسات الأمة لا سيما القضية الفلسطينية؟
كيف أسس يوم القدس العالمي للإطار الذي يضمن حقوق الأمة الإسلامية؟
من خلال قراءة أهمية هذه المبادرة العظيمة، يمكن لحاظ التالي:
أولاً: جاء الإعلان عن يوم القدس العالمي ليُبشّر بحركة مختلفة عن المعتاد تهدف لتصحيح مسار القضية الفلسطينية وإيلاء حقوق ونضال الشعب الفلسطيني الأولوية الكبرى، ليس على الصعيد الإقليمي فحسب، بل حتى على الصعيد الدولي.
ثانياً: يمكن اعتبار الخيار الذي جعله الإمام الخميني جزءاً من فكره السياسي، خياراً استراتيجياً فيما يخص قضايا شعوب المنطقة. كما أنه جعل من القضية مناسبة عالمية، خصوصاً أن مظهرها وإطارها يتناسب مع رؤية مفهوم الحرية ليست بمعناها الإسلامي فحسب، بل ضمن كافة المعاني المُتفق عليها.
ثالثاً: مهَّد الإطار الذي وضع فيه الإمام الخميني القضية الفلسطينية، للأرضية التي تجعل من هذه المناسبة فرصة لتعزيز الوحدة داخل الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي وبالتالي القضاء على أخطر نقاط القوة التي يسعي العدو لاستغلالها.
ماذا يعني ذلك؟
يمكن من خلال ما تقدم استنتاج التالي:
أولاً: يمكن ملاحظة المكانة المهمة التي احتلتها القضية الفلسطينية في فكر شعوب المنطقة منذ زمن الإحتلال الإسرائيلي والتي تزداد يوماً بعد يوم. الأمر الذي يجعل الأمة الإسلامية هدفاً للمخططات الغربية والتي لم تُفلح في تغيير الإنتماء الشعبي العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية.
ثانياً: ساهمت مبادرة الإمام الخميني في الإعلان عن يوم القدس العالمي وضرورة إحيائه، في جعل الكيان الإسرائيلي عدواً مشتركاً لكافة شعوب المنطقة. وهو ما يجعل البعض من الأنظمة تُساهم في تغيير هذه الحقيقة الأمر الذي لم يُفلح حتي الآن. والسبب يعود لما لهذا اليوم من أثر في إعادة إحياء قلوب المسلمين وشحنهم بالوحدة والتعاطف فيما يخص القضايا المقدسة للأمة ويكسر بالتالي عصبية القوميات والمذهبيات.
ثالثاً: يمكن إعتبار يوم القدس العالمي، جزءاً من الحرب النفسية المضادة التي تمارسها الأمة الإسلامية ضد الكيان الإسرائيلي. حيث ومن خلال إحياء هذا اليوم، تُعيد الأمة التأكيد على عدم مشروعية الكيان الإسرائيلي من جهة، ومشروعية القضية الفلسطينية بالمقابل، وبالتالي تدخل تل أبيب مع كل إحياء لهذه المناسبة، أزمة القلق الوجودي من جديد.
رابعاً: جعل إحياء يوم القدس العالمي، وعلى امتداد الجغرافيا السياسية للعالم، من القضية الفلسطينية قضية عالمية، تتخطى حدود فلسطين الجغرافية، الأمر الذي أفقد الكيان الإسرائيلي من نقاط القوة التي يعتمدها دوماً في الصراع، والقائمة على سياسات التقسيم والفتنة وتعزيز الطائفية والقومية. وهو ما أطاحت به فكرة الإحياء بعد أن جعلت يوم القدس يوماً إسلامياً وعالمياً. وأثر ذلك على خيارات العديد من المنظمات المدنية الغربية والتي تعاطفت مع قضية الشعب الفلسطيني، وجعلت من حقوقه أولوية في حراكاتها السلمية.
إذن، يتميز إحياء يوم القدس العالمي، بحفاوةٍ لا تتغير مع مرور الزمن. حفاوةٌ جعلت من القضية الفلسطينية مركز خيارات الأمة الإسلامية. بل تعدت لتبلغ كامل شعوب العالم، والتي باتت تقبع تحت ظلم أنظمةٍ لا تفرق بين الشرق والغرب. وهو الأمر الذي يُمثل روح المبادرة التي أطلقها الإمام الخميني. فخلَّد بمبادرته قضيةً ما تزال تُعيد الكيان الإسرائيلي إلى أزمة وجوده، لتُصبح أزمة الوجود الإسرائيلية أهم إنجازات الحرب النفسية، التي يُطلقها إحياء يوم القدس العالمي.
المصدر: "الوقت"