هذه هي أمنية المملكة العربية السعودية وغرضها الرئيسي، أن تصبح قلب العالم العربي النابض، وأن تكون الرياض عاصمة منطقة الشرق الأوسط، كما يصبح للسعودية دور قيادي يقصده الكثير من حكام العرب، وتصبح كل دول الخليج الفارسي محافظات أو مدن أو حتى موانئ تابعة للمملكة العربية السعودية.
أدرك الكثير من المحللين الموضوعيين وأصحاب الأقلام في الفترة الأخيرة أن السعودية تحاول جادة عازمة النية أن تسيطر على العالم العربي بذرائع مختلفة بما في ذلك مجابهة الإرهاب الأسود المتمثل في داعش والقاعدة، والذي عملت هي بالذات على صنعه واستعماله في الهجوم على البلدان العربية التي لا تخضع أمام سياساتها التوسعية والعدائية عسكرياً واقتصادياً كما فعلت مع اليمن.
ومع توجه زعماء الدول العربية إلى المملكة العربية السعودية والخضوع لمركزية الرياض يتضح لنا الأمر أكثر من قبل، إذ تصبح جميع الحدود الجغرافية الموجودة بين هذه البلدان والأعلام والأناشيد الوطنية عديمة الاعتبار، إذ لم يعترف ترامب بهذه البلدان كدول مستقلة فلن يزور زعماء هذه الدول في عواصمهم بل دعاهم إلى الرياض التي يعتبرها عاصمة العالم العربي، كما أنه يعتبر المملكة العربية السعودية زعيمة كل منطقة الشرق الأوسط.
والسؤال هنا: هل هذا لائق بالشعوب العربية عامة وبالشعب المصري خاصة أن يعامل بلده كتابع لآل ابن عبدالعزيز وأن يلتقي رئيس البلد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط برئيس الولايات المتحدة الأمريكية في عاصمة بلد آخر؟!.
بعض الأصوات الغربية الأكثر عقلانية تدرك أن السعودية كانت ولا تزال حليفا صادقا وموثوقا منذ أكثر من سبعة عقود للغرب (ليتنازل هذا الحليف عن قيمه الدينية وثوابته العروبية)، لهذا فإن الحفاظ عليه ودعمه في إخضاع الشعوب العربية الأخرى وجعلها تابعة له قد يكون أمراً واجب الوجود، لذا بدأت أميركا في دعمها لحليفها ذاك بشكل واسع على الأصعدة الاقتصادية والعسكرية إذ نفذت في المجال العسكري المزيد من الضربات الجوية هذا العام في اليمن عما كانت عليه في عهد باراك أوباما في عام 2016، كما اقترب المسؤولون الأميركيون من الموافقة على بيع “ذخائر موجهة بدقة” إلى المملكة العربية السعودية كانت محظورة في عهد أوباما، وفي المجال الاقتصادي نرى أن شركة “أرامكو” اشترت مصفاة “بورت آرثر” النفطية في ولاية تكساس الأميركية بنسبة 100 بالمئة، لتكون بذلك أكبر مصفاة في أميركا الشمالية (أي في الولايات المتحدة وكندا معاً) قد أصبحت تحت سيطرة وتحكم الشركة السعودية “وهو ما يعزز وصولها إلى سوق الطاقة الأميركي المربح في هذا الوقت الحرج”، في إشارة واضحة إلى مدى تفهم إدارة ترامب لضرورة وجود السعودية لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط.
لكن الأمر الذي يجب أن يدركه العالم العربي هو أن واشنطن بسياساتها البراغماتية لن تمانع في إشعال الخليج الفارسي بمواجهات عسكرية تستخدمها كمبرر لتواجدها في الخليج الفارسي وأداة لتحقيق مصالحها وتوطيد السيادة الإسرائيلة في الشرق الأوسط وتضعيف الدول الاسلامية، الأمر الذي لا ولن تدركه السلطات السعودية أبدا، إذ أنها لا تساوي إلا قطعة من قطع الشطرنج التي تحركها الولايات المتحدة كيفما شاءت ومتي ما شاءت.
الأمر الثاني الذي يجب ألا نغفل عنه هو أن المحطة الثانية التي يقصدها ترمب بعد الرياض هي تل أبيب، وهو أمر ذو ارتباط وثيق بزيارته للرياض والتقائه بحكام السعودية وزعماء الدول والحكومات العربية؛ إذ أن الكل يعلم أن لآل سعود بوساطة أو دون وساطة علاقات عميقة مع السلطات الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى الكثير من الحكومات العربية قد سلمت زمام أمورها إلى الرياض، وأن الرياض في العقدين الأخيرين بالأخص سلمت زمام أمورها إلى واشنطن، كما أن بعد تجربة الرياض الأخيرة والناجحة في الاستيلاء على تيران وصنافير لصالح إسرائيل هذه قد تكون أفضل هدية من ترامب لتل أبيب أن يقدم لها ملكية العالم العربي بقيادة الرياض.