الشاعر الفارسي (جلال الدين الرومي ) وآثاره العربيّة

الإثنين 8 مايو 2017 - 07:17 بتوقيت غرينتش
الشاعر الفارسي (جلال الدين الرومي ) وآثاره العربيّة

قد تستغرب إذا عرفت بأن الشاعر الفارسي المعروف صاحب الطريقة الصوفية التي تعُرفت باسم "المولوية" نسبة إلى "جلال الدين الرومي" المعروف في الأوساط الأدبية الفارسية بـ ( المولوي ) لديه اشعار وآثار ادبية قد كتبها باللغة العربية.

فليس من الغريب أن ينشد شاعر كجلال الدين الرومي أشعاراً باللغة العربيّة، وتتجلّى عبقريّته مرّة أخرى بلسان عربي؛ لأنّه كان يعرف القرآن ويفهم معانيه وهو الذي درس القرآن الكريم ودرس تفسيره عند الأساتذة الكبار، وأيضاً كان لديه العلم بالأحاديث النبوي‍ّة.

عند دراسة آثار المولوي بالعربية يتضح لنا مستوى تمكنه من اللغة العربيّة، وعلمه الواسع بها. فلقد خلّف لنا هذا الشاعر الكبير في الشعر والنثر آثاراً بالعربيّة ، وذلك بسبب انتماء مولانا إلى الحضارة الإسلامية فإنه يرى اللغة العربية لغته الحضارية رغم أن لغته الأدبية فارسية. وحاول بلورة ذلك الانتماء في نثر عربي وشعر عربي نجده في آثاره المختلفة. ورغم أن شعره لم يكن يرقى إلى مستوى الشعر الفارسي، لكنه يمثل قيمة حضارية، كما يمثل قيمة ثقافية بمزجها بين أعظم لغتين في الحضارة الإسلامية إلا وهي العربية والفارسية.

عاش جلال الدين البلخي المعروف بـ (الرومي)، والملقب بـ”مولانا”، ما بين (604هـجرية الى 672هـجرية) في عصر التحول في الشرق الإسلامي وهو القرن السابع الهجري. ولد في “بلخ” في خراسان التي عرف عنها بأنها مدينة العلم والعلماء، والتي كانت تشكَّل مركزًا مهمًا من مراكز التصوف الإسلامي،. توفي في قونية. يقال إنه لقب بـ “مولانا” بعد وفاته عن 68 عامًا، وهو اللقب الذي اختاره له مريدوه الذين ينسبون إليه الطريقة “المولوية”.

عاش جلال الدين مع ابيه في فارس مدة لم تزد عن ثلاثة سنوات، انتقل بعدها الى بغداد ولم يكن الطفل قد بلغ الثالثة من عمره، وذلك بسبب خلاف بسيط دب بين أبيه والوالي " خوارزم شاه".

وفي بغداد نزل أبوه في المدرسة المستنصرية الشهيرة، ولكنه لم يستقر بها طويلاً؛ إذ قام برحلة واسعة زار خلالها "دمشق" و"مكة" و"ملسطية" ثم استقر آخر الأمر في "قونية" في عام 632هجرية، حيث وجد الحماية والرعاية في كنف الأمير السلجوقي "علاء الدين قبقباذ".

وبعد استقرار أسرته  تم اختيار الاب للتدريس في أربع مدارس بـ"قونية"، وكان جلال الدين في هذه الاثناء قد أصبح شابا، ثم توفي أباه في سنة 638 هجرية، فتم اختيار ابنه جلال الدين ليخلفه في هذا المنصب، وكانت هذه هي بداية عمله بالتدريس وهي المهنة التي كان لها اكبر الاثر في إثراء الجانب الشعري من شخصيته .

وخلال عمله بالتدريس اشتهر "جلال الدين" بالبراعة في الفقه وغيرها من العلوم الإسلامية، وبالرغم من كل هذه المميزات التي تجعله من اشهر أساتذة عصره إلا أنه لم يستمر كثيراً في التدريس؛ فقد كان للقائه بالصوفي المعروف "شمس الدين التبريزي" أعظم الأثر في حياته الفكرية والأدبية؛ فمنذ أن التقى به انصرف "جلال الدين" بعد هذا اللقاء عن التدريس، وانقطع للتصوف ونظم الأشعار وإنشادها، وأنشأ طريقة صوفية عُرفت باسم "المولوية".

