كما يحصل ومع كل انتخابات رئاسية تخوضها أي دولة تتمتع بدور بارز، توجهت الأنظار اليوم للإنتخابات الرئاسية التي تشهدها إيران. لكن الإعلام الغربي المبني على الأكاذيب والتي يبدو أنها باتت جزءاً من أهدافه في توجيهه للرأي العام، يحاول النيل من سمعة الجمهورية الإسلامية.
عبر محاولات فاشلة لإبراز مسار السباق الإنتخابي ضمن إطارٍ يُكمل المسار الطبيعي والتاريخي للغرب وأدواته، ويهدف لكسر المكانة التي تتمتع بها إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي. فكيف يمكن توصيف السباق الإنتخابي الإيراني بموضوعية؟ وما هو التقييم لذلك؟ وأين نجحت إيران حيث فشل الآخرون؟
كيف يمكن قراءة السباق الإنتخابي؟
من خلال مراقبة مجريات السباق الإنتخابي يمكن الخروج ببعض النتائج التوصيفية، والتي نُشير الیها في التالي:
أولاً: على الصعيد الإنتخابي العام، تشهد إيران كل أربع سنوات انتخابات رئاسة الجمهورية ونواب البرلمان وأعضاء المجالس البلدية٬ فيما يتم إجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة كل ثماني سنوات. وبحسب الإحصاءات الرسمية الإيرانية واحصاءات وكالات الأنباء العالمية، فإن الناخب الإيراني يتعاطى مع هذه الإنتخابات على اختلافها، بأنها انتخابات وطنية واستحقاق محلي مهم٬ حيث سجَّلت كافة الإنتخابات التي جرت نسبة تفوق الـ 60 % من المشاركة.
ثانياً: على الصعيد المُتعلق بالمواطن، فإن مراقبة مجريات الإنتخابات الحاصلة، ومثيلاتها السابقة، وتقييمها بشكل موضوعي، يُبرز وجود رؤى سياسية مختلفة بين المرشحين، تخص السياسة الداخلية. وهو ما يُعبِّر عن توفُّر حقوق المواطن المدنية والتي تتعلق بأحقية العمل السياسي وحرية الطروحات من جهة، وترك حرية الإنتخاب لدى المواطن من جهة أخرى. في حين يتعاطى الناخب الإيراني على أن الإنتخابات الرئاسية هي كغيرها من الإنتخابات، جزء يتعلق بحقه الذي يجب أن يُعبِّر عنه، وهو ما يتبيَّن من نسبة المشاركة وامتدادها الجغرافي على مساحة الوطن وصولاً الى المناطق الحدودية. فيما يمكن ملاحظة حجم التدفق للمشاركة بحملات المرشحين.
ثالثاً: من الناحية التنظيمية، تتميَّز الإنتخابات بالعديد من الخصائص والتي لا يتم ملاحظتها في أغلب الدول. حيث يتضمَّن التنافس بين المرشحين، حق جميع الأحزاب والمجموعات السياسية التابعة لها، انتقاد الأطراف الأخرى. في حين يحكم الإنتقاد لغة العقل والمنطق، ضمن سقف القانون والسياسيات المبدئية التي ترعاها مبادئ الثورة الإسلامية. في حين يُلاحظ حضارة في الحوار وقدرة على استيعاب الإنتقادات الأخرى ومناقشتها.
رابعاً: من الناحية الإعلامية، تختلف وتتفاوت الخطابات الإعلامية والتي تتعلق بكل مُرشَّح وماكينته الإنتخابية، لكنه يُلاحظ وجود وحدة في المبادئ الخطابية. حيث يُركِّز المرشحون على أهمية مراعاة مصالح الأمن القومي الإيراني كافة، والمحافظة على قوة الردع مقابل الأعداء، ونسج السياسات الخارجية على أساس مراعاة مصالح الشعوب، ودعمها في محاربة الإستكبار الذي تُمثله سياسة أمريكا وحلفاءها.
