منذ ان اندلعت الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 بقيادة الامام الخميني(ره) وقد رسمت لنفسها خطا جديدا ينحوا نحوا مختلفا عما هو سائد في الكون بأن تكون هناك دولة مستقلة بعيدة عن الاملاءات والانحيازات للقوى الكبرى حيث اندلعت الثورة والعالم يعيش تحت ضغوط واملاءات القطبين الذين كانا يسيطران على العالم وهما محور الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من الغربيين وغيرهم ومحور الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه الشرقيين في اوربا الشرقية وغيرها.
وكانت صيحة الامام الخميني مفجر الثورة هي لا شرقية ولا غربية اسلامية اسلامية.
وكان هذا الهتاف هو ما يحمله الحجاج الايرانيون ويصدحون به في جنبات الاراضى المقدسة، كما يصدح به كل من يسلك هذا النهج في تظاهرات تحركت في معظم دول العالم، كما اصبحت نهجا دائما لكل التيارات والقوى السياسية التي تسلك نفس النهج، والتي نجحت على مدار الايام لتصوغ لنفسها مكونا سياسيا ومكونا عسكريا، واتخذت نهج المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني.
ثم ظلت هذه المكونات تنمو وتتبلور حتى اصبحت جزءا من المعادلة السياسية التي فرضتها نفسها على المستوى الاقليمي والدولي.
الثورة الاسلامية عندما انطلقت عام 1979 حرص مفجرها الامام الخميني على مواجهة قوى الظلم والاستكبار في عمل يتسم بالرغبة في الاستقلالية والتصدي للاستكبار وفضحه.
واتخذ الامام الخميني موقفين كبيرين جعلا الجمهورية الاسلامية منذ تفجرها وحتى الان تحت نيران الاستهداف الغربي والاستكبار العالمي، الموقف الاول هو تسليم الامام الخميني مقر سفارة الكيان الصهيوني في طهران الى السلطة الفلسطينية وحضر مراسم التسليم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكانت هذه صدمة كبيرة للكيان الصهيوني الذي كان لاعبا رئيسيا في الساحة الايرانية.
حتى ان محمد حسين هيكل ذكر في كتابه ( مدافع آيات الله ) ان السفارتين الامريكية والصهيونية هما اللتان كانتا تشكل الحكومة الايرانية، وان الشاه كان يعرف بتشكيل الحكومة من خلال وسائل الاعلام، الى هذه الدرجة كانت سيطرة السفارات الاجنبية على القرار السياسي الايراني.
فاخراج السفارة الاسرائيلية الصهيونية من المشهد السياسي بفعل الثورة الاسلامية معناه صفعة كبيرة للكيان الصهيونى المشارك في صناعة القرار الايراني.
اما الموقف الثاني فهو احتلال السفارة الامريكية من جانب الطلاب الايرانيين المبنى الذي اطلق عليه الايرانيون وكر التجسس.
وقام الطلاب باحتجاز العاملين بالسفارة والذين اصبحوا رهائن لدى الطلاب وعددهم 52 رهينة ظلوا محتجزين لمدة 444 يوما، ولم تفلح كل المحاولات الامريكية لاطلاق سراحهم، حتى ان الولايات المتحدة ارسلت خمس طائرات الى مطار غير معلوم في ايران بقصد القيام بعملية متميزة لاطلاق سراحهم، غير ان العملية فشلت فشلا ذريعا بان اصطدمت هذه الطائرات ببعضهما البعض، ومن ثم فشلت العملية وعاد عدد قليل من هذه الطائرات بأطقمها.
ولم تشعر السلطات الايرانية الجديدة بهذه العملية الا بعد ان كشفت الولايات المتحدة الامريكية عن ذلك.
وكان لدى الطلاب الايرانيين المحاصرين للسفارة معلومات بان مقر السفارة الامريكية في طهران هو اكبر وكر للتجسس على ايران ودول الشرق الاوسط وبالتالي حرصوا على الوصول الى المستندات والوثائق.
وقد حاول العاملون بالسفارة التخلص من هذه الوثائق بالفرم وفعلا نجحوا في فرم كمية كبيرة لا باس بها من الوثائق والمستندات، غير ان الطلاب الايرانيين المؤمنين بقضيتهم نجحوا في اعادة جمع هذه الشرائح الصغيرة المفرومة وتجميعها من جديد واصلاحها.
