كلمة المُعجَم تعني كل قائمة تجمع كلمات في لغة ما، على نسق منطقي ما، وتهدف إلى ربط كل كلمة منها بمعناها، وإيضاح علاقتها بمدلولها ، اسمه مشتق من فعل ( أعجَمَ )، أي أزال العُجمة. والمُعْجَم كتاب يشتمل على عدد كبير من مفردات اللغة، مرتبة ترتيبا معينا، مقرونة بطريقة نطقها وشرحها وتفسير معانيها، سنتعرف -مشاهدينا- في هذه الحلقة، على بعض المعاجم المتوفرة في المكتبة العربية والفارسية، وطرق الاستفادة منها. ولكن في البداية تعالوا نلقي نظرة على تاريخ ومراحل ظهور المعاجم العربية ...
كان الهاجس الاول للاهتمام بالمفردات العربية وجمعها وتصنيفها، هو معرفة مفردات القرآن الكريم، وقد اهتم العرب والفرس منذ النصف الاول من القرن الثاني الهجري بتدوين غريب القرآن، فصنَّف ابو سعيد أبان بن تغلب (المتوفي عام 141ه.ق) اول كتاب ذكره المؤرخون في هذا الموضوع.
وأشهر كتاب تناول مفردات القرآن الكريم بالشرح والتوضيح هو كتاب «المفردات في غريب القرآن» للراغب الاصفهاني «المتوفي عام 502ه.ق»، الذي ترجم الى الفارسية، وطبع في طهران مراراً. ومثلما صنَّف العلماء في غريب القرآن ومعاني مفرداته، صنَّفوا في غريب الحديث النبوي الشريف تصانيف و مؤلفات عديدة ، أمثال ابو عبيدة «المتوفى عام 224ه.ق)، وابن قتيبة «المتوفى عام 276ه.ق». و جار اللّه الزمخشري «المتوفي عام 548 ه.ق» صاحب كتاب الفائق في غريب الحديث، الذي يعد بحق أغزر الكتب مادة و شمولا. ثم جاء ابن الاثير «المتوفي عام 606 ه.ق» فألَّف كتابه الموسوم بالنهاية في غريب الحديث والاثر، فأكمل ما فات سالفيه، وأوضح ما استغلق.
وهكذا بدأت حركة التأليف المعجمية واتسعت، وظهرت معاجم خاصة بالنباتات والحيوانات، واخرى تخص البلدان والاماكن الاعلام، مثل: معجم البلدان، ومعجم الادباء لياقوت الحموي. واهتموا ايضاً بالصفات والأفعال، ووضعوا كتباً فيها. حتي أن ظهرت في القرن الثاني من الهجرة أول دراسة معجمية عن المفردات العربية، وهي كتاب العين للخليل ابن احمد الفراهيدي «المتوفى عام 175 ه.ق»، وتلته معاجم اللغة المختلفة مثل كتاب الجمهرة لأبن دريد «المتوفى عام 321 ه.ق»، وكتاب التهذيب للازهري «المتوفى عام 370 ه.ق»، وكتاب مقاييس اللغة لابن فارس «المتوفى عام 395 ه.ق»، وكتاب الصحاح للجوهري «المتوفى عام 400 ه.ق»، وكتاب المحكم لإبن سيدة «المتوفى عام 458 ه.ق»، وكتاب أساس البلاغة لجار اللّه الزمخشري «المتوفى عام 538 ه.ق»، وكتاب القاموس المحيط للفيروزآبادي «المتوفى عام 817 ه.ق».
وفي العصر الحديث ظهرت معاجم لغوية عديدة مثل: «المعجم الكامل، والوسيط والموجز»، اصدرها مجمع اللغة العربية في القاهرة، ثم كتاب اقرب الموارد لسعيد الخوري الشرتوني، وقد طبع في مدينة قم المقدسة بالأفسيت عام 1403 ه.ق. والمنجد في اللغة للويس معلوف، ومنجد الطلاب، ومعجم لاروس،و معجم الرائد. وقد ترجمت هذه المعاجم الثلاثة الاخيرة الي اللغة الفارسية، كذلك القاموس العصري تأليف إلياس انطوان الذي ترجمه الي الفارسية سيد مصطفى طباطبائي، وقاموس المصطلحات السياسية، تأليف جمال بركات الذي ترجمه الى الفارسية الدكتور فيروز حريرتشي والدكتور صادق آئينه وند، وقاموس المصطلحات الفارسية والعربية . واخيراً صدر معجم المصطلحات المعاصرة «فرهنگ اصطلاحات معاصر» تأليف نجف علي ميرزائي وتدقيق الاستاذين ياسين صلواتي والدكتور سيد احمد امام زاده .
ترجع أهمية المعاجم إلى أنها تحمل العديد من ألفاظ اللغة ومعانيها، وهذا ما لا يمكن أن يحيط به أي شخص مهما كان واسع الاطلاع، كما ان مفردات اللغة تختلف بين أبنائها بحسب ثقافتهم، فهناك الكلمات التي تستخدم بشكل عامي ويومي، وهناك الكلمات الأدبية والكلمات المتخصصة، كما أن الاحتكاك والتداخل مع اللغات الأخرى تحت أي ظرف، يولد مفردات جديدة لم تكن في أصل اللغة، و يمكن الجزم بأنه لا توجد لغة حية في عصرنا الحاضر إلا وقد استعارت مفردات من لغات أخرى.
