اللغة العربية هي لغة الدين والعبادة والسياسة وهي لغة القرآن الكريم واللغة المشتركة لكل الشعوب التي أذعنت الى الحكم الاسلامي بعد الفتوحات الاسلامية ، فكان لزاماً على كل مسلم إن يتعلم اللغة العربية لمكانتها الدينية والعلمية .
وقد مرت اللغة العربية كغيرها من اللغات بمراحل مختلفة حتى وصلت إلى الوضع الراهن الذي عرفت به ، وكما هو معروف إن الجزيرة العربية هي مهد اللغة العربية نشأت في أحضانها نقية سليمة ، وكانت لهجات أبناء الجزيرة العربية تختلف باختلاف الوطن الذي يعيشون فيه، وقد أدت عوامل عديدة إلى توحيد هذه اللهجات في نهاية الأمر في لهجة قريش التي تعد أفصح اللهجات العربية وعنها يقول السيوطي « ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكسكسة ربيعة وكشكشة هوازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة » .
تحتل اللغة العربية مكان الصدارة بين اللغات المشهورة وتتمتع بمكانة رفيعة بين اللغات الحية في الوقت الحاضر وينظر إليها نظرة احترام وتقديس من قبل العرب والمسلمين فهي لغة القرآن والدين الإسلامي بالنسبة للمسلم ولغة الآباء والأجداد بالنسبة للعربي غير المسلم وهي لغة الفصاحة والبيان وبها دونت علوم العرب وآدابهم وحضارتهم العظيمة.
وللغة العربية فضل من جهة فصاحة مفرداتها فليس في كلماتها الجارية في الاستعمال ما يثقل على اللسان أو ينبو عن السمع .
وقد كثرت اللغات الغير العربية التي تكتب بالحروف العربية وهذا دليل على مكانتها العظيمة في قلوب تلك الأمم المنتشرة في آسيا وأفريقيا، كالهندستانية والأوردية والبنجابية والفارسية في آسيا وبلاد الهند والكوموكية في أوروبا. .
دخل العرب بلاد فارس سنة ( 21 هـجرية ) في معركة ( نهاوند ) الشهيرة .
وقد انتشر الإسلام في ربوع بلاد فارس انتشاراً سريعاً وأسلم الكثير من الفرس في مدة وجيزة وبانتشار الإسلام انتشرت العربية في أنحاء بلاد فارس وأصبحت اللغة البهلوية وخطها مهجورين لأن البهلوية ارتبطت في أذهان الفرس المسلمين بالديانة الزرادشتية فنفروا منها ، كما ان الكتابة البهلوية لم تكن شائعة بين الفرس بل كانت محصورة في طبقة خاصة منهم هي طبقة الكتاب وهذا العامل سهل على الفرس هجرها واستعمال الكتابة العربية الجديدة.
كما إن البهلوية هي لغة المناطق المتاخمة للبلاد العربية وكانت هذه المناطق دائماً في طريق الغزوات والهجمات العربية المختلفة نحو المشرق، ونتيجة لذلك كان أثر الفتوح الإسلامية شديداً في هذه اللغة ولهذه الأسباب زالت اللغة البهلوية من جراء الفتوحات الاسلامية .
لقد كانت اللغة السائدة في المشرق و تحديدا ً في بخارى وسمرقند وخراسان هي اللغة الدرية مما عزز في بقائها هو قيام الدولة الفارسية المستقلة عن الدولة العباسية، وهذه الدولة هي التي ساعدت على بعث النهضة الأدبية الفارسية وطبيعي إن تتخذ هذه النهضة التي قامت في المشرق لغة المشرق في كل ما يكتب أو يؤلف .
لقد اتخذت الدولة الفارسية المستقلة التي قامت بالمشرق لغة قومية بدل اللغة العربية لبعد المناطق الشرقية عن مركز الخلافة العربية وضعف قبضة الخلافة عليها، وهكذا ظهرت اللغة الفارسية الإسلامية التي اشتد ساعدها بعد ذلك وكتب بها شعراء تزعموا النهضة الفارسية الأدبية بعد الفتح الاسلامي كالشاعر الفارسي المعروف الرودكي، وظهرت التآليف والترجمات بهذه اللغة.
ولا يفهم من هذا إن الفرس هجروا اللغة العربية بعد أن عززوا لغتهم القومية لأنهم في الحقيقة لم ينصرفوا عنها في أدبهم وتآليفهم .
وفي الدولة السامانية التي اتخذت بخارى عاصمة لها والتي ظهر فيها أول شعراء الفرس الكبار بعد الإسلام كالرودكي، راج الشعر العربي رواجاً كبيراً، ومع أن الدولة السامانية كانت فارسية إلا أنها لم تحرم الأدب العربي من الرعاية ، كما نالت العربية في عهد والي جرجان ( أحمد بن إسماعيل الساماني ) شيئاً من مكانتها القديمة حتى صارت لغة الوثائق الرسمية .
إن اللغة الفارسية الجديدة وان أصبحت لغة الفرس القومية إلا أنها تعايشت مع العربية جنباً إلى جنب في تآلف وتعاون وتفاعل وقد أثرت كل منهما في الأخرى وتفاعلت معها، وقد أدت هذه العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهم .
لقد أدت العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهما، فاللغة العربية لها تأثير واضح في اللغة الفارسية ومن مظاهر هذا التأثير: كثرة الألفاظ العربية في اللغة الفارسية، وكتابة اللغة الفارسية بالخط العربي واقتباس بعض قواعد اللغة العربية واستعمال أوزان الشعر العربي وقوافيه.
كما إن اللغة الفارسية أثرت في اللغة العربية حيث دخلتها مجموعة من الألفاظ الفارسية فضلاً عن تركها بصمات واضحة في المنطق العربي .
سادت العربية في بلاد فارس وكان الدافع الأول لإقبال الفرس على تعلمها هو الإيمان الصادق بالإسلام، وان اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي ولغة ومنبعيه الأساسيين- القرآن الكريم والحديث النبوي ـ كما إن اللغة العربية كانت لغة أصحاب السلطان ولغة التدريس في المدارس ولذلك أقبل اهل فارس على تعلمها .