خلال الأسبوع الماضي، وبشكل غير ملحوظ لكل العالم، أحرزت قوات سوريا الحكومية انتصارين كبيرين، يمكن مقارنتهما استراتيجيا باستعادة تدمر. ويسمح تكوين شكل الجبهة الجديد بتسمية هدف دمشق التالي الكبير وهو محافظة إدلب، التي كانت مسرحا للفضيحة الكيميائية. لكن أسباب البهجة لا تقف عند هذا الحد.
فقد بدأ كل شيء في الجنوب-الغربي على الحدود مع لبنان، حيث وعلى مدى عدة سنوات، أحكمت مجموعات "جهادية" مختلفة سيطرتها على مساحة كبيرة جدا بالمعايير المحلية من الأرض. أما الآن فتحولت بعد اتفاق محدد إلى سيطرة دمشق. وبهذا، يكون قسم كبير من المسلحين قد غادر المنطقة من دمشق إلى مرتفعات الجولان والحدود اللبنانية إلى إدلب، كما جرت عليه العادة.
وبقيت في هذا الاتجاه نقطتان سكنيتان غير كبيرتين على مقربة من الحدود، لم تتمكن السلطات السورية من الاتفاق بشأنهما. هاتان البلدتان قاومتا الحصار، وحولهما كان يعلو صخب المنظمات الدولية. لكن الجبهة الجنوبية-الغربية قد انتهى وجودها بصورة عامة، رغم أن الخطر على هذا الاتجاه بقي مخيما فقط على مدينة درعا وعدد من القرى الشركسية الواقعة في مرتفعات الجولان.
وهذه العملية، التي انتهت من دون إطلاق نار تقريبا، لم تجذب اهتمام المجتمع الدولي. أما العملية في شمال محافظة حماة، فأثارت من جديد موجة من السخط في وسائل الإعلام، التي اعتمدت المبدأ المعروف "الأسد يقصف المستشفيات"، ولكن الأمر جرى كالتالي:
تمكن خط جبهة "الجهاديين"، الذي جعل من بلدة اللطامنة الكبيرة نسبيا ركيزة أساسية له، من الصمود أمام كل محاولات الاختراق على مدى فترة طويلة من الزمن. وتبرز أهمية هذا المقطع من جبهات القتال في السهول، التي تقع شمال مدينة حماة، حيث تنفتح عبرها الطريق إلى إدلب، متجاوزة بذلك المناطق الجبلية الصعبة غربَ محافظة اللاذقية؛ ما يسهل ويسرع في تقدم القوات الحكومية إلى محافظة إدلب.
وهكذا، في يوم الجمعة الماضي 20/04/ 2017، وبوتيرة سريعة قطعت القوات الحكومية الجزء الأبرز من "نتوء خط جبهة" المسلحين، وحتى يوم الاثنين أصبحت طلائع قوات الجيش السوري على بعد كيلومترين من بلدة اللطامنة، ونجم عن ذلك انهيار فوري في خطوط دفاعات المسلحين، التي كانت قادرة على الصمود في وجه كل الاختراقات على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن مسلحي "جبهة النصرة" وأحرار الشام" أظهروا شيئا من الانضباط، وتمكن قادتهم العسكريون من رؤية الكارثة المحدقة، فسحبوا مقاتليهم إلى عمق نتوء خط بلدة اللطامنة لتجنب الوقوع في طوق حصار قوات الجيش السوري.
وأيا كان الأمر، فإن المسلحين في الوقت الراهن يعانون نقصا في القوى البشرية، واضطروا إلى التراجع مجبرين من أجل إنقاذ ما تبقى لديهم، ومحاولة إنشاء جبهة جديدة في اللطامنة، والانتقال إلى الدفاع الثابت. ولكن، ما دام الجيش السوري متفوقا في هذا القطاع من الجبهة في كل الجوانب - بدءا من العديد وانتهاء بالعدة - فان استحداث المسلحين خطا قتاليا جديدا، لن يؤدي إلا إلى تعريض رؤوسهم لمطرقة الجيش من جديد.
هذا، وعلى الرغم من أن المجموعات المسلحة تبذل جل ما في وسعها وعلى وجه السرعة لتشكيل وحدات جديدة من الاحتياط في محافظة إدلب، للزج بها في المعركة شمالَ حماة، فإن الواقع يعكس حقيقة أن الاحتياطيات الممكنة لـ "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" قد تلاشت بعد سحقها في غارات الطيران الحربي السوري والروسي خلال شهر أبريل/نيسان الجاري. ولهذا يمكن الاستنتاج بأن الفرص، التي بقيت متاحة أمام المسلحين على هذا الاتجاه، ضئيلة جدا أيضا.
وفي ظل هذا الترتيب لشكل الجبهة، فان كل ما يسمى الجبهة الجنوبية "للجهاديين" و "المعتدلين" قد ينهار في مساحة أوسع مما هو عليه فقط في "جيب اللطامنة"، ليشمل على سبيل المثال بلدة معان المسيحية وغيرها. وبأي حال من الأحوال، يعني ذلك عسكريا أن الجيش الحكومي السوري أوجد خطرا حقيقيا يهدد المعقل الرئيس للمسلحين - إدلب. وبتعبير آخر، حدث الشيء، الذي تحدث عنه الكثيرون بعد تحرير حلب. وهو - هل ستصبح إدلب الهدف الرئيس لهجوم الجيش الرسمي السوري؟ والإجابة عليه من أرض الواقع تقول – نعم. والطريق باتت شبه مفتوحة أمامه إلى هناك.
وبطبيعة الحال، هذه التطورات كان من الصعب أن تمضي من دون إثارة زوبعة عاطفية جديدة لدى المعارضين الغربيين للرئيس الأسد أيا كانوا، ولا سيما أنه أصبح الآن ممكنا، وبواسطة العين المجردة، معاينة الهزيمة الاستراتيجية لمسلحي المعارضة بوضوح كامل. وباعتبار أنها لا تبدو جلية كما كانت لدى تحرير حلب، فإنهم عادوا هنا إلى تكرار المقولة الرتيبة حول أن "الأسد يقصف المستشفيات" رغم عدم وجودها هناك بالمرة.