فكان لابد من وجود المعاجم لأجل ترتيب وتصنيف مفردات اللغة وتبيين معانيها في أسلوب سهل وميسر على أبناء اللغة نفسها، وعلى من يحب ان يستفيد منها من أصحاب اللغات الاخرى .
من اشهر المعاجم الفارسية القديمة معجم لغة الفرس لأبي منصور الاسدي الطوسي «المتوفى عام 465 ه.ق»، ثم معجم صحاح الفرس لشمس الدين محمد نخجواني «المتوفى عام 776 ه.ق»، كذلك معجم جهانغيري «فرهنگ جهانگيري» تأليف ميرجمال الدين حسين الشيرازي و هو من مشاهير علماء الهند، الذي انتهى من تأليفه عام 1017 ه.ق. ومعجم «البرهان القاطع» تأليف محمد حسين التبريزي المعروف بالبرهان، وقد ألَّفه عام 1062 ه.ق في حيدرآباد . ومعجم آنندراج «فرهنگ آنندراج»، صنَّفه محمد بادشاه عام 1307 ه.ق، وضمَّنه المفردات الفارسية والعربية. ويعد معجم البرهان القاطع من المعاجم المهمة إذ تم تصنيفه حسب الحرف الاول من كل كلمة.
و في العصر الحديث، ظهرت معاجم عديدة تناولت مفردات ومصطلحات الفارسية وأعلامها، وما دخلها من العربية، واللغات الاخري. واشهر هذه المعاجم واوسعها معجم العالم الأديب الإيراني علي أكبر دهخدا، الذي عرف بإسم مصنفه «لغتنامه دهخدا أي معجم ألفاظ دهخدا» . و على هذا المنوال يبرز في الأوساط الأدبية و العلمية الإيرانية معجم الدكتور معين «فرهنگ معين»، ومعجم الاستاذ حسن عميد «فرهنگ عميد».
وظهر في عام 1351 ه.ش معجم فارسي عربي من تاليف العلامة الشيخ احمد النجفي مؤسس دار العلوم العربية في طهران، يحمل عنوان «القاموس الفريد في العصر الجديد» وهو معجم للغة الفارسية ومصطلحاتها القديمة والحديثة، مع التشكيل والتعريب، وما يعادلها في اللغة العربية. وظهر ايضاً المعجم الصحفي «فرهنگ مطبوعاتي»، تأليف الدكتور احمد رنجبر والدكتور ابو القاسم سهيلي، صدر عن مؤسسة النشر في وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي بطهران.
وفي بعض الاقطار العربية، ظهرت معاجم فارسية عربية مثل: المعجم الذهبي «فرهنگ طلائي»، والمعجم الفارسي الموجز، للدكتور محمد التونجي استاذ جامعة حلب، ومعجم اللغة الفارسية للدكتور عبد المنعم محمد حسنين، استاذ جامعة القاهرة، ومعجم الفارسية للدكتور ابراهيم الدسوقي شتا استاذ اللغة الفارسية في جامعات مصر، بقي أن نُشير الي معجم عربيٍ فارسيٍّ منظوم، مؤلفه أبو نصر فراهي، كان يدرس حتى اوائل القرن الحالي في الكتاتيب والمدارس الدينية في ايران، وقد نظمه شعرا ليسهل حفظه.
تختلف طرق الاستفادة من المعاجم اللغوية تبعاً لاختلاف ترتيب مفرداتها، فبعضها قد رتّب حسب الحرف الأخير من الكلمة، وبعضها الآخر وفقاً للحرف الاول، ومعاجم رتّبت مفرداتها حسب جذورها الاصلية.
رتبت معظم المعاجم العربية على اساس من اصول المفردات ثلاثية كانت أو رباعية . فتم ترتيبها في المعاجم تارة وفق الحرف الاخير من الكلمة، و تارة وفق الحرف الأول للكلمة. ويلزم المترجم الذي يروم الاستفادة من هذه المعاجم أن يعرف خلاصة عن علم الصرف والاشتقاق ليميّز أصول الكلمات ومشتقاتها، فمثلاً لاستخراج معني «بحَّاثة» من قاموس المنجد وامثاله، يقتضي ان يعرف المترجم أن هذه الكلمة هي صيغة المبالغة على وزن «فعَّالة»، وأصلها «بحث»، لذلك فانه يراجع الى حرف الباء الذي يليه الحاء والثاء. أما المعاجم المرتَّبة حسب الحرف الاخير من الكلمة، فان «بحَّاثة» يبحث عنها في حرف الثاء «بَحْث»، ذلك لان التاء القصيرة علامة المبالغة وليست من الحروف الاصلية للكلمة. كذلك بالنسبة لكلمة «استغفار»، فحروفها الاصلية هي «غفر»، لذلك يلزم في امثال قاموس المنجد، البحث عنها في حرف الغين وفي امثال معجم لسان العرب، يبحث عنها في حرف الراء، أما في المعاجم التي اعتمدت الكلمة لا أصلها في الترتيب مثل معجم الرائد ، فيمكن العثور عليها في حرف الهمزة.