جاء نفوذ المفردات الفارسية الى متن العربية منذ العصر الجاهلي ، بل منذ ان اتصل الفرس في عصور سحيقة موغلة في القدم ، فقد نقلت الى العربية في العصر الجاهلي الكثير من الالفاظ الفارسية بسبب العامل التجاري خاصة .
وتتصل الالفاظ التي نقلها العرب الى لغتهم ببعض ماكانوا يستجلبونه من الاشياء التي لم تكن عندهم وببعض ماكانوا يشاهدونه في بلاد فارس ما لا عهد لهم به كالفاظ المسك والمرجان وإقليد كما نقلت وعرّبت أسماء بعض الاطعمة ، كالفالوج ، والالبسة كالديباج ، والاستبرق والسروال وغيرها ، وذكر طائفة منها الثعالبي في كتابه ( فقه اللغة وأسرار العربية) . اشتد النقل من الفارسية بعد أن انظمت بلاد فارس الى الدولة الاسلامية إثر الفتح الاسلامي ، وعندها تهيأت سبل الارتباط بأوسع اشكالها ، وتسبب عن ذلك نفوذ الألفاظ الفارسية بصورة ملحوظة الى البلاد العربية والاسلامية .
وعندما حل العصر العباسي إشتد نفوذ الفارسية الى جانب نفوذ الفرس الذين ساهموا بجد في قيام الدولة العباسية وتوطيد أسباب الحكم لها على يد أمثال ابي مسلم الخرساني و آل برمك وأل سهل بن هارون وغيرهم .
ومن المفردات والكلمات الفارسية التي وجدت لها مكانها في اللغة العربية حتى يومنا هذا .. وعلى سبيل المثال لا الحصر هي .... الكوزه والجرّة والابريق والطشت والخان والطبق والقصعة والخز والديباج والسندس والياقوت والبلور والكعك والفالوج والوزج والفلفل والزنجبيل والقرفة والزجس والنسرين والعنبر والكافور والصندل والقنفل والبستان والارجوان والقرفة السراويل والاستبرق والتنّور والجوز واللوز والدولاب والميزتان والزئبق والباشق والجاموس والكليلسان والمغناطيس والمارستان والصك وصنجة الميزان والصولجان والكوسج ونوافج المسك والفرسخ والبند والزمرد والآجر والجوهر والسكر والطنبور .... وغيرها من المفردات والكلمات .
وقد قام المؤرخون والكتاب بتناول هذه الظاهرة وهي نفوذ المفردات الفارسية في اللغة العربية في كتبهم وابحاثهم عبر العصور المختلفة .. وحتى اننا نعثر في هذه الكتب على احصائيات وارقام الكلمات الفارسية في اللغة العربية .
اول من وضع كتاباً مستقلاً في المفردات الفارسية التي دخلت العربية هو ابو منصور موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الاهوازي المعروف بالجواليقي ، و هو من مفكري القرن السادس الهجري، و قد فرغ من كتابه «المعرب من الكلام الاعجمي» في عام 594 هـجري و يحتوي هذا الكتاب على حوالي 700 مفرده بعضها سرياني و نبطي و بربري و قبطي و حبشي، الا ان اكثرها فارسية . و قد استشهد الجواليقي لاغلب هذه الكلمات بالشعر او الحديث.
و هناك ايضاً كتاب «شفاء الغليل» لشيخ الاسلام شهاب الدين احمد الخفاجي الكوفي الذي كان يعيش في القرن الحادي عشر الهجري و لا يختلف عن معرب الجواليقي الا في اضافة بعض المفردات الفارسية العامية التي وردت اللغةالعربية في العصر العباسي .
و الكتاب الثالث هو «الالفاظ الفارسية المعربة » تأليف المطران ادي شير رئيس أساقفة الكنائس الكلدانية ، يبحث المؤلف في هذا الكتاب عن الكلمات الفارسية التي جرى تعريبها ويناقش جذور الكلمات المعربة وسير تحولها وتغييرها ويمكن اعتبار هذا الكتاب من اكثر الابحاث دقة في هذا المجال وكان مؤلف الكتاب ( ادي شير ) قد صرف وقتاً طويلاً وبذل جهداً كبيراً في البحث عن الكلمات الفارسية التي جرى تعريبها مناقشاً جذور الكلمة المعربة وسير تحولها وتغييرها وطبع هذا الكتاب في بيروت سنة 1908 ميلادي .
وبالرغم من هذه الكتب قد تناولت موضوع الكلمات الفارسية في اللغة العربية الا أننا نشاهد في كل تلك الكتب و المقالات خللاً واضحاً، فلم تسجل تلك الكتب المذكوره اياً من الاصطلاحات الطبية و الصيدلية و المعمارية و الموسيقية الفارسية المهمة التي دخلت الى اللغة العربية . وفضلاً عن ذلك فان عدم تبحر هؤلاء باللغة الفارسية قد اوقعهم في أخطاء كثيرة .
و ظهر في عام 1968 معجم بالمفردات المعربة بعنوان «واژههاى فارسي در زبان عربي » اي «المفردات الفارسية في اللغة العربية» للكاتب الايراني محمد علي الشوشتري. و يعد اوسع معجم ظهر حتى اليوم في هذا المضمار ، و يضم ما يربو على 2800 مفردة فارسية في اللغة العربية .
كانت الفارسية شائعة في القرن الأول الهجري ونخص بالذكر في مدينتي البصرة والكوفة ففي البصرة كانت اسماء الأماكن المنسوبة الى اشخاص تختم بمادة الالف والنون مثل ( سوق مهلبان وعباسان ) وهذا من أوزان اللغة الفارسية .
وكان الشأن نفسه في القطائع والبساتين التي تسمّى بأسماء أصحابها مثل جعفريان نسبة الى أبي جعفر ، كما أطلق على بعض قنوات البصرة اسم خالدان وطلحتان .
أما الكوفة فقد اجتمع فيها ووفد عليها التجار والصناع من كل صوب ، كما اجتمع فيها الكثير من الفرس الذين قدموا من بلاد فارس وترتب على ذلك ان اصبحت الفارسية لغة التفاهم السائدة .
ولعل فيما ذكره الجاحظ في كتابه ( البيان والتبين ) عن موسى الأسواري خير شاهد على ذلك ، فقد قال الجاحظ : كان موسى الأسواري من أعاجيب الدنيا ، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية ، و كان يجلس في مجلسه المشهور به فيقعد العرب على يمينه والفرس على يساره فيقرأ الآية من كتاب الله المجيد ويفسرها للعرب بالعربية ثم يحوّل وجهه الى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية فلايدرى بأي لسان هو أبين ، واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد أدخلت كل واحدة منها الضيم على صاحبتها ، إلا ما رووا من لسان موسى بن يسار الأسواري .
كما كان لعامل الترجمة من الفارسية على يد رجال من بلاد فارس امثال ابن المقفع أعظم الاثر في نقل مؤثرات اللغة الفارسية الى العربية، فقد نقل ابن المقفع ، عدداً من الكتب الفارسية الى العربية امثال ( آيين نامه ) و ( خداي نامه ) و كتاب ( كليله ودمنه ).
هذه نبذة مختصرة في حدود آفاق البحث عن امتزاج الفرس بالعرب وتداخل لغتيهما الى حد التأثير والتأثر في مجال انتقال المفردات الفارسية الى اللغة العربية .