اللغة العربية وتأثيرها على علماء بلاد فارس

الأربعاء 25 يناير 2017 - 14:08 بتوقيت غرينتش
اللغة العربية وتأثيرها على علماء بلاد فارس

نستعرض في هذه المقالة مجموعة من علماء فارس وكتاباتهم باللغة العربية او تاثير اللغة العربية على آثارهم الادبية والعلمية في كافة المجالات . والآثار التي كتبها العلماء الإيرانيون في المجالات المختلفة باللّغة العربية التي ما زالت تعتبر من أمهات المصادر العلمية . ومن جملة هؤلاء المشاهير العالم الفارسي البيهقي الذي أشتهر في كتابة التاريخ .

من عديد الشعراء الفرس الذين أخذوا من الادب العربي نذكر على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الفارسي الكبير المولوي، و حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي كذلك الشاعر الفارسي الغنائي منوجهري الدامغاني الذي عاش في القرن الخامس الهجري ، وغيرهم  من عمالقة الادب والشعر في بلاد فارس ممن تشير آثارهم الادبية واللغوية انها لم تكتب إلا من قبل عظماء ألموا بمعاني اللغة العربية وآدابها .

اللغة الفارسية هي اللغة الثانية في العالم الإسلامي بعد العربية، ولها أعظم ارتباط على مدى التّاريخ باللغة العربية. وكان للإيرانيين قبل الإسلام علاقات سياسية وثقافية وتجارية وحتّى دينية مع العرب، الأمر الذي ترك آثارا كبيرة في اللّغة والثقافة العربية . و بعد انتشار الإسلام في بلاد فارس إختار أهلها تعلم اللغة العربية و إتقانها لأنها لغة الدّين الإسلامي.

تحكي كتب التّاريخ عن أنّ الإيرانيين لم يقاوموا اللّغة العربية و حسب بل نظروا إليها بقداسة، وذلك لأنّها لغة الإسلام والقرآن الكريم، ولذا فقد تعلّموها و راحوا يروّجون لها.

لقد كانت اللغة العربية في القرون الثلاثة الأولى بعد فتح بلاد فارس هي اللغة العلمية والدّينية الرّسمية في تلك البلاد المترامية الاطراف . ومنذ القرن الثالث الهجري بدأ أهل فارس ينشدون الشعر باللّغة الفارسية الدَّرية (التي كانت رائجة في فارس بين القرنين الثالث والسّادس الهجري)، كما أنهم منذ القرن الرابع بدأوا بتأليف الكتب وترجمة القرآن الكريم إلى الفارسية الدرية و الى جانب ذلك بقيت اللغة العربية و إلى القرن الخامس الهجري هي اللغة الاولى في بلاد فارس .

و لم يتوقف تأثر الأديب الأديب الفارسي باللغة العربية عند إقتباسه بعض المفردات العربية وعباراتها من القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة والامثال العربية ليوردها في شعره بل راح يتقن بحور الشعر العربي حتى يزيد عليها و يدخل فيها بعض التغيير و يستحدث صوراً شعرية جديدة في مقدمتها المثنوي والرباعي . و بدى الأمر و كأن الشاعر الفارسي بعد الاسلام أصبح لايستطيع إنشاء الشعر بلغته الفارسية إلا إذا كان ملماً باللغة العربية وآدابها .

أول بوادر تأثر أهل فارس بالعربية بعد دخولهم الاسلام، هي تسميهم بالأسماء العربية كما أخذوا يلقبون انفسهم بالقاب عربية .

وقد ظلت اللغة العربية هي اللغة الاولى في كتابة النصوص الادبية والعلمية خلال العصر الصفاري والساماني والغزنوي ، اذ نجد كثيرا من المؤلفات قد كتبت بالعربية وخاصة في العصر الساماني، ومن ذلك مثلاً كتاب ( مفاتيح العلوم ) لأبي عبد الله محمد بن أحمد الخوارزمي . وظلت العربية هي لغة الرسائل والديوان في تلك العصور، و في العصر الغزنوي و مع أن بعض الرسائل كتبت بالفارسية إلا أنها كانت تبدأ بعبارات عربية .

هناك من العلماء الفرس من ألف كتباً بالفارسية فقط ، ومنهم من ألف بالفارسية والعربية كالعالم و الطبيب و الفيلسوف الكبير الشيخ الرئيس إبن سينا الذي كتب الشعر بالفارسية والعربية . ولا شك ان أشهر كتبه بالعربية هما الشفاء والقانون ، ومن مؤلفاته بالفارسية ( دانشنامه علائي ) و ( معراج نامه ) .