وجمعوا اكثر من ثلاثين ملفا طبعت في شكل كتب، كل كتاب يرتبط بدولة من الدول، وهناك بعض الدول التي لها كتابات، وقد فضحت هذه الوثائق والكتب الدور التجسسي الذي قامت به امريكا ضد كثير من الدول والشعوب، وكانت صفعة اخرى وجهت الى اميركا بجانب صفعة احتجاز الرهائن وفشل امريكا في انقاذهم وتخليصهم.
اذن الموقفان اللذان عرضناهما كانا السبب الحقيقي لتوسيع هوة الخلاف بل وتعكير الاجواء بين ايران والغرب الاستكباري وخاصة بعد ان لعب الاعلام الغربي وعلى رأسه الاعلام الامريكي الذي يسيطر عليه الصهاينة في تشويه صورة ايران.
كل هذه الامور لعبت دورا كبير في احداث شرخ عميق بين ايران ودول الغرب وبعض حلفاء هذه الدول من دول الشرق الاوسط.
ايران كانت تدرك ان طريق الاستقلال محفوف بالمخاطر ومليء بالاشواك وكان عليها ان تستعد لذلك وتهيىء نفسها لهذا الوضع الجديد.
هذا الامر الذي خلق تحديات كبيرة بات على صانع القرار الايراني ان يستعد لها وان يصوغ رؤية للمواجهة ومن ابرز هذه التحديات ما يلي :
1- الحرب العراقية الايرانية
بعد ان اندلعت الثورة الايرانية باشهر قليلة شعرت كثير من الدول الكبرى وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية التي اطيح برئيسها جيمى كارتر بسبب فشل الدولة في انقاذ الرهائن الامريكيين.
هذه الدول شعرت ان الفرصة باتت مناسبة لاحداث عملية كبرى لضرب الثورة الاسلامية الفتية وخاصة انه تم تسريح عدد كبير من الجيش الايراني الذي كان سادس جيش على مستوى العالم مسلح باحدث التكنولوجيا، حيث كانت ايران تلعب دور شرطي المنطقة لصالح الولايات المتحدة الامريكية.
وامام هذا الوضع الجديد والذي بدا فيه الجيش الايراني انه ضعيف وغير مؤهل لاداء دوره، ومع احساس القوى الدولية بان حكام ايران الجدد ليس لديهم خبرة وليس لديهم دراية في ادارة الدولة، قامت عدة قوى دولية واقليمية بتحريض حاكم العراق انذاك صدام حسين لغزو ايران، ظنا منهم بان هذه افضل فرصة للقضاء على الثورة الجديدة والدولة الناشئة.
وكان الرئيس الامريكي جيمي كارتر والملك السعودى خالد بن عبد العزيز قد اتفقا على دعم صدام في حال غزوه لإيران والقضاء على النظام الجديد.
وبالفعل التقت ارادات كل هؤلاء مع عدد اخر من حكام بلدان الخليج الفارسي ودخلت مصر على الخط وكذلك بعض الدول الاوربية، واعلن صدام حسين انسحابه من اتفاقية الجزائر، وقام الجيش العراقي بغزو ايران، ووصلت قوات صدام الى مناطق متوغلة داخل ايران، حتى وصلت الى منطقة دزفول.
ولم تجد ادارة الدولة الجديدة بقيادة الامام الخميني بدا من المواجهة، وبدا الرجل يصوغ منظومة جديدة للمواجهة بجانب الجيش او ما تبقى من الجيش فأسس الحرس الثوري وفتح الباب للمتطوعين من الايرانيين ( البسيج) حتى استطاع ان يشكل مجموعات كبيرة من هذه التشكيلات العسكرية التي استطاعت في وقت ليس كبيرا ان تغير المعادلة على الارض.
وظل الامر يتطور حتى تغيرت الموازين، فبعد ان كانت العراق محتلة لمناطق ايرانية استردت ايران كافة اراضيها المحتلة، واستطاعت قواتها ان تسيطر على مناطق عراقية منها منطقة الفاو و غيرها.
