من مظاهر شغف الشعراء والادباء الفرس وتأثّرهم بالشعر العربي نظمهم الشعر باللغة العربية في ثنايا شعرهم الفارسي وهو ما عُرِف بالملمّعات , والذي يُعدّ لوناً فنياً جديداَ من الوان الشعر عندهم.
والملمّعات إحدى فنون النظم عند الفرس وهي منظومات شعرية ينظمها الشاعر باللغتين العربية والفارسية وهي نوعان :
النوع الآوّل : وهو أن يجعل الشاعر البيت الآول من منظومته باللغة الفارسية والبيت الثاني باللغة العربية ويستمر على هذا المنوال حتى آخر المنظومة .
النوع الثاني : وهو أن يجعل الشاعر الشطر الآول من منظومته بالفارسية والثاني باللغة العربية ثم يجعل الثالث بالعربية والرابع بالفارسية وهكذا , ويجعل صدور الآبيات من منظومته باللغة الفارسيّة وأعجازها بالعربيّة , وهذا مظهر من مظاهر تأثير الشعر العربي في الشعر الفارسي .
وهناك نوع ثالث لكنه قليل الاستفادة والاستخدام وهو انه لايراعي الشاعر الأسلوبين المذكورين ، بل يأتي بالابيات العربية أثناء الفارسية دون ترتيب خاص .
وهذا الفن من الابداع يعرّفه لنا اشهر رجال الادب الفارسي المختصين في هذا المجال وهو الشاعر المعروف رشيد الدين الوطواط حيث يقول .... الملمع هو ان تكون بجعل احد مصراعي البيت من الشعر عربياً والآخر فارسياً , كما يجوز فيها ان يكون احد الابيات عربياً والآخر فارسياً او ان يكونا بيتين بالعربية ثم بيتين آخرين بالفارسية او ان تجعل عشرة ابيات بالعربية ثم عشرة اخرى بالفارسية ومثاله في ذلك :
خداوندا تو را در كامراني هزاران سال بادا زندكاني
وقاك الله نائبة الليالي وصانك من ملمّات الزمان
ومن الملمعات قول الشاعر جلال الدين الرومي:
جملة كفتند أي حكيم باخبر الحذر دع ليس يغني من قدر
ومن الملمعات ايضاً قول الشاعر مولوي الذي يبدأ قصيدته ويختمها ببيت بالعربية
نثرنا في ربيع الوصل بالوردِ حنانينا فنعم الزوج والفردِ
زروين باغ وعبهرمى توان كرد ززلفت مشك وعنبر مى توان كرد
ومن ذلك قول الشاعر مولوي:
كفتم از عشق توناجيز شدم كفت :نعم انا بحر وسعير انت كملح وخشب
وقد جعل الشاعر سعدي الشيرازي ذلك التلميع مرة في صدر البيت واخرى في عجزه كما في قوله :
يا غريب الحسن رفقاً للغريب خون درويشان مريزاي محتشم
كرنكرد ستي بخونم بنجه تيز ما لذاك الكف مخضوباً بدم
قد ملكت القلب ملكاً دائماً خواهي اكنون عدل كن خواهى ستم
اذن فقد كثر ذلك التضمين في الشعر الفارسي حتى اصبح اثرا بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسي .
يعود ظهور الملمع الفارسي الى أواخر القرن الثالث الهجري أي بدايات الشعر الفارسي الدريّ ، ولعل الولادة الناضجة للشعر الملمع تعود الى إتقان الشعراء الفرس الأوئل للغة والشعر العربي ، لكنهم انصرفوا عن قولهم الشعر العربي لظهور بلاطات فارسية .
يجب ان نعترف بأن فن الملمع من إبداعات الشعراء الفرس المتضلعين بالادبين العربي والفارسي ، فيتبع الملمع عادة ً النظام الوزني الفارسي مع الاتكاء على الاساس المشترك لذلك ، فالملمعات المنظومة على الايقاعات الناتجة عن تكرار التفعيلات تبدو صبغة فارسية في طول الوزن والجوازات الوزينة .
ثم ازدهر الملمع على يد شعراء من الطراز الاول بعد القرن الخامس الهجري ، ولاسيما الصوفيين الكبار كالشاعر السنائي الغزنوي وجلال الدين الرومي المشهور بالمولوي وعبد الرحمن الجامي ، كما اهتم بهذا الفن أغلب الشعراء الكبار مثل سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي .
ففن الملمع في الأدب الفارسي فن رفيع جداً ، لإقبال الشعراء الكبار عليه وانتاج كم كبير من الملمعات ، خلاف الملمع العربي الذي غفل عنه الشعراء العرب المشهورون .
