بقلم الدكتور سومر صالح
ماتَت الديموقراطيَّة في تركيَّا يوم الاستفتاء على التعديلات الدستوريَّة، بعد أن أثخن فيها أردوغان مؤخراً بداعي الانقلاب، ومرضت الديموقراطية الوليدة في مصر سريعاً وغابت الحريات الإعلامية فيها كأحد متطلبات الديموقراطية، وفي لبنان نموذج توافقي لا يرقى إلى مستوى الديموقراطية الحقيقية بل المحاصصة الطائفية بلبوس ديموقراطي نأمل أن يتحول إلى ديموقراطية حقيقية، وفي إعلام الغرب يتم تصوير العدو الصهيوني على أنّه كيانٌ ديموقراطيٌّ والحقيقة أنّه ابارتيد وحشيّ قمعيّ استيطاني يدرك الغرب هذه الحقيقة ولكنّه يتجاهلها، أمّا دول الخليج {الفارسي} فهي صحراءٌ قاحلةٌ لحقوق الإنسان، في ظل أنظمةٍ مستوحاةٍ من القرون الوسطى تعدّ ينبوعاً للتطرف و الاستبداد، ومع ذلك فهي محطّ اهتمام الغرب ومديحه... تقودنا هذه المقاربة البسيطة إلى القول أنّ الشرق الأوسط لم ترق غالبية أنظمته بعد إلى مفاهيم الديموقراطية ومعاييرها، رغم التضحيات الجسام التي تُقدم من شعوب هذه المنطقة للتحرر الذاتي، والأسباب لذلك كثيرة وبعضها واقعيّ كالحرب التي تُشن على بعض دوله بداعي أنّها مارقةٌ وتُمول وتُدمر بجيوش من المرتزقة والإرهاب، وبعضها لأسبابٍ ذاتيةٍ تاريخيةٍ ومرتبطةٍ بنزعة السلطوية لدى نخبها السياسية... وفشل مجتمعاتها في التحكم في مستقبلها ومواردها لصالح سلطات احتكرت مفهوم القيادة وأصبحت سلطات أمرٍ واقع، والأنظمة المماثلة في "الشرق الأوسط" كثيرة من باكستان إلى مصر.. ناهيك عن الأيديولوجية الوهابية التي تُكفر الديموقراطية وتنتشر كالنار في الهشيم برضى أميركيّ تام لاستثمارها في تخريب "الشرق الأوسط" برمته.
وفي وسط هذه الأجواء من الاستبداد ونيران الحروب المشتعلة برز في المنطقة النموذج الإيراني في الممارسة السياسية، حيث يتم انتخاب الرئيس مباشرةً من قبل الشعب، كما أنّ قائد الثورة نفسه يُعين من قبل مجلس الخبراء المُنتخب ويُراقب المجلس أداءه ويعتبر هذا المجلس الهيئة الأساسية في النظام السياسي الإيراني الذي عهد إليه الدستور مهمة تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران ضمن شرط، بالإضافة الى إقامة انتخابات لمجلس النواب وانتخابات لمجالس البلديات على مستوى الجمهورية، وتقام المناظرات التلفزيونية أمام الجميع حتى يتسنى الاطلاع على برامج المرشحين، في نموذجٍ واضح المعايير الديموقراطية.. وهنا ننتقل الى القضية الأساسية إذا كان الغرب يتبجح بقيمه الديموقراطية ويدعي أنّه قام بحروب استباقية للإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية كصدام حسين في العراق ومعمر القذافي في ليبيا، فمن باب أولى أن يتم دعم النموذج الديموقراطي في إيران، وليس استهداف الجمهورية الإسلامية بكل أنواع الاستهداف الاقتصادي كما الحصار الخانق على الشعب الإيراني منذ العام 2006، تحت ذريعة القرار الدولي 1737، والاستهداف الطائفي عبر تأليب شعوب المنطقة "السنية" ضده مستخدمين الإعلام القذر الممول بذريعة تصدير الثورة، والاستهداف الدبلوماسي والتوتير العسكري...
أليس الغرب صانع نظرية السلام الديموقراطي التي تدعي أنّ الدول الديمقراطية لا تنشأ بينها حروب، فلماذا تستهدف إيران التي تشهد منذ العام 1979 نهضةً ديموقراطيةً علميةً حداثيةً تؤسس لحوار منفتح للحضارات والثقافات وحتى الأديان...؟ ببساطة وبداهة إنّها الصهيونية، فالعداء الإيراني للصهيونية العالمية وإغلاق السفارة "الإسرائيلية" في طهران التي افتتحت في عصر الشاه وفتح سفارة لفلسطين في طهران بعد إعلان انتصار الثورة الإسلامية 1979، ودعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين ودعم الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري الذي يحارب الإرهاب العالميّ التكفيريّ نيابةً عن شعوب العالم أجمع، هو السبب الحقيقي في الحرب على إيران وديموقراطيتها ونهضتها، في تناقض صارخٍ لما يدّعون أّنه قيمهم الليبرالية الديموقراطية..
و أمام هذا الواقع لابدّ من أن نستذكر بعض جوانب الحرب على الديموقراطية الإيرانية، ففي عام 2006، سنّ الكونغرس الأمريكي قانوناً يُدفع بموجبه مبلغ من المال يقدر بعشرة ملايين دولار إلى مجموعات معارضة للحكومة الإيرانية لافتعال أزمات داخلية كان أبرزها ما حدث من مظاهرات محدودة في انتخابات (2009/2010)، ولكن الشعب الإيراني كان متيقظاً للمؤامرة الأميركية، وحالياً تقوم أدوات النظام الأميركي في المنطقة وخصوصاً السعودية بمحاولة تصدير أزماتهم الداخلية وفشل حروبهم في اليمن وضعف موقفهم في البحرين بمحاولة التشويش على الانتخابات الإيرانية عبر تصريحات عديمة الخبرة لوزير الدفاع السعودي ضد الجمهورية الإسلامية والتلويح باستخدام مجموعات عرقية في الداخل الإيراني لزعزعة الاستقرار السياسي التي تعيشه إيران، ولكن دائماً يقظة الشعب الإيراني كفيلةٌ بإفشال المخطط الوهابي بالوكالة عن الأميركي، والذي عبّر عنه ذراع الإرهاب في المخابرات السعودية الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق في مؤتمر باريس لما سمي المعارضة الإيرانية 9 يوليو/تموز/2016.
في الختام الديموقراطية نظامٌ يُبنى تدريجاً ولا يتم استيراده حال توافرت الإرادة، ويُبنى ويصحح نفسه وفق الخبرات التاريخية والتجارب السياسية للمجتمعات في إطار المعطيات السياسية التاريخية التي يعيش فيها هذا المجتمع، وكما نجح المجتمع الإيراني ببلوغ عتبة الدول النووية السلمية وتحقيق نهضةٍ تصنيعيةٍ رائدة، فهو قادر على اثبات تجربته الديموقراطية في المنطقة وتعزيز معاييرها والحفاظ عليها باعتبارها مكتسبات نفيسة للشعب الإيراني، و19 الشهر الجاري سيكون موعد الشعب الإيراني مع تجربته الديموقراطية الانتخابية في اختيار من يراه كفؤاً لقيادة سفينة البلاد نحو شاطئ الأمان في بحر شرق أوسطي تتلاطمه أمواج التصعيد والفتنة وتهب عليه رياح الديكتاتوريات السلفية الوهابية.
المصدر: وكالة تسنيم