اهتم "جلال الدين الرومي" بالرياضة وسماع الموسيقى، وجعل للموسيقى مكانة خاصة في محافل تلك الطريقة، وما درجت عليه الطرق الصوفية ومدارس التصوف.

امتاز جلال الدين الرومي بدعوته إلى التسامح، وبأفكاره الدينية المرنة، خلّف تركة غنية من المؤلفات الصوفية والأشعار والتي كتبها بلغته الأم “الفارسية” وترجمت لاحقًا إلى لغات عديدة. وهي التي كان لها تأثير عظيم وانتشار واسع في العالم، وخصوصًا العالم الإسلامي، وقد صُنَّف الرومي بأنه أكثر شعراء العالم شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لما لأعماله من أثر واسع وعميق.

اتسم شعر "جلال الدين الرومي" بالنزعة الصوفية الخالصة؛ فقد كان شعره أدباً صوفيّاً كاملا، له كل المقومات الأدبية، وليس مجرد تدفق شعوري قوي، أو فوران عاطفي جياش يعبر به عن نفسه في بضعة أبيات كغيره من الشعراء، وإنما كان شعره يتميز بتنوع المخيلات وأصالتها، ويتجلى فيه عمق الشعور ورصانة الأفكار، مع سعة العلم وجلال التصوير وروعة البيان.

كانت هذه الشخصية الفذة بارعة في كثير من العلوم ولكن القسط الاكبر كان للشعر نظرا للتوجه الصوفي الذي سلكه الرومي، وقد ترك جلال الدين الرومي الكثير من المؤلفات التي أثرت المكتبات العربية على مر العصور بالكثير من المعلومات الادبية والتاريخية والدينية ومن أهم هذه المؤلفات الرائعة التاريخية التي تسمى بـ "المثنوي": وقد نظمه في ستة مجلدات ضخمة تشتمل على (25649) بيتاً من الشعر، وقد تُرجم إلى العربية، وطُبع عدة مرات، كما تُرجم إلى التركية وكثير من اللغات الغربية، وعليه شروح كثيرة، وهو كتاب ذو مكانة خاصة عنده ، وله ديوان شهير اسمه " شمس تبريزي ": ويشتمل على غزليات صوفية، وقد نظمه نظماً التزم فيه ببحور العروض .

أدخل المولوي ضمن نطاق المثنوي وديوان شمس التبريزي بيتاً أو أبياتاً باللغة العربيّة. وأمّا المقطوعات العربيّة التي نظمها مولوي غزلاً فهي أكثر من ألف بيت.

على الرغم من أنّ المولوي لم تكن لغته الأصليّة العربيّة، إلاّ أنّه نظم أشعاراً باللغة العربيّة . وإن كانت لاترقى الى شعره الفارسي أدباً . ومن يقرأ المثنوي وديوانه، ثمّ يقارن بين أشعاره بالفارسيّة والعربيّة يرى المستوى الرفيع في شعره فارسي، ولا يلقى مثل هذا المستوى شعره العربيّ. وهذا الأمر يدلّ على أنّه لم يكن متمكّناً من نظم الأشعار بالعربيّة. كما كان متمكّناً من نظم الأشعار بالفارسيّة.

وحول السبب الذي دعا جلال الدين الرومي إلى نظم الأشعار بالعربيّة فإننا لا نعرف شيئاً عن قصده من نظم هذه الأبيات بالعربيّة بالتحديد؛ لأنّه لم يشر هو، ولا مريدوه ولا أحد من شرّاح المثنوي أو ديوان شمس الدين التبريزي إلى هذا الموضوع. لهذا لسنا ندري هل قصد شاعرنا أن تُدوّن عنه هذه الغزلّيات العربيّة، وهل أخذها مأخذ الجدّ، أم أنّه نظمها ليترنّم بها أتباعه ممن كانوا لا يحسنون الفارسيّة، وفي الوقت ذاته، لا يتقنون العربيّة الفصحى.

والشيء الذي يلفت النظر هو أنّ المولوي كان عاشقاً للقرآن الكريم والأحاديث النبويّة، يتضح ذلك من مكانة الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة في آثاره. فظهور الأشعار العربيّة لدى شاعر إسلامي كمولوي ليس غريباً.