وظلت المعارك دائرة بين الدولتين ايران والعراق لمدة ثمان سنوات دفع فيها البلدان عددا كبيرا من الضحايا ومئات الالاف من المصابين والمعوقين، وتم استنزاف اقتصاد البلدين، وعندما ادرك الامام الخميني ان كل دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية لن يقبلوا باحتلال العراق من جانب ايران وكذلك اعطت اميركا للعراقيين كميات كبيرة من الاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا وبعض المواد المحرمة دوليا مثل غاز الخردل وغيره.
وبالفعل استخدم صدام حسين هذه الاسلحة ضد الجيش الايراني والمقاتلين الايرانيين وخاصة في منطقة الفاو وسمح ما يسمى بالمجتمع الدولى بذلك، وكل هذا تم تحت سمع وبصر الامريكيين، واعلنت الصحف الامريكية ذلك.
هذه الجرائم التي تمت ضد الايرانيين دفعت الامام الخميني الى القبول بوقف اطلاق النار وقال قولته الشهيرة : اوافق على وقف اطلاق النار وكأني اتجرع السم.
وكان لكاتب هذه السطور الحظ في زيارة مدينة الفاو بعد وقف اطلاق النار، وشهدنا التدمير الذي احدثته الاسلحة الكيماوية في المباني والشجر وحتى النخيل الذي يخرج اجمل التمر العراقي، مئات الالاف من هذا النخيل لونه اسود ومحترق ومن غير الممكن تصور ان ينتج مرة اخرى.
فكانت الحرب العراقية الايرانية هى واحدة من اكبر التحديات التي واجهت الثورة الايرانية واخرت التنمية في ايران لسنوات بسبب تدفق الاموال في اتجاه الحرب وتحول مئات الالاف من الشباب من الانتاج والزراعة والبضاعة الى جبهات القتال.
كل هذا بالطبع كان له اثر في عرقلة خطط التنمية وبرغم هذا فأن ايران نجحت الى حد كبير في ظل الحرب الضروس وفي ظل الموقف الدولي والموقف الاقليمي المعادي لايران نجحت في انتاج ما يكفيها من طعام وشراب ودواء وسلاح في ظل حصار هذه القوى لها واصبح هذا نهجا لايران بانها استطاعت ان تصوغ رؤية البناء وقت الحصار.
2- دعم المقاومة وصياغة محورها :
منذ ان بدأت الثورة الاسلامية الايرانية وحتى الان وهي تعاني من حالة استهداف من القوى الغربية ولولا قوة ومكانة الدولة الايرانية وجبهتها الداخلية وامكانياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لانهارت هذه الدولة بسبب موجات الحصار التي ضربت ايران بسبب موقف ايران من الكيان الصهيوني حيث بدأ الامام الخميني عهده عقب نجاح الثورة باغلاق السفارة الاسرائيلية وتسليمها الى سفارة فلسطين بقيادة الرئيس ياسر عرفات، ولم يقف الامر عند حد تسليم السفارة الصهيونية للفلسطنيين وانما امتد الامر الى خطاب الثورة الاسلامية الذي اصبح خطابا معاديا للكيان الصهيوني بشكل واضح، وكذلك اصبح داعما بوضوح للقضية الفلسطينية بعد ان كان النفط الذي يستخدمه الصهاينة ضد مصر وسوريا وبقية الدول العربية في حربي 56 و67 وبعد ذلك في حرب 73 كان النفط يأتي من ايران لدعم وتشغيل ترسانة الكيان الصهيوني، فاصبح الجنود المسلمون في الدول العربية المواجهة للكيان الصهيوني يموتون بفعل استخدام النفط الايراني من اموال المسلمين الايرانيين لضرب المسلمين العرب ، ثم اسس الامام الخميني يوم القدس العالمي في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان كل عام، والذي تحتشد فيه الملايين في هذه المناسبة ويخرج الشعب الايراني عن بكرة ابيه في كل المدن الايرانية وكذلك الملايين في كثير من الدول العربية ودول العالم يحملون اللافتات والشعارات ومجسمات الاقصى والشعارات التي تدعو المسلمين للوحدة ولتحرير الاقصى من دنس الاحتلال الصهيوني.
