ولكن المؤسف أن هذا الإعلام لا يعالج هذه الانتخابات من مختلف زواياها وأبعادها، وقد يكون السبب (إذا أحسنا الظن) أن هذا الإعلام إنما يهتم بهذا الحدث لأهميته السياسية لدولة باتت عالمية أو على الأقل إقليمية النفوذ، دون الأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والديمقراطي لكيفية إجراء هذه الانتخابات، وما هي المقدمات التي يجب أن تسبق عملية الاقتراع الشعبي المباشر.
في هذا المقال سنسعى للإضاءة على واحدة من مقدمات الانتخابات الرئاسية ونترك للقارئ استخلاص حقيقة النموذج الإسلامي الإيراني للديمقراطية. المناظرات التي تجمع مختلف المرشحين وجها لوجه في إستديو واحد ليتمكن المرشحون من عرض أفكارهم وبرامجهم الانتخابية أمام الشعب الإيراني وعلى الهواء مباشرة.
وللإشارة تقوم الهيئة المشرفة على الانتخابات، بتحديد أيام محددة للمناظرات كما تحدد أوقات للمرشحين لعرض برامجهم من خلال وسائل الإعلام المحلية وبالتساوي، فتُقسم الأوقات بين المرشحين المختلفين ليستفيدوا من هذه الفرصة فيقدموا برامجهم وخططهم بالتفصيل على الملأ، كما يقدموا الوعود الانتخابية لشرائح الشعب الإيراني وعادة ما يقوم المرشحون بتقسيم هذه البرامج إلى عناوين مرتبطة بفئات الشعب العمرية والجنسية إضافة إلى عناوين مرتبطة بمواضيع اقتصادية واجتماعية وسياسية ليتمكن المواطن من المقايسة بين مختلف المرشحين من خلال ما يقدمونه من طروحات وبرامج.
المناظرات الرئاسية.. ساحة لتقديم البرامج وتلقي الانتقادات
المناظرات هي التحدي الأكبر للمرشحين، ولأسباب عدة نستخلصها من خلال عرض ضوابط وقوانين المناظرات. إضافة إلى سرد لمجريات المرحلة الأولى من المناظرات والتي تمت يوم الجمعة الفائت.
تقوم الهيئة المشرفة على الانتخابات بتحديد مواعيد محددة للمناظرات، يجب أن يلتزم المرشحون بها، وهي مناظرات تلفزيونية مباشرة، محددة العناوين، وفي هذه الانتخابات فقد حددت أيام ثلاث هي أيام الجمعة الثلاث التي تسبق الانتخابات (اختير الجمعة لأنه يوم عطلة، تأمينا لمشاهدة أكبر عدد من الشعب المناظرات) ومحاور المناظرات الثلاث على التوالي: المواضيع الجتماعية، السياسية ثم الاقتصادية.
أما عن مجريات المرحلة الأولى من المناظرات فبعد وصول المرشحين إلى مباني الإذاعة والتلفزيون الإيراني تم اختيار ترتيب جلوس المرشحين بالقرعة، ليتبوأ كل مقعده بانتظار الأسئلة التي لا يعرفها أي منهم.
بدأ الاختيار بالقرعة لأول مرشح عليه الوقوف والإجابة على سؤال سحب بالقرعة أيضا، يُعطى المرشح حق الإجابة في أربعة دقائق، من بعدها يُعطى لبقية المرشحين الحق بالنقد أو التعليق لمدة دقيقتين، ليعود الدور إلى المرشح وراء المنبر ليجيب عن أسئلة وانتقادات خصومه ويلخص برنامجه للموضوع والسؤال الذي طرح عليه في خمسة دقائق.
وهكذا استمرت القرعة حتى دارت على المرشحين الستة، وأجابوا على الأسئلة الستة وتعرضوا للانتقادات والتعليقات من قبل خصومهم فردا فردا.
بعد ذلك تم توجيه سؤال لكل مرشح عبر القرعة، وعلى المرشح أن يجيب بدقيقتين، وفي نهاية الجولة ورعاية للعدالة في توزيع الأوقات تم إعطاء المرشحين الذين تكلموا أقل من الآخرين الحق بالتكلم ليستفيدوا من بقية وقتهم المتاح لهم في القانون.
وهنا أجد من الجيد الإشارة إلى الأسئلة الأولى التي وجهت للمرشحين كافة كونها تعطي فكرة أوضح عن طبيعة الأسئلة وبالتالي تبين مستوى هذه المناظرات وحساسيتها في تقرير الناخب الإيراني وهي كالتالي:
ما هو برنامجك في أربع سنوات لإدارة ظاهرة الضواحي في المدن ومنع تفشي هذه الظاهرة؟
ما هو برنامجك لرفع مستوى العدالة الاجتماعية وخفض الفوارق الطبقية؟
ما هو حلك لمشكلة السكن، وخصوصا سكن الشباب المقبل على الزواج؟
ما هي العلل وراء المشاكل التي تواجه زواج الشباب، وما هي الحلول التي تقترحها؟
أخذا بعين الاعتبار المشاكل الخدماتية الموجودة في الإدارات، ما هي أهم برامج حكومتك لزيادة الإنتاجية وخفض البيروقراطية الإدارية؟
ما هي الحلول والبرنامج المؤثر الذي تقترحه في مواجهة المشاكل البيئية وبعض الظواهر المرتبطة كالغبار والتلوث؟
هذه الأسئلة وضعت المرشحين أمام تحديات واقعية ستواجههم في المستقبل في حال فوزهم، كما أنها وضعتهم أمام مقصلة منافسيهم في حال عرضوا برامج وإجابات ضعيفة. خلاصة القول إن الناخب الإيراني ليس ناخبا عاديا، فالحال في إيران ليست كما في بعض بل أغلب الدول العربية، في إيران لا يمكن أن ينجح المرشح دون تقديم برنامج يقنع الشعب بأنه الأفضل.
إذا أهمية هذه العملية هي إضافة إلى رعاية العدالة بين المرشحين في حق الاستفادة من الإعلام الوطني، هو السعي لتأمين الوعي الكامل لدى شرائح الشعب المختلفة حول كافة المرشحين، وبرامجهم الانتخابية وأسسهم التي بنوا عليها هذه البرامج، حيث أن النظام الإسلامي يجد نفسه معنيا ببناء الوعي المجتمعي إذا صح التعبير والهدف هو انتخاب الأصلح للرئاسة بين مختلف المرشحين عن دراية وتمحيص.