ولد الشاعر أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نؤاس في مدينة الأهواز  جنوب غربي إيران سنة 139 هـجرية من أم وأب فارسييّن. بعد هزيمة مروان في معركة الزاب الأعلى، انتقلت أسرة الشاعر من مدينة الأهواز في إيران إلى مدينة البصرة في العراق ، والطفل أبو نؤاس في السادسة من عمره، وما لبث أن مات أبوهُ، فأسلمته أمه إلى الكتاب فحفظ القرآن الكريم وكثيراً  من الشعر وعندما شب أخذ يذهب الى حلقات الدرس يستمع الى اللغّويين والرّواة ويأخذ عنهم، وعندما أيفع وجهتهُ امه إلى العمل في حانوت عطار أجيراً يبري عيدان الطيب وحين آلت الخلافة إلى بني العباس، انتقل من البصرة إلى الكوفة، ولم تذكر لنا كتب التاريخ سبب ذلك، غير أنه التقى ( والبة بن الحباب الأسدي الكوفي ) أحد الشعراء اللامعين في ميدان التهتك، فعني به والبة أي عناية، إذ عمل على تأديبهِ وتخريجهِ. وصحب جماعةً من الشعراء كمطيع بن إياس وحماد عجرد. ثم انتقل إلى بادية بني أسد فأقام فيهم سنةً كاملةً آخذاً اللغة من منابعها الأصيلة. ثم عاد إلى البصرة وتلقى العلم على يد علمائها أدباً وشعراً.

وما كاد أبو نواس يبلغ الثلاثين، حتى ملك ناصية اللغة والأدب، وأطل على العلوم الإسلامية المختلفة، من فقه وحديث، ومعرفة بأحكام القرآن، وبصرَ بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وما أن تم لابن هاني هذا القدر من المعرفة حتى طمح ببصره إلى بغداد، عاصمة الخلافة، ومحط آمال الشعراء.

ولم يقتصر طلبه العلم على الشعر والأدب بل كان يدرس الفقه والحديث والتفسير حتى قال فيه ابن المعتز في كتابه ’طبقات الشعراء‘ : "كان أبو نواس عالماً فقيهاً عارفاً بالأحكام والفتيا، بصيراً بالاختلاف، صاحب حفظٍ ونظرٍ ومعرفةٍ بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه."

وله أبيات في مدح أهل البيت عليهم السلام يقول فيها :

 مطهرون نقيات ثيابهم                          تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا

من لم يكن علويا حين تنسبه              فما له في قديم الدهر مفتخر

والله لما برا خلقا فأتقنه                       صفاكم واصطفاكم أيها البشر

فأنتم الملأ الأعلى وعندكم                 علم الكتاب وما تأتي به السور

لم يلبث أبو نواسٍ أن توفي في عام 199هـجري قبل أن يدخل المأمون بغداد، وقد أختلف في مكان وفاته أهي في السجن أم في دار إسماعيل بن نوبخت. وقد أختلف كذلك في سبب وفاته وقيل إن إسماعيل هذا قد سمهُ تخلصاً من سلاطة لسانهِ.  

 وقد رآه بعض أصحابه في المنام فقال له‏:‏ ما فعل الله بك ‏؟‏ فقال‏:‏ غفر لي بأبيات قلتها

وهي تحت وسادتي فجاؤوا فوجدوها برقعة في خطه‏:‏

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة                 فلقد علمت بأن عفوك أعظم

أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً              فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم

إن كان لا يرجوك إلا محسن                فبمن يلوذ ويستجير المجرم

مالي إليك وسيلة إلا الرجا                             وجميل عفوك ثم أني مسلم

من قول أبى نواس حين قربت اليه الوفاة :

اِلهِي لَسْتُ لِلْفِرْدَوْسِ اَهلاً               وَ لاَ اَقْوَي عَلَي النَّارِ الْجَحِيْمِ

فَهَبْ لِي تَوْبَةً وَ اغْفِرْ ذُنُوْبِي                    فَاِنَّكَ غَافِرُ الذَنْبِ الْعَظِيْمِ

وَ عَامِّلْنِي مُعامَلةً الْكَرِيْمِ            وَ ثَبِّتْنِي عَلَي النَّهْج الْقَوِيْمِ

إلّهَنَا مَا أعدَلَك                مَلِيكَ كُلِ مَن مَلَك

لَبَيكَ قَد لَبَيتُ لَك                   لَبَيك لَا شَرِيكَ لَكَ

وَالَليلِ لَمَا أَنحلَك              والسَابِحَاَت فيِ الفَلَك

عَلَى مَجَارِىِ المَنسَلَك                  مَا خَابَ عَبدٌ أَمَّلَك

أَنتَ لَه حَيثُ سَلَك             لَولَاكَ يَا رَبِ هَلَك

كُلِ نَبِى وَمَلَك                يَا مُخطِئاً مَاأعقَلَك

عَجِل وَبَارِز أَجَلَك              وَاختِم بِخَيرٍ عَمَلَك

لَبَيكَ إن الحَمدَ لَك                  وَالعِز لَا شَرِيكَ لَك

ذُنُوْبِي مِثْلُ اَعْدَادِ الرِّمَالِ              فَهَبْ لِي تَوْبَةً يَا ذَاالْجَلالِ

وَ عُمْرِي نَاقِصٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ                    وَ ذَنْبِي زَائِدٌ كَيْفَ احْتِمَالِي

اِلهِي عبْدُكَ الْعَاصِي اٰتَاك                   مُقِرًّا بِالذُّنُوْبِ وَ قَدْ دَ عَاكَ

اِنْ تَغْفِرْ وَ اَنْتَ لِذاكَ اَهْلٌ             وَ ِانْ تَطرُدْ فَمَنْ نَرْجُو سِواكَ