وكانت الشعارات التي اطلقها الايرانييون وحلفاؤهم ترتبط بأن تحرير الاقصى وتحرير فلسطين واجب شرعي على كل المسلمين ، ولم يقف الامرعند حد المؤتمرات والمهرجانات والشعارات والخطاب تجاه القضية الفلسطينية وانما تجاوزت ايران كل هذا الى دعم المقاومة الاسلامية في لبنان بقيادة حزب الله الذي نجح في سنوات قليلة ان يكون رقما مهما في المعادلة اللبنانية بل حتى في المعادلة الاقليمية ونجح حزب الله في تحرير الجنوب اللبناني من الكيان الصهيوني الذي ظل محتلا له.
وكذلك نجحت المقاومة في توجيه ضربات موجعة للكيان الصهيونى عام 2006 فوصلت صواريخ المقاومة الى اقصى عمق الكيان الصهيوني، ودخلت طائرات المقاومة بدون طيار الى قلب الكيان الصهيوني، وانعكس الدعم الايراني الواسع لحزب الله من تطوير اسلحته وصواريخه وادائه في المواجهة بحيث باتت اسرائيل تعمل الف حساب للمقاومة.
ولم يقف الامر عند المقاومة الاسلامية في لبنان وانما قامت ايران بدعم المقاومة الاسلامية في فلسطين من خلال دعم حركة المقاومة الاسلامية حماس وحركة الجهاد الاسلامي اهم فصيلين لهما وجود قوي في ساحة المواجهة مع الكيان الصهيوني واللذان استطاعا بفعل الدعم الايراني تمويل كل العمليات العسكرية واللوجستية واصبحت المقاومة الاسلامية في فلسطين رقما هاما ودخلت في مواجهات كبيرة مع الكيان الصهيوني وبرغم التدمير الذي الحقه الكيان الصهيونى بالبنية التحتية وبالمباني وبرغم عدد الشهداء الكبير الا ان المقاومة الاسلامية نجحت في الصمود لايام طويلة كان اخرها 52 يوما كاملا ولم تخضع والحقت اضرارا كبيرة بالمواطن الصهيوني الذي هرب من اغلب المناطق الغربية من فلسطين والذي اصيب بالامراض النفسية وكذلك حركت ضربات المقاومة الهجرة المعاكسة من الكيان الصهيوني الى دول العالم كما نجحت المقاومة من تطوير اسلحتها وادواتها وطرق المواجهة مما كان له الاثر الكبير في انزعاج الكيان الصهيوني ولعب اللوبي الصهيوني العالمي دورا كبيرا في تشويه صورة ايران ومحاولة تجييش الاعلام الدولي وكذلك محاولة تجييش دول العالم ضد ايران وبالتالي ادت موجة العداء الدولي لايران ومحاولة محاصرتها سياسيا واقتصاديا – حيث لعبت امريكا دورا كبيرا في الضغط على كثيرا من الدول العربية وغيرها- لفرض حصار اقتصادي على ايران ثم قامت امريكا بشكل منفرد بعيدا عن الامم المتحدة باصدار عدة قوانين لمعاقبة ايران وبدأ العقوبات تزداد بشكل تصاعدي وتصعيدي فأستهدفت قطاع النفط واستهدفت قطاع الصناعة واستهدفت قطاع الاقتصاد والبنوك واستهدفت حركة التجارة ثم حركة النقل بهدف عرقلة الاقتصاد الايراني والدفع بالدولة نحو الخضوع والاستسلام او احداث ازمات اقتصادية تؤدي الى حالة تذمر شعبي يمكن ان يؤدي الى اسقاط النظام.حيث فرضت أمريكا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي العديد من العقوبات على إيران نتيجة استمرارها في برنامجها النووي، وذلك بعدما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من عام 2005 تقاريرها، وأشارت إلى أن طهران لا تُنفذ التزاماتها الدولية. وعليه، فقد تولّت أميركا بذل مجهودات دولية مضنية لعزل طهران ماليا ومنع صادراتها النفطية، وبالتالي زيادة الوضع صعوبة أمام إيران في تطوير قدرتها المحتملة لتطوير أسلحة نووية وتقديم حكومتها إلى طاولة المفاوضات وفي النهاية، وافقت إيران على القيود المفروضة على برنامجها النووي وعمليات التفتيش المكثفة في اتفاقية وقعت عليها القوى العالمية خلال شهر يوليو الماضي. وحسب الاتفاق، فإنه من المقرر رفع العقوبات الأكثر صرامة عندما تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من اتخاذ إيران كافة الخطوات المطلوبة مثل تقليل مخزوناتها من المواد الانشطارية وأجهزة الطرد المركزي. ومع ذلك، فإن هناك بعض العقوبات التي ليست لها صلة بالانتشار النووي وستظل قائمة كما هي ولعل بداية ازدياد وتيرة هذه العقوبات عندما بدأت ايران على العمل على برنامجها النووى السلمي حيث واجهت إيران عقوبات دولية