ان الايرانيين قد وجدوا ان الكلمات العربية كانت في بعض الاحيان أسهل بكثير من الكلمات الفارسية القديمة ، كما أنهم استعملوا بعض المصطلحات والمفردات التي لم يجدوا مقابلا لها في لغتهم ، واهم أنواع هذه المصطلحات تلك التي تعبر عن المفاهيم الجديدة التي لم يسبق لها مثيل في لغتهم .
من المعروف ان اهل بلاد فارس تركوا لغتهم لايكتبون ولاينظمون بها لفترة تجاوزت القرنين من الزمان ، مما جعلهم ينسون كثيراً من الالفاظ والكلمات ، فاخذت تحل محلها كلمات عربية ، وكان هذا من الاسباب التي ساعدت أيضا على دخول كثير من الالفاظ والمفردات والكلمات العربية في اللغة الفارسية . ولكنهم عندما اضطروا بعد ذلك للكتابة بالفارسية ، كان عليهم ان يتذكروا كثيراً من تلك الكلمات الفارسية المهجورة ويجددوا استعمال بعضها والاستفادة منها .
ولاننسى أن نقول أيضا ان أوائل كتاب الفارسية الحديثة كانوا من ذوي اللسانين وهذا في حد ذاته يوضح لنا مدى تأثر العربية باللغة الفارسية وثقافة أهل فارس ، اذ نقل هؤلاء كثيرا من المفردات والمصطلحات ، وكذلك الافكار والمضامين التي عرفوها وأجادوها من العربية الى الفارسية ، ونظم بعضهم الشعر باللغتين ، كما ألف البعض الآخر الكثير من الكتب النثرية باللغتين أيضا ، ولم يقتصر التأثير على انتقال المفردات والكلمات العربية بل تعداه الى تأثير قواعد اللغة العربية في قواعد اللغة الفارسية ، ويعد هذا في حد ذاته شيئاً نادراً ، اذ من النادر أن تؤثر قواعد لغة في قواعد لغة أخرى مثلما حدث بالنسبة للعربية والفارسية .
وقد ساعدت ترجمة بعض الكتب العربية الى الفارسية على انتقال مجموعة كبيرة من هذه الكلمات الى اللغة الفارسية أيضاً ، حيث يمكن ملاحظة ان في هذه الكتب كثرة استخدام المفردات العربية فيها بالنسبة لغيرها من الكتب المؤلفة بالفارسية اصلاً . كما أن الذوق الأدبي الفارسي كان يتقبل برحابة صدر قراءة المؤلفات الفارسية الممتزجة بالمفردات العربية التي يجد فيها القارئ الطابع الديني من ذكر للآيات القرآنية والأحاديث المنقولة عن النبي الأكرم وأهل بيته الكرام صلى الله عليهم اجميعن بالاضافة الى الامثال العربية . ومن الأسباب التي ساعدت على رواج الكلمات العربية ودخول بعضها في اللغة الفارسية وخاصة في العصور المتأخرة ، ذلك الاهتمام الشديد بالمحسنات اللفظية التي كانت تحتاج الى مفردات كثيرة . ولم يجد الكُتاب والشعراء الفرس بديلاً من الاستعانة باللغة العربية وهي بحر زاخر بالمفردات والمشتقات ، لكي يتمكنوا من إظهار براعتهم في مجال تلك الفنون البديعية ، وقد نظم بعض الشعراء الفرس قصائد بديعية وهي ماتسمى بالبديعيات ، محاولين أن يذكروا في كل بيت من أبياتها فناً من فنون البديع المختلفة ، ومن هؤلاء نذكر الشاعر الفارسي الكبير ( القوامي الكنجوي ) شاعر القرن السادس الهجري ، وقصيدته التي يصل عدد ابياتها الى مائة بيت وتعرف باسم ( بدائع الأسحار في صنائع الأشعار ) .
علاوة على المفردات العربية فإنّ الكثير من الجمل والعبارات والقواعد النّحوية العربية أيضا لها استعمالها في اللغة الفارسية إلى يومنا هذا، مثل مطابقة الصفة للموصوف من حيث التذكير والتأنيث وهي إحدى خصائص اللغة العربية وكذلك اسم الفاعل، واسم المفعول واسم الزّمان والمكان، والصّفة المشبّهة وأمثلة المبالغة، وكذلك الأوزان المختلفة للمزيد الثلاثي مثل: المفاعلة والتّفعيل والتفاعل والانفعال والاستفعال والتفعّل.
