- ان احدى المهمات الرئيسية ذات الاولوية بالنسبة لروسيا هي تعزيز قدرات الجيش السوري لكي يتمكن من تحقيق اهدافه بنفسه.
- ان موسكو تحرص على اطلاق عملية تسوية سياسية في سوريا بين جميع الاطراف.
- مهمتنا على المدى القريب تكمن في زيادة مستوى الجيش السوري وقدراته القتالية، لكي نتمكن بعد ذلك من الانسحاب بهدوء الى مراكز المرابطة في حميميم وفي قاعدة طرطوس، ولنتيح للقوات السورية فرصة العمل بفعالية وتحقيق اهدافها المرجوة".
للوهلة الاولى، لم يظهر أن هذه الكلمات حملت أية أبعاد او مضمون جديد يستحق التوقف كثيرا عنده، كونها تقريبا قد ذُكرت بشكل متفرق، وفي اكثر من مناسبة، ولكن في الحقيقة، وفي سياق ما وصلت اليه حالياً الوقائع الميدانية والعسكرية في سوريا، لناحية تقهقر داعش المتسارع وخاصة في الشرق والبادية، أو لناحية تطور المواجهة بين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة، والاميركيين من جهة اخرى، من اشتباك غير مباشر بواسطة مجموعات مختلفة من المسلحين، ارهابيين او غير ارهابيين، الى مباشر بين الجيش المذكور وحلفائه ضد الوحدات الاميركية المنخرطة فيما يسمى التحالف الدولي لمواجهة الارهاب، فان هذه الكلمات تحمل وستحمل في مضمونها ابعادا استراتيجية مهمة، وستشكل بالطبع منعطفا حساسا في ما ستؤول اليه الامور في الشرق، خاصة في سوريا والمحيط .
التسوية السياسية
اصبح واضحا ان الاستراتيجية الروسية ثابتة لناحية السير بتسوية سلمية سياسية بين كافة الاطراف، وخاصة الاطراف المسلحة التي تواجهت مع الجيش العربي السوري، طبعا باستثناء داعش ومن استثنى نفسه على الاقل من مبدأ التسوية (النصرة و ملحقاتها)، وهذه الاستراتيجية يؤكدها اليوم الرئيس بوتين وهو متوافق مع الرئيس الاسد في ذلك بالرغم من تقدم الجيش العربي السوري بمواجهة جميع المجموعات المسلحة وفي كافة المحافظات، وحيث لم يكن الجيش الاخير ولا الوحدات الروسية تستغل التقدم الميداني في كافة المراحل لفرض شروط، تُكرِه من خلالها المجموعات المسلحة على التفاوض ، تتعزز اليوم هذه الاستراتيجية اكثر وبرعاية وبضمانة من الرئيس الروسي شخصيا .
القوات الروسية باقية في سوريا لمساندة الجيش السوري
رفع القدرات القتالية
بالمبدأ، كانت دائما احدى المهمات الرئيسة ذات الاولوية بالنسبة لروسيا هي تعزيز قدرات الجيش السوري لكي يتمكن من تحقيق اهدافه بنفسه، ولكن ما يميز اشارة الرئيس بوتين الى ذلك الان، هو ان هذه القدرات المقصود تعزيزها اليوم لا تختص فقط بمواجهة المسلحين الارهابيين او غيرهم، فهذا تقريبا قد تحقق والميدان يثبت ذلك يوما بعد يوم، انما هي تختص بتعزيز تلك القدرات لمواجهة الاخطار الحساسة الناتجة عن المواجهة التي اصبحت مباشرة مع الوحدات الاميركية المنخرطة في الحرب على سوريا، ومنها طبعا لمواجهة القاذفات الاميركية التي استهدفت الوحدات العسكرية السورية والحليفة لها في الشرق لاكثر من مرة، والتي كانت تتقدم لاستعادة سيطرتها على مواقع يشغلها الارهابيون داخل الاراضي الخاضعة للسيادة السورية، كما يفترض القانون الدولي وشرعة الامم المتحدة، وحيث اعتبر الروس وفي تصريح رسمي واضح ان ذلك بمثابة اعتداء اميركي، فان المنطق والحق والقانون يفترض تعزيز القدرات العسكرية السورية للدفاع عن نفسها ضد كل اعتداء على ارضها، وطبعا ضد القاذفات الاميركية .
ايضاً، لا يمكن إغفال تصويب الرئيس بوتين في اشارته لتعزيز القدرات العسكرية السورية عن هذا التعزيز بمواجهة الارهابيين، والذين يستفيدون من دعم وتجهيز اميركي واضح، ليس اقله صواريخ تاو المضادة للدبابات والتي ستستهدف بالطبع مدرعات الجيش السوري قبل استهدافها مدرعات داعش، أو منظومة المدفعية الصاروخية ذات الحركية العالية (هيمارس) والتي يدعون انها أُدخِلت الى منطقة التنف بحجة محاربة داعش في الرقة، في الوقت الذي لا يغطي مدى الرمي الخاص فيها جنوب الرقة انطلاقا من البقعة التي تم نشرها فيها حاليا، بينما اهدافها الفعلية ستكون طبعا الوحدات السورية والحليفة التي هي مُصِرّة على التقدم الى كافة النقاط الحدودية العراقية – السورية، ضمنا معبر التنف المذكور والمعروف، وحيث قد بدأت ترى الوحدات الاميركية ان معاودة استعمال القاذفات الجوية لاستهداف الوحدات المتقدمة نحو الحدود اصبح دونه تقييدات وعقبات عسكرية ودولية، خاصة بعد التحذير الواضح لتلك الوحدات الجوية من قبل محور حلفاء سوريا، والذين لديهم تجربة سابقة في استهداف ومواجهة الاميركيين في المنطقة .
التمركز في حميميم وطرطوس
أيضا، لا يمكن المرور مرور الكرام على عبارة الرئيس بوتين حين قال بالحرف : "لكي نتمكن بعد ذلك من الانسحاب بهدوء الى مراكز المرابطة في حميميم وفي قاعدة طرطوس، ولنتيح للقوات السورية فرصة العمل بفعالية وتحقيق اهدافها المرجوة"، فلذلك دلالات استراتيجية حساسة:
أولا: ان القواعد المذكورة اصبحت ثابتة حتى اشعار آخر، بمعزل عن انتهاء الازمة السورية وسلوك التسوية السياسية والانتصار على الارهاب
وثانيا: إتاحة الفرصة للقوات السورية للعمل بفعالية وتحقيق اهدافها المرجوة، والتي هي طبعا بالنسبة للدولة السورية معروفة وثابتة وهي: فرض السيادة على كامل اراضي الجمهورية العربية السورية دون تقسيم او تفتيت او تجزئة، وحماية الأرض والأجواء والمياه من كل اعتداء او تواجد غريب، ضمنا الاميركي وغيره، غير الحائز على موافقة سورية شرعية .
واخيرا ... انها بالنهاية استراتيجية اقل ما يقال فيها انها اكتملت تقريبا او هي على طريق الاكتمال، طبعا بدعم ومساندة روسية قوية و واضحة، عسكرياً وديبلوماسياً ودوليا، ولكن انها استراتيجية فُرضت فرضاً بصمود ابطال الجيش العربي السوري وحلفائه، وبفضل شهدائهم الكثر والذين ما بخلوا بقطرة دم واحدة في سبيل ذلك، في معركة بطولة وصمود، لن ينساها التاريخ ابدا.
شارل أبي نادر - عميد متقاعد - المنار