ردًا على برنامجها النووي ، حيث ترى القوى الكبرى أن ذلك البرنامج ينتهك التزامات معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بعام 1967. فعندما انضمت إيران إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وعدت إيران بأنها لن تُصبح دولة مسلحة نوويا. ولكن خلال السبعينات من القرن العشرين، أثارت السياسات التي تبناها محمد رضا بهلوي مخاوف أمريكا بشأن طموحات إيران في امتلاك أسلحة نووية. وفي عام 1974، وقعت إيران اتفاقية ضمانات للوكالة، التي تُعد تكملة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي وافقت إيران تبعها على عمليات التفتيش.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين، تجددت مؤشرات العمل على تخصيب اليورانيوم لتتجدد معها المخاوف الدولية، لتزداد بذلك العقوبات الدولية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحكومة الأمريكية. فقد سعت تلك العقوبات الدولية إلى منع وصول إيران إلى المواد ذات الصلة بتخصيب اليورانيوم وتصنيع قنبلة نووية، فيما وضعت ملزمة اقتصادية على الحكومة الإيرانية لحملها على وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم وغيرها من الجهود المتعلقة بالأسلحة النووية.
وفي شهر نوفمبر من عام 2013، وقعت إيران مع مجموعة الدول (5+1) اتفاقًا مؤقتًا يعرف باسم خطة العمل المشتركة من شأنه تخفيف بعض العقوبات والسماح لإيران بالوصول إلى 4.2 مليار دولار أمريكي ضمن أصولها المجمدة سابقًا في مقابل الحد من تخصيب اليورانيوم والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى مواقع حساسة بالبلاد. وحسب الاتفاق المُبرم، فإن صادرات إيران من النفط الخام لا ينبغي لها أن تتجاوز 1.1 مليون برميل يوميا، أي أقل من نصف مستوى صادراتها خلال عام 2011. كما ستنفذ واشنطن وبروكسل بنود الاتفاق إلى أن تُصدق الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن إيران قد اتخذت الخطوات المُتفق عليها للحد من برنامجها النووي، والتي من المقرر تنفيذها بعد عدة أشهر من اتفاق الرابع عشر من يوليو. وأشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنه لن يتم رفع أية عقوبات أخرى، فيما سوف تستمر العقوبات النووية إلى أن تُصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الذي يؤكد على التزام إيران ببنود الاتفاق حسب المُقرر.
اما عن شكل العقوبات وانواعها فهي كالاتي :
تشمل العقوبات الأمريكية مجموعة متنوعة من الأهداف المتعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية للبلاد، حيث تتراوح بين انتشار الأسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان إلى رعاية الإرهاب وزعزعة الاستقرار بالخارج. فقد استهدفت العقوبات قطاعات كبيرة بالإضافة إلى أفراد وكيانات محددة، مواطنين وغير مواطنين، لديهم صلة بالأشخاص الإيرانيين الذين تم فرض العقوبات عليهم.
العقوبات المالية والمصرفية
سعت العقوبات الأمريكية التي فرضتها وزارة الخزانة إلى عزل إيران عن النظام المالي الدولي. فبخلاف الحظر المفروض على المؤسسات التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقرًا لها والتي لديها تعاملات مالية مع إيران، فرضت الخزانة عقوبات خارجية أو ثانوية: فبموجب قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات، يحظر على المؤسسات المالية الأجنبية أو شركائها التي تتعامل مع البنوك الإيرانية المحظورة، إجراء أية صفقات بالولايات المتحدة الأمريكية أو بالدولار الأمريكي، ليدعو وكيل الخزانة آنذاك ديفيد كوهين إلى فرض "عقوبة الإعدام على أي بنك دولي". وفي نهاية عام 2011، تحركت اميركا نحو منع مستوردي النفط الإيراني من تسديد دفعاتهم من خلال البنك المركزي الإيراني. كما تم اتخاذ تدابير أخرى تحد من وصول إيران إلى العملات الأجنبية، وبالتالي لا يمكن استخدام الأموال من الدول المستوردة للنفط إلا لأغراض التجارة الثنائية مع الدول المُشترية للنفط أو الوصول إلى السلع الإنسانية.