ومن أشهر الشعراء الفرس الذين نظموا الملمّعات سعديّ الشيرازي وسنائي الغزنوي وحافظ الشيرازي وغيرهم من الشعراء الكبار . وفيما يأتي نماذج من الملمّعات توضّح لنا شغف الشعراء الفرس بنظم الشعر العربي .
قال الشاعر سنائي الغزنوي
گفتم آز عشق تو هرگز نرهم گفت که لا انت في مائي وناري كتراب وحطب
گفتم آز زلف ترکی گيرم در دست بگفت ادفع الدرهم خذ منه عناقيد رطب
گفتم إین وصل تو بی رنج نمى یابم گفت لن تنالو الطرب الدائم من غير كرب
گفتم إی جان پدر رنج همى بینم گفت يا أبي جوهر روح تنجت ان تعب
گفتم آو را چو فقيرم چکنم گفت لنا هبة الشيخ من الفقر غناء وسبب
اما الشاعر الفارسي الكبير ( حافظ الشيرازي) فله ابيات في الغزل نظمها في فن الملمع .. جدير بالذكر ان حافظ الشيرازي هو شمس الدين محمد بن بهاء الدين ولد في مدينة شيراز في الربع الأول من القرن الثامن الهجري ومات في المدينة نفسها عام 971 هجرية لقب بالحافظ لحفظه القرآن الكريم ... اما ابياته في الملمع :
ألا يا أيها الساقي أدر كاساً وناولها كه عشق آسان نمود أول ولي أفتاد مشكلها
حضوري گرهمی خواهي أز وغايب مشو حافظ متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وأهملها
وترجمة الاشطر الفارسية :
ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها فإن العشق بدا سهلا في البداية ثم وقعت المشاكل
فإن ترد حضوره يا حافظ فلا تغب عنه متى ما تلق من تهوى دع الدنيا واهملها
قال الشاعر الفارسی الکبیر سعدي الشيرازي في إحدى ملمّعاته :
آفتابست آن پري رخ يا ملايك يا بشر قامتست آن يا قيامت يا ألف يا نيشكر
هدّ صبري ما تولى رد عقلي ماثنا صاد قلبي ما تمشى زاد وجدي ما غبر
گلبن است آن ياتن نازك نهاوش ياحرير آهنست آن يا دل مهربانش يا حجر
تهت والمطلوب عندي كيف حالي إن رأى جرت والمأمول نحوي ما احتيالي إن هجر
باغ فردوست گلبرگش بخوانم يا بهتر جان شيرين است خورشيدش بگديم يا قمر
قل لمن يبغي فرارمنه هل لي سلوة أم على التقدير أني ابتغي أين المفر
وهذه القصيدة من النوع الاول من الملمعات حيث جعل الشاعر البيت الاول باللغة الفارسية والثاني بالعربية وهكذا بقية أبيات القصيدة .
قال سعدي الشيرازي في إحدى ملمعاته الغزلية
وقتها يكدم نيا سودي تنم قال مولائي بطرفي لا أنم
أسقياني ودعاني افتضح عشق ومستوري نيا ميزد بهم
ما بمسكيني سلاح انداخيتم لا تحلوا قتل من ألقى السلم
يا غريب الحسن رفقا بالغريب خون درويشان مريز اي محتشم
گرنگر دستي نجونم پنجه تيز ما لذاك الكف مخضوبا بدم
وهذه القصيدة من النوع الثاني من الملمعات.
نستنج مما تقدم هو ان الملمع في الادب الفارسي يختلف عن تعريفه عند العرب ، فالملمع في الأدب الفارسي هو شعر منظوم باللغتين الفارسية والعربية .
ومن أهم الاسباب في نجاح الملمع هو أساس النظام الوزني المشترك بين الشعر الفارسي والعربي ، لان كلا النظامين يعتمدان على كمية المقاطع ويندرجان في الانظمة الكمية .
مع ان الملمع يعتمد على اساس وزني واحد في كلا النظامين فهو يصطبغ بصبغة فارسية لانه يتبع النظام الفارسي في الخصائص الوزنية كطول البيت الشعري حيث يتناسق مع الذوق الفارسي السائد على الملمعات عادة .
وأخيراً يمكننا القول ان الملمعات فن يثبت مدى التلاحم الموجود بين الشعر الفارسي والعربي ، بحيث يكون الشاعر قادراً على انتاج أدبي باللغتين الفارسية والعربية ، دون ان يمسهما بسوء ، لا من الناحية الادبية ولا من الناحية اللغوية ..فلذلك اعتبرنا فن الملمع حلقة وصل بين الشعر الفارسي والشعر العربي .