الانذار شديد اللهجة الذي وجهه الرئيس الامريكي دونالد ترامب مساء الجمعة الى دولة قطر وطالبها فيه “بالتوقف فورا عن دعم الارهاب وتمويله”، وقوله “ان قطر قامت تاريخيا بتمويل الارهاب على مستوى عال جدا”، هذا الانذار يوحي بأن الولايات المتحدة انضمت الى التحالف الرباعي السعودي الاماراتي المصري البحريني، بل تولت قيادته، مثلما يؤكد ايضا ان خطوات حصار قطر وخنقها اقتصاديا جاءت بموافقة رسمية امريكية عليا مسبقة.
انه “انذار حرب” امريكي على دولة قطر، فعندما يقول الرئيس ترامب في مؤتمره الصحافي الذي عقده مع نظيره الروماني في البيت الابيض “قررت مع وزير الخارجية ريكس تيرلسون، وكبار الجنرالات في المؤسسة العسكرية ان الوقت حان لدعوة قطر الى التوقف عن تمويل الارهاب فورا”، فليس هناك اوضح من ذلك في هذا الاطار.
الرئيس ترامب لجأ الى هذا الموقف المتصلب بعد ساعتين فقط من تصريحات وزير خارجيته تيرلسون التي اتخذت طابع التهدئة، عندما ناشد السعودية والامارات والبحرين ومصر بتخفيض الحصار على قطر وشعبها لانه يلحق ضررا بالعمليات العسكرية الامريكية ضد داعش الى جانب اضراره الانسانية.
هذا الموقف الامريكي المتصلب جاء، في اعتقادنا، ردا على رفض الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعوة الرئيس ترامب له ولاطراف الازمة التوجه الى واشنطن للبحث عن حلول للازمة، وعلل الامير تميم هذا الرفض بأنه لا يغادر بلاده وهي ما زالت تحت الحصار، الامر الذي اغضب الرئيس الامريكي، الذي يتصرف كإمبراطور ويعتقد ان اوامره لا ترفض.
الامير تميم لا يثق بالادارة الامريكية، ويخشى ان تكون هذه الدعوة مجرد مصيدة له، لابقائه هناك، ومنعه من العودة، وغزو قطر من قبل قوات سعودية واماراتية لدعم انقلاب داخلي يغير النظام، وينصب اميرا جديدا من الجناح الآخر من اسرة آل ثاني الحاكمة، ومن غير المستبعد ان تلعب القوات الامريكية في قاعدة “العيديد” (10 آلاف جندي) دورا داعما في هذا المخطط.
كان لافتا ان الرئيس ترامب تبنى بالكامل، اثناء حضوره قمم الرياض الثلاث، السياسة الخارجية السعودية الاماراتية التي تجعل من ايران رأس حربة الارهاب في المنطقة، ومساندة خطواتهما في قطع العلاقات مع قطر، واغلاق الحدود البرية والبحرية واغلاق الاجواء معها، باعتبارها حليفة لايران، وداعمة للارهاب، حسب وجهة نظر الحلف الجديد.
توجيه الرئيس ترامب لجنرالات الجيش الامريكي، مثلما جاء في مؤتمره الصحافي، بإتخاذ خطوات عملية لاجبار قطر على التوقف عن تمويل الارهاب، يؤكد ان الخيارات امام دولة قطر باتت محدودة جدا، فإما ان تقبل بالشروط العشر التي تطالب بتنفيذها السعودية وحلفاؤها فورا، وفي غضون 24 ساعة، والا عليها مواجهة العواقب المترتبة على هذا الرفض، والجنرالات يتواجدون في قاعدة العيديد ايضا.
طرد القطريين، وبطريقة قاسية، من دول الخليج الثلاث، السعودية والامارات والبحرين، واغلاق الحدود وقطع العلاقات هو “اعلان حرب”، ونسف لصيغة مجلس التعاون بصورتها الحالية، وتبني الرئيس ترامب لهذه الخطوات يعني اجهاض حلف “الناتو العربي الاسلامي” بالصيغة المطروحة في قمم الرياض، وارتكازه فقط على دول التحالف العربي الخليجي الجديد ضد دولة قطر، فإن تصدر دولة الامارات والسعودية والبحرين قوانين تجرم كل من يتعاطف مع قطر على وسائل التواصل الاجتماعي بالسجن 15 عاما، وغرامات تصل الى مليون دولار، فهذا يعني ان كل الاحاديث عن الاخوة الخليجية والروابط المشتركة تبخرت الى الابد، ومعها قيم حقوق الانسان، مثلما قالت مجلة “الايكونوميست” البريطانية الشهيرة في افتتاحية عددها الاخير الصادر الجمعة.
قطر اعلنت انها لن تستسلم للوصاية واجراءات الخنق والحصار، ولن تغير سياساتها الخارجية بالتالي، وبدأت تلجأ الى دعم وحماية اصدقائها في انقرة وطهران، الامر الذي قد يدفع خصومها لاتخاذ خطوات اكثر صرامة وعدوانية ضدها، كأن تمنع مصر مرور صادراتها عبر قناة السويس مثلا.
قطر تملك اوراقا في يدها في المقابل مثل اغلاق انبوب الغاز القطري الى الامارات، وابعاد حوالي 200 الف من العمالة المصرية المقيمة فيها، ولكنها اكدت انها لن تلجأ الى مثل هذه الخطوات، وقالت ان العمالة المصرية لن تمس، والغاز القطري سيستمر في التدفق اليها.
توقعنا تفاقم خطورة الازمة في بداياتها الاولى، ونتوقع اليوم المزيد من التصعيد، خاصة بعد حالة الاكتئاب التي اصيب بها الشيخ صباح الاحمد، امير الكويت، بسبب فشل وساطته، وعدم تجاوب كل الاطراف معها.
عندما يدخل ترامب وجنرالاته في الازمة، ويوجه اليهم اوامره بالتحرك لمنع قطر من دعم الارهاب، فإن علينا توقع الاسوأ، والاسوأ في هذه الحالة ربما يكون الحل العسكري، وتغيير النظام، وهذا يعني اشتعال المنطقة جزئيا او كليا، والايام بيننا.