صادرات النفط
علاوة على الضغوط الواقعة على وصول إيران للنظام المالي الدولي، فإن الحد من عائدات النفط كان هو التركيز الرئيسي لإدارة أوباما، التي صعدت ضغوطها لمنع انتشار الأسلحة النووية. وقبل عام 2012، مثلت الصادرات النفطية أكثر من نصف عائدات الحكومة الإيرانية، وشكلت خُمس ناتجها المحلي الإجمالي؛ ومنذ ذلك الحين، بلغت عائدات النفط نصف قيمتها.
تستهدف العقوبات الخارجية الشركات الأجنبية التي توفر الخدمات والفرص الاستثمارية ذات الصلة بقطاع الطاقة، بما في ذلك الاستثمار في حقول النفط والغاز ومبيعات المعدات المستخدمة في تكرير النفط والمشاركة في الأنشطة ذات الصلة بتصدير النفط، مثل بناء السفن وعمليات الموانئ والتأمين على النقل. فقد أدى قانون العقوبات الشاملة ضد إيران والمحاسبة والتجريد من الممتلكات وغيره من القوانين إلى توسيع نطاق القيود التي سبقت المخاوف النووية.
العقوبات التجارية
فرضت أمريكا حظرًا يمنع معظم الشركات الأمريكية من التجارة داخل إيران أو إقامة استثمارات بها. وعلى الرغم من تخفيف بعض العقوبات خلال عام 2000، فقد تم تنفيذها بالكامل بعد مرور عقد من الزمان. ولكن، وضعت إدارة أوباما استثناء فقط على حظر بيع أجهزة الاتصالات الاستهلاكية والبرمجيات.
تطوير الأسلحة
دعا قانون منع انتشار الأسلحة النووية بين إيران والعراق لعام 1992 إلى معاقبة أي شخص أو كيان من شأنه مساعدة طهران في تطوير الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية أو النووية أو حيازتها أو تطوير أية أسلحة تقليدية متقدمة. كما تم فرض حظر إضافي على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج، مما يعد تبرير لفرض الحظر على السيارات.
عقوبات الأمم المتحدة
وضع مجلس الأمن الدولي نظام للعقوبات تلتزم به كافة الدول الأعضاء منذ أن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لا تلتزم بالضمانات المُقررة خلال عام 2005. وخلال الجولة الأولى من العقوبات بعام 2006، وافق مجلس الأمن بالإجماع على اتخاذ تدابير شملت فرض حظر على المواد والتقنيات المستخدمة في إنتاج اليورانيوم وتخصيبه، وكذلك تطوير الصواريخ البالستية ومنعت المعاملات المالية الداعمة للبرامج النووية والصواريخ البالستية.
كما منعت القرارات اللاحقة الصادرة خلال عامي 2007 و2008 المساعدة المالية غير الإنسانية لإيران وكلفت الدول بفرض تفتيش للشحنات التي يشتبه في احتوائها على مواد محظورة. وخلال شهر يونيو من عام 2010، صدر قرار رابع ملزم لإيران، وينص على تشديد العقوبات الدولية، وربط أرباح النفط الإيراني وأرباح القطاع المالي والمصرفي، بما فيها البنك المركزي، بجهود منع الانتشار النووي، وبالتالي خضوعهم للعقوبات الدولية.