ما هو التقييم الموضوعي لذلك؟
يمكن تقييم مشهد السباق الرئاسي الإيراني كالتالي مع الأخذ بعين الإعتبار أن هذا التقييم يعود لجذور متعلقة بالنظام الإسلامي للدولة الإيرانية وهو ما سنوضحه:
أولاً: إن السباق الإنتخابي الإيراني وعلى الرغم من تميُّزه بالتعددية التنفيذية للسياسات، لم يخرج فيه خطاب المرشحين عن إطار العقل الموحَّد ثقافياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً والذي يُرسخه الوعي الذي تتصف به النُخب الإيرانية. في حين شهدت الإنتخابات التي أجرتها العديد من الدول، خروج خطاب المرشحين عن مبادئ الوحدة الوطنية وصولاً الى اتهامهم لبعضهم البعض بالعمالة والخيانة والتواصل مع سفارات الدول الأخرى. وهو ما يزال محلَّ تدوال هذه الدول نفسها، كأمريكا وفرنسا على سبيل المثال.
ثانياً: إن ملاحظة القراءة السابقة فيما يتعلق بالمرشحين وإدارتهم للسباق، يدل على أن الإختلافات في السياسات التنفيذية والتي تتعلق بالشؤون الداخلية هي اختلافات طبيعية تُظهر حجم التعددية والحرية التي لا يضمنها فقط النظام السياسي للجمهورية الإسلامية بل يحميها أيضاً. في حين يظهر جلياً وجود تناغم وانسجام في خطاب المرشحين المتعلق بالسياسة الخارجية. والذي يعني أن أي مرشّح يبلغ سدّة الرئاسة في الدورة الثانية عشر سيُساهم في تحقيق استمرار وثبات السياسة المبدئية لإيران تجاه شعوب المنطقة وأمام التحديات المختلفة والمتعددة. وهو ما يختلف عما يجري في الدول الأخرى التي يكون واضحاً فيها ومنذ بداية السباق الإنتخابي وجود خلاف وتباين بين المرشحين حول السياسة الخارجية، بل تدخل السياسة الخارجية في بازار الإنتخابات ورهاناتها!
ثالثاً: يجب مراعاة جذور الأمن الإجتماعي الذي تتميز به إيران كدولة حاضنة للنظام. الأمر الذي يُساهم في توفير كافة المتطلبات اللوجستية لحصول الإنتخابات على مساحة الوطن بأسره، لا سيما ما يختص بالشأن الأمني. حيث أن إيران، تقع ضمن جغرافيا سياسية فيها العديد من الدول التي تشهد نزاعات وحروب وتفتقد للإستقرار. لكن الدولة الإيرانية استطاعت الحفاظ على أمنها الوطني وتأمين كل مقومات النشاط السياسي الشعبي، وهو ما يُعتبر إنجازاً وتحدياً كبيراً بحد ذاته.
رابعاً: لم تكن سياسة الإبتزاز أو الإتهامات المتبادلة، سياسة المرشحين الإيرانيين في السباق الرئاسي. بل إن جميع الخطابات السياسية، تتفق على حصول العديد من الإنجازات، خلال الأعوام الماضية. فيما لا تخلو الخطابات من التقييم الموضوعي للسياسات السابقة واعتبار نتائج التقييم محطة انطلاق جديدة لأي مرشح قد يصل للرئاسة. وهو ما يختلف عما يجري في العديد من الدول التيي تُصبح فيها لغة الإبتزاز والإتهامات المتبادلة طاغية على الخطاب السياسي للمرشحين.
خامساً: فيما يخص التغطية الإعلامية، يُلاحظ وجود موضوعية في نقل مجريات السباق الإنتخابي. حيث أن المرشحين يتوزعون على كافة وسائل الإعلام وبشكل متساوي. وهو ما يضمنه النظام الإيراني الراعي لحقوق المرشحين ويراقب حُسن سيره وتطبيقه. حيث يتم تأمين فرص دعائية وإعلامية مساوية وعادلة. وهو ما يختلف عن الدول الأخرى، والتي نجد أن إعلامها كان مُتحيزاً لطرف دون آخر. حيث ضجَّت وسائل إعلام عالمية بالحديث عن حجم الدعم المالي الذي قام أحد المرشحين بتقديمه للإعلام من أجل مساندته في حملته الإنتخابية خلال السباق الإنتخابي الأمريكي على سبيل المثال.
إذن، يمكن القول أن إيران نجحت حيث فشل الآخرون. وهنا فإن المقارنة لم تكن لهدف المقارنة أو الإعتراف بالنماذج الغربية كمعيار، على قدر ما هدفت لتسليط الضوء على بعض الحقائق التي تُعبِر عن الديموقراطية والتي تجري في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، وتفتقده الدول التي تتغنى بالديموقراطية وتقدم نفسها على أنها مدرسة في ذلك!