وكذلك فإنّ أنواع الجموع العربية شاعت في اللّغة الفارسية. إضافة إلى ذلك فإنّ بعض الكلمات الفارسية جمعت على أساس قواعد الجمع العربي؛ ومرد ذلك أن الكثير
من الكلمات العربية فى اللغة الفارسية عربي الأصل، وهذه الكلمات تستعمل في اللغة
العربية بمعني آخر أو مثل هذه المفردات لاتستعمل في العربية أصلا.
وفي وقتنا الحاضر أيضاً هناك كلمات كثيرة أخذت من اللّغة العربية، وهي تستعمل في الكتب والحوارات اليومية و بحيث يدوّن قاموس صدر مؤخراً في العاصمة طهران فيه مفردات عربية دخلت في اللّغة الفارسية المعاصرة ويصل عددها إلى ما يقارب سبعة آلاف مفردة.
في عصرنا الحاضر فان كثيراً من الكلمات العربية المستعملة يصعب الحصول على مرادف لها في الفارسية ، واصبح مرادفها مهجوراً لا يستمعل مثل : كتاب ، تأثير ، إحساسات ، حج ، مناره ، خليفة ، أمين ، أمانت ، شعر ... غيرها من الكلمات . بل ترى الإيرانيين يستعملون كلمات عربية يمكن الاستعاضة عنها بكلمات فارسية مثل : (لَعَلّ) بدلاً من ( شايد ) و ( كأن لم يكن ) بدلاً من ( نابود شد ) وغير ذلك .
ويشاهد الدارس للغة الفارسية كثيراً من المصطلحات العربية التي صاغها الإيرانيون لأنفسهم في مقابل بعض المصطلحات الحديثة او الاختراعات الجديدة ولايوجد مثيل لها في العربية وعلى سبيل المثال : ( ترجمه تحت اللفظي ) ويعنون بها ( الترجمة الحرفية ) او ( خلع سلاح ) بدلاً من (نزع السلاح )، أو يستعمل اصطلاح ( بين المللي ) بدلاً من ( الدولي ) انها اصطلاحات فارسية لاتتصل بالعربية من ناحية الاصل كما قلنا .
وهناك من المصطلحات المستعملة في الفارسية ما يتساوى مع ما نقوله نحن في العربية من حيث اللفظ والمعنى كقولهم ( برج مراقبت ) .
وقد تستخدم أحياناً جملٌ في اللّغة الفارسية جميع كلماتها عربية، مثل: ( استعمال
دخانيات اكيداً ممنوع ) ويعني ( التدخين ممنوع منعاً باتاً) و (ورود مطلقاً ممنوع ) اي (الدخول محظور على الإطلاق). أو تكون هناك نسبة عالية من الكلمات العربية في جملة واحدة ، إلا أنّ هذه المسألة صارت عادية بحيث إن القارئ أو المتكلّم لايلتفت إلى ذلك أبداً .
ونستخلص من ذلك أن نسبة المفردات العربية في اللغة الفارسية كبيرة ، وهي تشارك مشاركة فعالة في كل ما يكتب او ينظم ، ولايمكن الاستغناء عنها احياناً .
ان اللغة العربية كانت لغة الثقافة على مدى قرون عديدة ، مما جعلها محط أنظار كل من يريد رقياً فكرياً ، وهذا في حد ذاته جعلها موضع اقتباس من حيث المفردات والقواعد ، بل لقد تكلف كثير من الكتاب والشعراء في استعمال العربية ، أذ استخدموا في انتاجهم الأدبي الكلمات العربية المهجورة .
وعندما جاء الفتح الاسلامي لبلاد فارس واعتناق الإيرانيين للدّين الجديد مهد لدخول كثير من المفردات والمصطلحات العربية بما فيها المصطلحات الشّرعية والدّينية إلى اللّغة الفارسية.
وكان المثقفون والعلماء الإيرانيون يعتبرون في معرفة اللغة العربّية وإجادتها نوعاً من
الارتقاء والفضيلة ، وخدمة للدين الإسلامي الحنيف، وتحقيقاً لذلك كله فقد ظهر لدى الشعب الإيراني المسلم اهتمام بالغ بتعلّم اللغة العربية وآدابها.