عقوبات الاتحاد الأوروبي
ضاعف الاتحاد الأوروبي العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ضد إيران والتي تُعد مماثلة لتلك التي فرضتها أمريكا. ففي عام 2007، تم اتخاذ قرار بتجميد أصول الأفراض والهيئات ذات الصلة بالبرامج النووية الإيرانية والصواريخ البالستية، مع حظر نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج. وفي عام 2010، شدد الاتحاد الأوروبي نظام العقوبات، ليتماشى مع التدابير الأمريكية من منع المؤسسات الأوروبية من التعامل مع البنوك الإيرانية بما فيها البنك المركزي، وتقييد التجارة والاستثمار في قطاعي النقل والطاقة.
وضاعفت بروكسل العقوبات المفروضة على إيران من خلال منع استيراد منتجات النفط والبتروكيماويات والتأمين على الشحن وتجميد الأصول ذات الصلة بالبنك المركزي الإيراني. وقبل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي خلال عام 2012، كان الاتحاد الأوروبي المستورد الأكبر للنفط الإيراني، بمتوسط بلغ 600 ألف برميل يوميا. وبعيدًا عن عقوبات منع انتشار الأسلحة النووية، ضاعفت بروكسل العقوبات لتشمل تجميد الأصول وحظر السفر وحظر تصدير المعدات التي يمكن استخدامها لمراقبة الاتصالات.
اذا فأن دعم المقاومة واتخاذ مواقف تتسم بالاستقلالية بعيدا عن الهيمنة والاملاءات الغربية دفعت بالدول الغربية وعلى راسها امريكا بمحاصرة ايران حتى يتم اسقاط النظام او في اسوأ الاحوال تضيق الخناق عليه.
3- الملف النووى
تبدأ قضية الملف النووي الايراني في عام 1974 في عهد الشاه حيث تم التعاقد مع ألمانيا على بناء مفاعل نووى لايران الشاهنشاهيه ولاقى هذا الامر رضا وقبولا امريكيا ودعما اوربيا وظل هذا الامر الى ان اندلعت الثورة الاسلامية وتوقف المشروع النووي تماما وظل متوقفا عدة سنوات غير ان القيادة اليرانية كان لديها قناعة بان المشروع النووي هو مشروع استراتيجي بالنسبة لايران فطلبت من الاساتذة والمتخصصين الايرانيين عمل دراسة لاعادة المشروع مجددا نظرا لحاجة ايران الى الدخول في النادي النووي والاستفادة من الانتاج النووي السلمي في الطب والكهرباء وتوفير النفط وتوسيع رقعة الاستثمار فيه وبدأت الدراسات على قدم وساق وتم التاكد من الالمان والدول الغربية بوجه عام لن تقبل بالتعاون مع ايران في المجال النووي وبالفعل رفضت الدول الغربية استكمال المفاعل النووي فاتجهت ايران الى روسيا التي استجابت بعد محاولات كثيرة بعد وفاة الامام الخميني ومجىء اية الله السيد على الخامنئي خلفا له والذي كان لديه رؤيه واضحة في استكمال البرنامج النووي ونظرا لاختلاف الرؤى بين التصميم الالمانى والتصميم الروسي للمفاعل النووى فأن روسيا قامت بعمل تعديلات كبيرة واعادة تصميم لمفاعل بوشهر النووي الذي كان المفترض ان ينتهي خلال عشر سنوات الا ان المفاعل اخذت وقتا اطول وتأخرت روسيا في الانتهاء من المفاعل وتشغيله وفي نفس الوقت استطاعت ايران ان تجند شبابها وطلابها وباحثيها في الجامعات في عمل ابحاث طويلة حتى استطاع علماؤها وطلابها ان يحققوا نجاحات متواصلة في دورة الانتاج النووي حتى استطاعت ايران ان تنتج الكعكة الصفراء ثم استطاعت ان تصنع اجهزة الطرد المركزي ثم نجحت في الوصول الى الدورة الكاملة للانتاج النووي والتخصيب بدرجة عالية وصلت الى 20% ثم استطاعت ان تصنع اكثر من 40 الف جهاز طرد مركزى بكفائة عالية ومتميزة ، ودخلت ايران في صراع وصدام مع الدول الغربية والاقليمية واشتد الصراع حتى بلغ ذروته بتحويل