ونذكر ايضا أبا حامد الغزالي المتوفى سنة 505 هجرية و من أهم مؤلفاته العربية : كتاب ( إحياء علوم الدين ) الذي اختصره بعد ذلك بالفارسية و أسماه ( كيمياي سعادت ) ، ومن كتبه العربية ايضا ( المنقذ من الضلال ) و ( تهافت الفلاسفة ) و له مؤلف عربي عبارة عن مجموعة من الرسائل جمعت تحت اسم ( فضائل الأنام من رسائل حجة الاسلام ) و هنا تجدر الإشارة الى أن مؤلفات هذا العالم الفارسي بالعربية تفوق ما كتبه بالفارسية .

وممن كتبوا باللغتين ايضا هو ابو الفتح عمر الخيام النيشابوري وهو من علماء وشعراء ايران الكبار، ومن جملة ما ألفه بالعربية رسالة في الطبيعيات ورسالة في الجبر والمقابلة ، و ألف باللغة الفارسية كتاب ( نوروزنامه ) و ( رساله ي وجوديه ) وقد كتبها لفخر الملك بن نظام الملك الوزير. وكذلك ترجمته للخطبة الغراء لأبي علي بن سينا ، هذا بالاضافة الى رباعياته الفارسية التي طالت شهرتها الآفاق .

ومن علماء فارس الذين ألفوا الكتب باللغتين الفارسية و العربية نصر الدين الطوسي الفيلسوف الكبير صاحب الانتاج الغزير في الموضوعات الدينية والفلسفية والرياضية والمسائل المتصلة باحكام النجوم. واغلب مؤلفاته بالعربية نذكر منها كتاب ( تجريد العقائد ) ومن مؤلفاته بالفارسية ( اخلاق ناصري ) .

 وهناك من الكتاب الفرس من ارتبطت شهرتهم باللغة العربية وآدابها اكثر من الفارسية، منهم الصاحب بن عباد وعبد القاهر الجرجاني ومن أشهر كتبه "دلائل الاعجاز" و "أسرار البلاغة" وهما في المعاني والبيان .  كذلك "جار الله الزمخشري" و "بديع الزمان الهمداني" وغيرهم من العلماء والمفكرين  .

من المؤلفات الأدبية مما كتب باللغتين العربية والفارسية هو كتاب (حدائق السحر في دقائق الشعر ) لرشيد الدين الوطواط ، حيث يتحدث فيه عن فن البديع الفارسي ثم يستشهد عليه بأمثلة من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ثم يردف أمثلته بنماذج من النثر والشعر العربي ويتبع ذلك بامثلة من النثر والشعر الفارسي .

 ومن الذين يمكن ذكرهم كنموذج من شعراء فارس الذين إقتبسوا الكثير من الادب العربي هو الشاعر الفارسي الغنائي منوجهري الدامغاني الذي عاش في القرن الخامس الهجري إبان عهد الغزنويين الذين عاش في كنف دولتهم، و شهد نهضتها الواسعة في مجالات مختلفة .

ولد هذا الشاعر في مدينة دامغان القريبة من نيسابور و قد عرف بإحاطته بالمعارف الإسلامية ، بعد أن درس اللغة العربية و تضّلع فيها، هذا فضلا عن إسلاميته و ميله الشديد لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان سائدًا آنذاك و اعتنقه معظم أهل بلاد فارس .

لا زالت آثار هذا الشاعر الفارسي الكبير باقية إلى اليوم ومن يطلع على شعر منوجهري يجد فيه معالم الثقافة الإسلامية ماثلة بوضوح، من آيات قرآنية و أحاديث نبوية شريفة، و حكم و أمثال، و إشارات ولائية لأهل البيت (عليهم السلام) تكاد أشعاره لاتخلو منها، و كان يجاهر بها و يعتز بها دون مبالاة لغيره من الفرس الذين عاب بعضهم ذلك عليه ، لأنه كان يرى فيها الرصيد الذي ينهل منه الشاعر ليحّقق مبتغاه و يرقى، و واسع الاطلاع بالشعراء العرب و بمنتجاتهم الشعرية من الجاهلية حتى بزوغ شمس الإسلام .

و الذي يدرس شعر منوجهري يدرك مدى تأثيره بالأدب العربي في الشكل و المضمون فنراه ينتقل نظام القصيدة العربية إلى الفارسية بموسيقاها من التزام قافية واحدة في القصيدة كّلها، و بموضوعاتها الغنائية من مدح و هجاء و حماسة و وصف و غزل، كما نقل الجنس الأدبي للقصيدة الفارسية بقالبها الفّني الذي عكس التأثير العربي لا في الموضوعات فحسب، بل في عالم الخيال و الصوره الشعرية ، و بناء القصيدة العام شبيه لما جاء في الأدب العربي، ثم في الألفاظ و التراكيب العربية طبقًا لما هو معلوم في الدراسات المقارنة من انتقال الجنس الأدبي من لغة إلى أخرى .

تصنيف :