والسبب الآخر هو أن شاعرنا المولوي عاش لفترة طويلة في الشام، فمن الطبيعي أن تؤثّر هذه البيئة عليه وعلى أدبه ، وأن توجد فيه الرغبة في أن يتحدّث مع الناس بلغتهم، وينقل إليهم آراءه وأفكاره الدينيّة والعلميّة؛ والظاهر أنّ اللهجة الغالبة عليه كانت لهجة شامية .

ثمّة ألوان جميلة في الشعر الفارسي تتمثّل في "الشعر الذي يختلط فيه الشعر العربي بالشعر الفارسي، ويعرف عند الفرس بالمُلَمَّع". ويأتي الشاعر مرّة في أشعاره ببيت فارسي وآخر عربي في المقطوعة الشعريّة، وهذا النوع عند الشاعر المولوي كثير، سيّما في ديوان شمس التبريزي، وأحياناً يأتي الشاعر في أشعاره بشطر فارسي وبآخر عربيّ وهو في البيت الواحد. والنوع الأوّل نحـو:

منم آن بنده مخلص كه ازآن روزكه زادم

دل وجان را زتو ديدم وجان رابه تودادم

كَتَبَ العِشقُ بأنّي بهَوى العاشقِ أعلــمْ

فـــإليـهِ نَتَراجَـع وَإليــه نتحــاكَـــمْ

من حيث الشكل لو أمعنّا النظر في أشعار جلال الدين بالعربيّة فسيتبيّن لنا كأنّه فكّر بالفارسيّة، ولكنّه نظم بالعربيّة، أو بعبارة أخرى فإنّ عباراته وألفاظه كانت باللغة العربيّة لكن بعيدة عن أسلوب الشعر العربي وخصائصه.

وأمّا شعر جلال الدين الرومي من حيث علم النحو فهو مُتحرّرُ من قيود النحو، إلى حدّ لا يسمح به الشعر العربي في صورته الفصحى. كما أنّ الشاعر يتبع في أوزانه طريقة النظم عند الفرس، من حيث عدد التفعيلات في البيت الواحد.

والظاهر أنّ المولوي ابتعد عن بنية الشعر العربيّ لا سيما من ناحية العروض.

اقتبس المولوي جلال الدين الرومي ثلاثة أبيات مزدوجة من شعر الحلاّج وهي:

أُقتُلُوني أُقُتُلوني يا ثِقــات إنّ فـي قَتلي حياتاً فـي حَيـــات

يا مُنيرَ الخَدِّ يا رُوحَ البَقــا اجتَذِبْ رُوحي وجُدْ لـي باللِّقــا

لي حَبيبٌ حُبُّهُ يشوي الحَشا لَو يشا يَمْشي على عَيْني مَشى

وبالطبع فإنّ المولوي قد تصرّف في هذه الأبيات. وهنا يتحدّث عن العشق، كما يتحدّث دائماً في أشعاره بالفارسيّة. ويحكي عن عشقه لله سبحانه وتعالى، ويقول إنّ العاشق وإن تاب فإنه يظل عاشقاً، حتى لو سيق إلى المشنقة. ويعتقد أن في هذا القتل تكون الحياة الأبدية الخالدة.

والجدير بالذكر أنّ المولوي له رباعيّات باللغة العربيّة أيضاً، منها:

"الخَمْرُ من الزّقِ ينُاديك تعالْ

قرباً وصفاء وسبقنا الأحـــوالْ

واقطَعْ لوصالنا جميع الأشغالْ

كي تعيقَ بالنجدةِ روحُ الأعمالْ

يبدو أنّ الباحثين الفرس والعرب المعاصرين، لم يهتموا اهتماماً جادّاً بآثار جلال الدين الرومي العربيّة نثراً وشعراً. وقد يكون سبب عدم اهتمام الفرس والعرب في الماضي وعصرنا الحاضر بالأدب الفارسي المنثور والمنظوم بالعربيّة للمولوي جلاد الدين الرومي ، لشهرة منظومة المثنوي وغزليّات شمس التبريزي بين الفرس والعرب. فلذلك نسي الباحثون والناقدون آثاره العربيّة.

 

تصنيف :