الملف النووي من مجلس محافظي هيئة الطاقة النووية الدولية الى مجلس الامن الدولي فصدرت عقوبات دولية متتالية ضد ايران وصدرت قرارات من مجلس الامن لفرض حصار عميق على ايران اخذ اشكالا متنوعة بدأ بمقاطعة الطاقة النووية الايرانية ثم تدرج بفرض حظر على نقل النفط الايراني من ايران ومنع تصديره ومنع نقل التكنولوجيا الدولية الى ايران ومنع قطع الغيار عن المصانع بل والطائرات الايرانية،ثم اشتد الحصار بمنع نقل الاموال من والى ايران ومقاطعت البنوك الايرانية من قبل البنوك الدولية فاشتد الحصار بشكل كبير مما ادى الى حدوث تاثر للعملة الايرانية وحدوث بعض المشاكل في هيكلة الاقتصاد ولكن ايران ما لبثت بشكل فيه ما يشبه المعجزة حاولت ان تعتمد على ابنائها في تطوير الصناعة والجامعات والبحث العلمي بعد ان ادركت ايران ان هذا التكالب الدولي لن يتركها طالما انها ترفض الخضوع واستطاعت ايران بالفعل ان تخترق الحصار الدولي بعمل علاقات مع عدد من الدول خاصة روسيا والصين وتركيا وامريكا الجنوبية واخترقت عدة ساحات مثل الساحة اللبنانية والعراقية والسورية وبعض الدول الافريقية وهكذا ثم نجحت ايران بالفعل في ظل الحصار ان تنتج اسلحة متنوعة ومتقدمة وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى وفي ظل الحصار اكتملت دورة الانتاج النووي وفي ظل الحصار تم اطلاق صواريخ الى الفضاء واطلاق قمر صناعي وتم انتاج فرقاطات بحرية وغواصات وكذلك استطاعت ايران في ظل الحصار ان تكتفي ذاتيا من القمح ومن الخضروات ومن الفاكهة وكادت ان تكتفي ذاتيا من الدواء كل هذا تم في ظل الحصار بل ان التفوق الايراني في الاقليم وخارج الاقليم اتسع بشكل كبير في ظل سنوات الحصار. فاذا كان الملف النووى سببا لمحاولة استهداف ايران ولمحاصرتها وكان هذا تحديا كبيرا الا ان ايران نجحت بشكل كبير في مواجهة هذا التحدي والخروج منه بدرجة عالية من تجاوزات الازمات وكانت نموذجا فذا للتصدي للازمات ولمواجهة التحديات..
تلك كانت اهم التحديات التي واجهت الجمهورية الاسلامية منذ اندلاع الثورة عام 1979 وحتى الان ويبقى ان هناك تحديات اخرى ناتجه عن ممارسة ايران لدورها الاقليمي بمعنى ان هناك تحالف بين ايران وسوريا واتفاقيات مشتركة للدفاع مما جعل لايران دور واضح في الازمة السورية بتقديم المشورات العسكرية والسياسية ودعم الاقتصاد السوري حتى لا تتفاقم المشاكل الاقتصادية في مواجهة الشعب السوري وكذلك هناك تعاون استراتيجي بين ايران والعراق وقدمت ايران كل انواع الدعم العسكري والسياسى لمواجهة داعش الذي بات يمثل خطرا كبيرا على المنطقة كلها ، كذلك هناك تعاون بين ايران وجماعة انصار الله في اليمن بعد ان قامت المهلكة العربية السعودية بشن حرب عنيفة على اليمن الامر الذي دفع ايران لتقديم الدعم السياسي والاعلامي لانصار الله وللشعب اليمني الذي يتعرض لهذه الهجمة الشرسة التي اسقطت الاف الشهداء ودمرت البنية التحتية.
كل هذه المواقف الداعمة للمستضعفين جعلت ايران تحت نيران الاستهداف من قوى دولية وقوى اقليمية ووسعت من حجم التحديات ، غير ان ايران استطاعت بالصبر وطول النفس والاصرار على تحقيق الكثير من الاهداف وتجنب الكثير من المشاكل والصعاب ومن ثم اصبحت ايران رقما مهما على المستوى الدولي وعلى المستوى الاقليمي ليس بوسع احد سواء دولة كبرى او صغرى ان يتجاهل دورها او يتجاوزها ومن ثم صارت ايران مصدرا للجدل المستمر ونموذجا لاستقلالية القرار ومواجهة التحديات.
مقال : احمد السيوفي