تأتي هذه الزيارة في سياق تشجيع الإدارة الأميركية للكيان الاسرائيلي على اتخاذ مزيد من الخطوات العدوانية ضد حزب الله وسورية.
وبدلت إدارة ترامب سياسة واشنطن في المنطقة من الحوار مع إيران، خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إلى احتوائها، ودحر نفوذها الإقليمي، وهناك ثلاث مناطق تشكل محاور الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال إيران: البادية الشامية، العراق، جنوب سورية.
وأوجز ترامب وهو في الاراضي المحتلة سياسة إدارته حيال إيران، بالقول: "الأهم هو أن تعلن الولايات المتحدة وإسرائيل بصوت واحد أنه يتعين عدم السماح لإيران على الإطلاق بامتلاك سلاح نووي، وأن عليها وقف تمويل وتدريب وتسليح الإرهابيين والميليشيات وأن تتوقف عن ذلك على الفور". وإذ كانت "إسرائيل" قد رفضت سياسة الحوار مع إيران التي اتبعها أوباما، فإنها بالمثل ترفض سياسة المواجهة مع إيران التي يبشر بها ترامب.
ويعتقد كبار مسؤولي إدارة ترامب، بأن أحد أركان المواجهة مع إيران، هو حرب تشنها "إسرائيل" على حزب الله في جنوب لبنان، ما يهدد الحزب بالحرب على جبهتين، الداخل السوري والجنوب اللبناني، إلا أن الحكومة الإسرائيلية تخشى من أن يتورط جيشها في حرب على جبهتين، في حال هاجم جنوب لبنان، إذ قد تعمد دمشق إلى فتح جبهة الجولان دعماً لحزب الله.
وللولايات المتحدة مصلحة أكيدة في تصعيد التوتر في جنوب لبنان، والذي من شأنه أن يغل يدي حزب الله ويحد حركته ويعرقل مشاركته في معارك البادية الشامية ومحيط تدمر.
وفي البادية الشامية تتواجه الاستراتيجية الأميركية الجديدة، مع مساعي سورية لوصل طريق بري بينهما عبر العراق من خلال دحر تنظيم "داعش" عن الحدود السورية العراقية.
وفي المقابل، تتبنى سلطات الاحتلال مقاربة تركز على ضرب حزب الله بـتنظيمي جبهة النصرة و"داعش" الإرهابيين، وهو لا يريد لمقاتليه المشاركين في معارك شرق سورية أن يرتدوا إلى جنوب سورية ولبنان.
تريد واشنطن مواجهة إيران عبر تحالف عربي إسرائيلي مشروط بإحياء عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وضغط ترامب بشدة على الإسرائيليين لملاقاة السعودية في منتصف الطريق فيما يتعلق بالمبادرة العربية للسلام لعام 2002.
ولم يتمكن الرئيس ترامب من منع نفسه من الإشارة إلى أن بعض الدول العربية باتت أقرب إلى "إسرائيل" ولم تعد ترى فيها عدواً، وفي تصريحات علنية خلال اجتماع مع نظيره الإسرائيلي، قال ترامب: «ما حدث مع إيران قرب كثيراً من أجزاء الشرق الأوسط من إسرائيل»، وأردف: «يمكنكم القول إن هذه إحدى الفوائد، إن كان هناك فوائد في الأمر، لأنني لمست مثل هذا الشعور المختلف حيال إسرائيل من دول، كما تعرفون، لم تكن لديها مشاعر طيبة نحو إسرائيل منذ وقت ليس ببعيد».
وفي إيماءة تطبيع فائقة الدلالات سمحت السعودية لطائرة الرئيس الأميركي بالتوجه مباشرة من مطار الرياض إلى مطار بن غورين الإسرائيلي، وقال ترامب في كلمة موجزة بعد وصوله: «خلال سفري في الأيام القليلة الماضية وجدت أسباباً جديدة للأمل»، وتابع: «أمامنا فرصة نادرة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام لهذه المنطقة ولشعوبها وهزيمة الإرهاب وبناء مستقبل يسوده الانسجام والرخاء والسلام لكن لا يمكن أن يتحقق ذلك سوى بالعمل معا، وما من سبيل آخر».
في المقابل، يرى الإسرائيليون أن السعودية مضطرة للتحالف معها، وخصوصاً في ضوء خوفها من إيران وتزايد نفوذها الإقليمي، وهي لا تريد دفع ثمن غير ضروري، عبر القضية الفلسطينية، لتحالف كهذا.
ومن نافلة القول: إن بعض المسؤولين في عدد من الدول العربية سيكونوا سعداء بضربة إسرائيلية على حزب الله في جنوب لبنان، وهم لن ينتظروا الإسرائيليين كثيراً كي يقدموا على هذه الخطوة.
وأخيراً، يرى الإسرائيليون أن الجهود الأميركية للقضاء على "داعش" تمثل نهجاً غير بناء فيما يتعلق بأمن المنطقة، فهم يعتبرون أن الخطر على المنطقة لا ينبع من تنظيم "داعش" بل من إيران وحلفائها الإقليميين، ولذلك، يستغربون مساعي واشنطن للقضاء على التنظيم وذلك عوض تركه يقاتل الإيرانيين وحلفائهم، في سياسة من شأنها تكرار الموقف الأميركي خلال الحرب المفروضة على إيران في ثمانينيات القرن الماضي، عندما تركت واشنطن العراق وايران تتصارعان لثماني سنوات.
مع ذلك، وكلما اقتربت الأزمة السورية من نهايتها، كان على "إسرائيل" أن تجاوب على أهم سؤال وهو: مستقبل حزب الله اللبناني ودوره الإقليمي؟ هكذا يظهر أن عدم التوافق الإسرائيلي الأميركي لا يتعلق فعلياً بجوهر استراتيجية ترامب المعادية لإيران، بل بتوقيت تنفيذ خطواتها.
على هذا السؤال ستتركز جميع المباحثات الإسرائيلية الأميركية من الآن فصاعداً.
*أنس وهيب الكردي / صحيفة الوطن السورية